إعداد : نفلاء بنت علي القاضي
[email protected]
لا شك أن موضوع العلاج بالفن قد شغل اهتمام الباحثين منذ سنوات بعيدة وحتى الآن لاتزال دراسات تحتل مكانة رئيسية في هذا المجال مع مختلف الأفراد، ولكن هل لهذا العلاج دور فعّال مع الأشخاص ذوي الإعاقة وأين يكمن هذا الدور في التحسين والانتقال من حالة إلى أخرى؟
يهدف العلاج بالفن إلى مساعدة الأفراد على أن يعبروا ويفسّروا ويفهموا المعنى والدلالة من أعمالهم الفنيّة ولا يشترط أن يكون العمل الرسم -على سبيل المثال- ذا طابع جمالي متقن بل تترك للفرد حرية اختيار الرسم واستخدام الألوان كما يشاء.
ولتوضيح أكثر لمعنى العلاج بالفن فهو الاستعمال العلاجي للإنتاج الفني في حدود علاقة مهنية من قبل أفراد يعانون من عرض نفسي أو صدمة أو مصاعب في الحياة ومن قبل أفراد يسعون إلى النمو الشخصي من خلال ابتكار الفن والتمعن في إنتاجه ليستطيع الأفراد أن يزيدوا درجة إدراكهم لأنفسهم وللآخرين ويتمكنوا من التأقلم مع الضغوط التي تنتابهم ويستمتعوا بالحياة من خلال الإنتاج الفني (اليامي 2008).
أهمية العلاج بالفن مع الأشخاص ذوي صعوبات التعلم:
يُعد الفن سواءً كان بالرسم أو الموسيقى أو غيرهما من الفنون عملاً تعبيرياً بديلاً عن اللغة وشكلاً من أشكال التواصل غير اللّفظي، فالأطفال يعكسون بالرسوم مشاعرهم الحقيقية تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين, والرسم الحُر وسيلة ممتازة لفهم العوامل النفسية خلف السلوك المُشكل كما أثبتت العديد من الدراسات النفسية التحليلية للأطفال أن المعالج قادر على فهم دوافع الطفل والوصول إلى عقله الباطن والتعرف على مشاكله وما يواجهه (الحوطي, 2016)
إن الطلاب من ذوي صعوبات التعلم بحاجة لمثل هذا التدخل أكثر من غيرهم لأنهم -عادةً- يُحرَمون من حصص النشاط والحصص الفنيّة لوجودهم في غُرف المصادر ولا يجدون فُرصة كافية للتعبير عن مشاعرهم وانفعالاتهم خلال اليوم الدراسي، فالعلاج بالفن يُفيد علاجياً وتربويًا وترفيهيًا أوردتها بدر (2018) كالتالي:
علاجيًا:
تعد التربية الفنيّة وسيلة للإدراك والفهم والوعي فتعمل على توجيه الطالب لإدراك العلاقات والتصور وتكسبه القدرة على التميز وسرعة الملاحظة، وتزداد أهمية التربية الفنيّة كلما تم تدريب الحواس على الاستخدام غير المحدود الذي يساعد على رفاهة الحس والتكيُف مع البيئة المحيطة.
تربويًّا:
يُساعد هذا التدخل على الانتقال من الدور السلبي في تلقّي المعلومة إلى الدور الفعّال في بناء المعرفة كما تُمكّن الفرد من التحكُم بتعلُمه وتنظيمه ذاتيًا، وتُعزّز من تنمية الشخصية والقدرات ليعمل بروح الجماعة.
ترفيهيًا:
تعتبر التربية الفنيّة وسيلة مهمة للتعبير عن المشاعر والأفكار والتنفيس الانفعالي وإضفاء البهجة والسعادة ضمن البيئة المحيطة بالطالب وتساعده على شغل وقت فراغه بشكل مُثمر ليتعرّف على مصادر الأدوات والخامات ويكتشف أنه يعمل بالخامة وليس ضدّها.
مبررات استخدام العلاج بالفن مع الأشخاص ذوي صعوبات التعلم:
أولًا: لتحسين مفهوم الذات:
إن أكثر ما يتسم به طلاب صعوبات التعلم هو تدني تقدير الذات لديهم وذلك بسبب الفشل الدراسي المتكرر المُتمثل بعسر القراءة والكتابة أو الحساب، وقد تكون لأسباب تعود لسوء تعامل الأسرة والمعلمين أو تعرضهم للتنمُر من قبل أقرانهم.
أثبتت دراسة القحطاني (2018) فاعلية العلاج بالفن على (20) تلميذاً من ذوي صعوبات التعلم من الصف الثالث إلى الصف السادس, واعتمد البرنامج على الرسم الحُر الترفيهي, وإكمال الرسوم, وتلوين الرسومات الجاهزة حيث اعتمد الباحث على العمل بشكل فردي لكل طالب من أفراد العينة على حدة في وقت واحد لتنمية التواصل اللفظي والتفاعل مع الآخرين ولتخطّي حاجز القلق اعتمد على الحوافز والتقدير, ولنقل أثر المهارات التي تعلّمها الطلاب تم تكليفهم بواجبات منزلية يُناقشون فيها بعضهم بداية الجلسة القادمة لتنمية مهارة تكوين علاقات إيجابية مع الزملاء.
