إعداد : أ. مصطفى صالح ( المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة MCPD )
من قلب واقع مظلم تقسو عليه الظروف والمصاعب، تنبثق نماذج مشرقة تؤكد إمكانية قهر الظروف والتغلب عليها متى ما وُجِدت الإرادة القوية والثقة الذاتية والغاية النبيلة.
“آلاء” ذات الـ 11 عامًا وشقيقها “أبان” المشاكس اللطيف الذي يقترب من إكمال ربيعه السادس، طفلان من ذوي الإعاقة السمعية لم يعرف الأطباء سبب إعاقتهما حتى الآن، مثلا نموذجاً يحتذى به في الإيمان بالقدرات والمواهب والإبداع، ساعدهما بذلك والدان يفخران بهما ويثقان بقدراتهما ويؤمنان بأن الإعاقة ليست نهاية المطاف وليست المشكلة في الإعاقة بل في النظرة القاصرة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة.
والد الطفلان، عادل علي دبوان الشحري، طبيب أسنان، من محافظة تعز، يقيم مع عائلته في السعودية منذ نهاية العام 2014، لفت انتباه آلاف المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي داخل الوطن وخارجه، عبر مشاركته لمقاطع فيديو لطفليه، ذات محتوى ترفيهي وتعليمي في الوقت نفسه.
يقول الوالد في حديث مع المركز الإعلامي إن الفكرة انطلقت عندما بدأت طفلته آلاء بالمشاركة في مناسبات وطنية بالسعودية، وحينما رأى حجم التفاعل الكبير معها على (تويتر وسناب شات)، سجل لها عدة مقاطع مرئية ونشرها على صفحته في الفيسبوك، ولاقت تفاعلاً كبيراً، فدعمها بشكل أكبر بافتتاح قناة لها على اليوتيوب تقدم محتوى تعليمياً بطريقة ترفيهية، على أن تقدم مستقبلاً دروساً تعليمية بلغة الإشارة.
ويتحدث عادل برضى كبير عن ارتفاع الوعي بأهمية لغة الإشارة وفهمها لدى متابعيه رغم وجود تعليقات “صادمة” من قبل البعض في بداية المشوار، لكن تكفل بالرد عليها بقية المتابعين، ومن ردود الفعل السلبية يذكر حالات تنمر كان يزعم أصحابها أن بعض حركات (لغة الإشارة) هي رموز مسيئة.
في حين أن من المواقف الإيجابية الدعم المعنوي الذي تلقته طفلته آلاء من المتابعين وبعض الشخصيات المشهورة، أما الدعم والتشجيع من الجهات الرسمية أو الخاصة في اليمن فلم يحظَ بهما طفلاه خصوصاً بعد استقرارهما خارج البلاد.
تتلقى آلاء تعليمها النظامي، واليوم تدرس في الصف السادس الابتدائي ضمن معهد للأشخاص الصم في المملكة، وسبق أن تعلمت في مدارس دامجة وأخرى خاصة، في حين لم يلتحق شقيقها “أبان” بالتعليم بعد نظراً لصغر سنه.
ويواجه والدهما، صعوبات تتمثل في البحث عن مدارس لطفليه، فأحياناً لا يكون في المدينة مدرسة خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، وأحياناً توجد المدرسة ولا يجد فصلاً لابنته آلاء، غير أنه بحكم الإقامة، يتغلب على تلك الصعوبات بمساعدة من الجهات الرسمية في منطقة جازان بالمملكة إذ قامت الأخيرة بتوفير فصل لآلاء حسب قوله.
يتمتع الطفلان بإبداعات وهوايات أهمها الرسم والاطلاع ولديهما شغف وهمة عالية في البحث عبر الإنترنت عن أشياء جديدة وكلمات وأماكن، وأي فكرة تخطر على بالهما يقومان بالبحث والاطلاع على تفاصيلها.
وتحب آلاء الرسم كثيرًا وقد حصلت على جوائز كثيرة في مجال الرسم خلال مناسبات وطنية، وكذلك في المدارس على مستوى مناطق كبيرة في السعودية، وسبق أن شاركت آلاء أيضًا في أكثر من مسابقة وحصلت على جوائز في حفظ القرآن الكريم، ولديها أكثر من 20 ألف متابع على موقع فيسبوك ومتابعين كثر في سناب شات وتويتر وإنستغرام ويوتيوب.
