أفكار وتأملات علمية من وحي مناقشات المؤتمر العلمي الدولي المتلازمات النادرة المرتبطة بالإعاقة فبراير 2023
بقلم : الدكتور/علي صابر حسن
تمنيت لو أتيح وقت لأناقش مع زملائي والحضور في مؤتمر المتلازمات النادرة المرتبطة بالإعاقة خلفيات ومعلومات ذات صلة وثيقة بما عرض من بحوث وتجارب ودراسات، ولأن مجلة المنال الموقرة تفتح موقعها بترحاب لكل المساهمات الجادة، سأكتب منذ اليوم بعض المقالات التي تؤصل لأسسٍ علمية للممارسات العلاجية (علاج طبيعي ووظيفي وتعديل سلوك وتخاطب وعلاج بالفن والموسيقى).
الأثر العصبي البيولوجي للصدمة والكرب وعلاقة ذلك بالعمل مع الأطفال
- غالباً ما يكون للصدمة والشدة المطولة لدى الأطفال أثر على نموهم، فالصدمة تؤدي إلى خلل في النمو العصبي الحيوي بإحداث تغييرات في مراكز الوظائف (الشعورية والسلوكية والشخصية والذهنية والحسية والحيوية).
- وقد بدأت الدراسات في بحث (نمو الطفل والتصاقه بالمحيطين والصدمة وأثرها عليه) ومن ثم ابتكار وإنتاج علاج للطفل المصدوم، وهنا تبرز أسئلة عن خريطة التغييرات في الميكانزيمات النفسية ومراحل التكوين ودور العلاج في تعويض ذلك نمائياً وتشريحياً.
البيولوجيا العصبية لنمو الطفل:
- ينمو مخ الطفل بسرعة في أول ثلاث سنوات من عمره، ويحتاج فترة طويلة للنضج، وهو ينمو من (الوظائف البرائية) إلى (الوظائف الأعلى)، ولهذا فإن المراكز التي يولد الطفل وهي مكتملة التكوين هي المراكز التي تخص وظائف (التنفس والهضم وبعض السيطرة على الرؤية والحركة).
- بعد الولادة يستمر نمو المخ وظيفياً ومتأثراً بالخبرات وبواسطة (إشارات هرمونية عصبية وموصلات كيماوية وإشارات كهربية) تنشأ في المراكز البدائية السابق الولادة بها. وذلك بتكوين توصيلات ومسارات بين مناطق المخ لتعمل بكفاءة نتيجة استخدامها بشكل متكرر .
- لكن إذا تعرض المخ لمواقف ملتبسة، فإنه سيفاضل نمو مناطق عن أخرى على حساب الشكل الكلي. فمثلا ًعند تعرض الجسم للشدة سينتج هرمون كورتيزول، الذي ينتج الأدرينالين المهم للتفاعل السريع مع الخطر، لكن التعرض لفترات طويلة ومزمنة من الصدمة وصعوبة الالتصاق بالمحيطين سيؤدي لحدوث عدم انتظام (فسيولوجي وشعوري) ومثل هذه الأنماط من التفاعل ورد الفعل، يكون لها توصيلات عصبية قد يصعب تغييرها، وخاصة إذا بدأت في سن مبكر ولأنها غير طبيعية ستؤثر على نمو مسارات عصبية ومراكز أخرى في المخ.
- في هذه السنوات الأولى يحدث (نمو سريع وتزامن) في ثلاث مناطق بدائية ضمن المخ.
- النظام الحوفي الذي ينظم المشاعر وينسق تنظيم النفس وتكوين الذكريات، ومناطق قشرة المخ التي تنسق الوظائف العقلية والتنفيذية، ونظام الاستجابة للشدة.
- ومن المهم معرفة أن مناطق الفص الأمامية للمخ والتي تتحكم في الأفكار المعقدة والوظائف التنفيذية والتحكم والسيطرة على المشاعر تحتاج وقتاً أطول للنمو حتى بداية البلوغ.
- وهذه الفترة الطويلة للنمو، تجعل مخ الطفل عرضة وحساساً للعوامل البيئية (الجيد منها والسيء) فمثلاً، الفص الأمامي غير المكتمل يسمح للطفل بمرونة وتعلم سريع وتفكير إبداعي والتكيف مع محيطة وعلى الجانب السلبي يقلل من السيطرة السلوكية والعقلية، مما يجعل الطفل في خطر إذا لم تتابعه بيئته المحيطة وتحميه أو توفر له التعليم المثالي.
- واضح أن التعرض لضغط الشدة والرعاية غير الكافية في سنوات التكوين المبكرة سيؤثر على هذه العمليات النمائية لمناطق المخ المختلفة، ويعتمد هذا الأثر على التكوين الجيني للطفل و درجة نموه السابقة، كما يختلف التأثير حسب سن الطفل لأنه يحدد مناطق المخ والجهاز العصبي الأسرع في النمو، ومن ثم ستتأثر بدرجة أكبر. ولأن الخبرة تشكل وتنسق تكوين المخ بدرجة ما ، وخاصة خبرات العلاقات والالتصاق بالمحيطين، فإن حدوث صدمات مبكرة وشديدة وصعوبة في الالتصاق ، ستؤدي إلى نتائج سلبية ممتدة ومقاومة للتغيير .
- فعدم نمو المراكز البدائية في المخ بشكل مثالي، يؤثر على نمو المراكز الأعلى وقشرة المخ والتواصل الفعال بين مناطق الدماغ ولذلك تداعيات على قدرة الطفل في (تعلم التنظيم والانتباه للإشارات الحسية والشعورية والاجتماعية) وتكوين الذاكرة والقدرة على فهم معنى الخبرات.
أخصائى الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى آل سليمان وشركة كهرباء مصر
طبيب جمعية ومركز التأهيل الشامل للمعاقين بمحافظة بورسعيد
مستشار إعاقات الطفولة لجمعية نور الرحمن
صاحب مدونة ( إطلالة على التوحد ),
كاتب ومؤلف بمجلة وكتاب المنال الصادر عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
كاتب بمجلة أكاديمية التربية الخاصة السعودية