ثانيًا: لخفض اضطراب العناد:
سلوك العناد من السلوكيات الشائعة عند الأشخاص ذوي صعوبات التعلم ويُقصد به التمرُد والتحدّي المُتكرر على أصحاب السلطة ومن أشكاله مُجادلة الكبار، ورفض الامتثال للقواعد والتعليمات، ولوم الآخرين على أخطائهم وسوء سلوكهم، وتختلف دوافعه من شخص إلى آخر فقد يكون العناد عند الأشخاص ذوي صعوبات التعلم وسيلة للتهرب من المُذاكرة أو أداء الواجبات الأكاديمية كالقراءة والكتابة لأن نتيجة هذا الواجب قد تكون متدنية وينتج عنها سلوك عدواني من أحد الوالدين لذا يكون العناد وسيلة للتهرب من العقاب.
ولخفض اضطراب العناد أثبتت دراسة محمد (2012) فاعلية العلاج بالفن، واعتمد الباحث على أكثر من فن كالرسم، والتصميم، والتشكيل، والمسرح.
تم تقسيم المجموعة التجريبية إلى مجموعات فرعية تخضع لمعايير معينة قائمة على فنيات تعديل السلوك، تقوم هذه المجموعات على مبدأ المنافسة بين المجموعات والتعاون بين أعضاء الجماعة الواحدة حيث يتشاركون في اختيار الموضوعات الفنية.
لم يهتم الباحث بالناتج الفني الشكلي بقدر الاهتمام بتنمية الإحساس بالمسؤولية، وتنمية العمل بروح الفريق، ودعم اتخاذ القرار بالرجوع إلى أعضاء المجموعة، كما تم تدريبهم على التعاون وضبط النفس وحل المشكلات بالإضافة إلى إطلاق الحرية لتنمو المهارة الفنية نمواً تلقائياً طبيعياً خالٍ من القيود.
ثالثًا: لخفض اضطرابات الأداء الوظيفي:
يُعرف الأداء الوظيفي بأنه مجموعة من العمليات العقلية التي تساعد في ربط الخبرات السابقة مع الأفعال الحالية كالانتباه والتذكر والإدراك والتفكير إذ تستخدم هذه العمليات في الحياة اليومية من أجل وضع الخطط ومتابعة الوقت وتقييم الأفكار وعكسها على الأفعال وطلب المساعدة أو البحث عن المعلومات عند الحاجة (Meltzer, 2010).
تم استخدام العلاج بالفن لخفض اضطرابات الأداء الوظيفي من قِبل بدر (2018) وطُبقت هذه الدراسة على (100) طالب وطالبة من ذوي صعوبات التعلم من الصف الثالث إلى السادس واستغرق البرنامج (35) جلسة تدريبية وكانت على ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة التعبير – يخرج الفرد ما بداخله من خلال الرسم الحر.
الثانية: مرحلة التحليل- يبدأ المعالج النفسي بتحليل هذه الرسوم
الثالثة: العلاج- ويظهر هنا التطوّر في الحالة.
محاور الرسم:
- التعبير الفني بالرسم والتصوير.
- التصميم.
- التشكيل والتركيب والبناء.
أما الاستراتيجيات المستخدمة في هذه الجلسات فهي ثلاث:
- التدريب على العمليات العقلية (انتباه -تذكر -تفكير -إدراك).
- استراتيجية تحليل المهمة.
- استراتيجية الحواس المتعددة.
ونظراً لما للعلاج بالفن من نتائج إيجابية أثبتتها الدراسات العلمية; على المعلمين والمربين الاتجاه لهذا التدخل العلاجي الذي سينقل الطالب من حالة إلى أخرى تجعله أكثر تفاعلًا مع بيئته، كما توصي هذه الدراسات بالاهتمام بالتربية الفنية داخل المدارس وبتدريب المعلمين على فنيّات وأُسس العلاج بالفن لأنها ستكون أقل تكلفة من تلقي العلاج داخل المراكز.
المراجع:
أحمد، محمد حسن (2012). فعالية برنامج قائم على العلاج في خفض اضطراب العناد المتحدي لدى الأطفال ذوي صعوبات التعلم. مجلة التربية الخاصة. ع1.
بدر، سها عبد الرزاق (2018). فاعلية برنامج تدريبي قائم على العلاج بالفن لخفض اضطرابات الأداء الوظيفي للطلبة ذوي صعوبات التعلم. مجلة العلوم التربوية. مج 45, ع 1.
فضل، الحوطي، إيمان (2016). العلاج بالفن أسلوب ناجح مع الأطفال. الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.
القحطاني، مبارك شتوي (2016). فعالية العلاج بالفن في تحسين الذات لدى التلاميذ ذوي صعوبات التعلم. المجلة العربية للتربية والعلوم والآداب. ع5.
اليامي، عوض (2008). العلاج بالفن: تاريخه، مفهومه، نظرياته، تطبيقاته. الرياض: جامعة الملك سعود.
Meltzer, L. (2010). Promoting executive Function in the Classroome.UK: The Guilford Press.
نفلاء بنت علي القاضي
ماجستير الآداب في التربية الخاصة/ مسار صعوبات تعلم.
العضويات:
- عضو بمركز سمو الفكر للإرشاد. بالرياض
- عضو بالجمعية السعودية للتربية الخاصة (جستر).
للتواصل:
تويتر: @nafla_alqadi