يقول والد آلاء، إن طفلته لديها أيضًا مهارات قيادية، وغالباً هي متفوقة ومن أوائل المدرسة، وترشد زميلاتها على سبيل المثال أين يقضين الفسحة، وماذا يفعلن ويلعبن، ومتى يخرجن، وأين يلتقين يوم الجمعة، وهكذا في أمورهن اليومية. إلخ…..
وعن تفاصيل حياة آلاء وأبان اليومية يقول والد الطفلين: “يقضي أبان وآلاء تفاصيل يومهما كغيرهما من الأطفال، تندلع بينهما معارك الطفولة على الدفاتر والأقلام وبعض الألعاب أحياناً، وفي أحايين كثيرة تجمعهما علاقة مرحة وحيوية، ويتفننان في صنع المقالب اللطيفة لبعضهما” ويضيف ضاحكاً: “أبان أكثر تفوقاً في صنع المقالب…”.
الدور الأكبر في صنع نجاح آلاء وأبان بعد إرادتهما يعود للمدرسة العظيمة “الأم” فهي بحسب أبيهما صاحبة الدور الأكبر، إذ يقول ممتناً لها خلال حديثه مع المركز الإعلامي” أنا منشغل بعملي ودوامي كطبيب أسنان، وتتحمل زوجتي العبء الأكبر وقد أصبحت اليوم متمكنة في لغة الإشارة، وتبحث ليلاً ونهاراً عن لغة الإشارة في الإنترنت وتعلمت من القاموس السعودي والمصري واليمني مما مكنها من جعل آلاء نموذجاً يحتذى به في المدارس التي تدرس فيها، وتستفيد المدارس من خبرتها في ترجمة بعض المقاطع أو الكلمات بلغة الإشارة.
وعن خجل بعض أولياء أمور ذوي الإعاقة من إعاقة أبنائهم، يتأسف والد آلاء وأبان بشدة، ويرى أنها ظاهرة سلبية ومحبطة، ويقول إن من أسباب نشره لمقاطع طفليه، في السوشال ميديا هو زرع الثقة فيهما وكذلك تحفيز المجتمع وأولياء الأمور كي يظهروا فخرهم وثقتهم بأبنائهم، وأنهم بهممهم العالية سيواجهون كل الصعاب.
ولا يخفي أن هناك نظرة سلبية من بعض من وصفهم بالمتعلمين الذين ينظرون إلى الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية نظرة سلبية، ويقول إنهم أشخاص لطيفون وأنيقون، وإن كان هناك استثناء فذلك نتيجة عدم اختلاطهم مع الناس أو اختلاط الناس بهم على حد تعبيره.
ويطالب والد الطفلان، الجهات المختصة في اليمن بتوفير الصفوف للأشخاص ذوي الإعاقة في كل المناطق إن لم يكن في كل المدارس قائلاً: إنهم شريحة كبيرة جداً وسيخدمون المجتمع ويقدمون رسالة راقية جداً ويجب الاهتمام بهم.
وتوجه برسالة إلى المجتمع، وخصوصاً أولياء الأمور الذين لديهم أبناء من ذوي الإعاقة مفادها أن يثقوا بأولادهم ويزرعوا فيهم الثقة، وسيرون منهم الكثير والكثير. وعبر عن أمنيته بنشر لغة الإشارة في المرافق الحكومية والمستشفيات والمدارس والجامعات والمراكز التجارية وكل المنشآت التي يرتادها الأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية.
وتمثل آلاء وأبان وعائلتهما، إحدى قصص النجاح الملهمة والمشرفة التي تؤكد أن الإعاقة ليست مبرراً لعزل الأشخاص من ذويها وقمع قدراتهم ولو لم يقم عادل وزوجته بما قاما به، لكان طفلاهما اليوم خارج المدرسة والتعليم ككثير من أقرانهما في العمر والإعاقة الذين هضمت عائلاتهم حقهم وآثرت كبت قدراتهم وإبداعهم واعتقال تطلعاتهم وطموحاتهم.
ختامًا، تقول آلاء في أحد منشوراتها على الفيسبوك: لم يمنعني فقدان السمع من تطوير مهاراتي بل تجاوزت ذلك، بكل إصرار وتحدي لإعطاء دروس لكل من يعانون من فقدان السمع مثلي.