منذ اليوم الأول الذي يأتي به الطفل الصغير إلى الحياة نرى أن الأبوين يريدان كل شيء بالنسبة لطفلهما ، وخاصة إذا كان هذا الطفل هو الطفل الأول لهما. ومن الأمور الهامة التي تقلق الوالدين هو إذا ما كانا يدللان طفلهما أكثر من اللازم. وكثيراً ما يسمع الأبوان الصغار من الآباء
والأمهات الكبار عبارة (إنكما ستفسدان هذا الصغير من فرط تدليلكما له). فماذا نعني بعبارة إفساد الطفل من فرط التدليل؟ وماذا ينبغي على الآباء والأمهات حديثي العهد بالأطفال عمله؟
من هو الطفل المفرط في الدلال؟ هو الطفل الذي يسيء التصرف في المنزل وخارج نطاق الأسرة بسبب التدليل المفرط من قبل الكبار. وهوالذي يتمركز حول ذاته ويبدي قلة الاهتمام والاعتبار للآخرين. وهو كثير الطلبات، ويريد تلبية جميع احتياجاته، ويرى نفسه ويرى متطلباته أهم من أي شيء آخر، ومستعد لعمل أي شيء للحصول على ما يريد. وهذه الحالة ليست لها أي علاقة بالأمراض العقلية.
لا يمكن للآباء أن يفسدوا أطفالهم بالتدليل خلال الستة أشهر الآولى من أعمارهم عندما يلبوا حاجاتهم الفطرية من الإحساس بالجوع أو الألم أو الحاجة للنظافة ومن الإحساس بالاهتمام والتواصل وحاجتهم للحمل عندما يبكون. بل إن هذا الاهتمام يجعل الطفل الرضيع أكثر سعادة وأكثر اعتماداً على النفس كلما لبَى الوالدان حاجاته بسرعة أكبر واستجابا لبكائه فوراً. ويكون أكثر ثقة بأن والديه موجودان دائماً من أجله وكلما احتاجهما.
ولكن هل يكون بكاء الأطفال بعد الستة أشهر الآولى دلالا زائدا؟ لا، بل هو جزء من نموهم الطبيعي، وهو يعني أنهم بدأوا يتغيروا ويقولوا «لا» من خلال الصراخ. أما التدليل الذي لا داعي له فيكون حينما يعطيهم الآباء أكثر مما يحتاجون. فقد يبدأ الآباء بإفساد سلوك أطفالهم حتى قبل عيد ميلادهم الأول من خلال الإغداق عليهم بالهدايا وجعلهم يتحكمون بالكبار من خلال دموعهم. ومن المعتقد أن الطريقة التي نلاطف بها الطفل الصغير ليكف عن البكاء ستشجعه على البكاء أكثر. أما البكاء لأسباب كالجوع والألم فهو الأسلوب الفطري الذي يعلن الطفل من خلاله عن حاجاته، وإن تلبية هذه الحاجات لا تفسد الطفل. كما أن انتباه الآباء لتلبية حاجات الطفل دونما بكاء يجعل الطفل يثق في أنه في عالم آمن وحنون. أما في حالة بكاء الطفل بدون سبب فمن المعتقد أنه إذا ترك الآباء كل ما بأيديهم لهدهدة الطفل فإن ذلك سيشعره بأنه سيد الموقف وأنه هو المسيطر على والديه. ويقترح هنا إرضاء الطفل بإعطائه لعبة ليلهو بها أو قطعة بسكويت أو تركه يحبو على الأرض.
ومع نمو الطفل في سنوات ما قبل المدرسة تبدأ رغبته بعمل أشيائه الخاصة بنفسه. وهنا لا ينبغي على الآباء أن يبادروا بأداء تلك الأشياء نيابة عنه كارتداء ملابسه وتناول طعامه وترتيب ألعابه وكتبه. ومع استمرار نمو الطفل يجب أن يستمر الآباء بإغداق الحب له واهتمامهم به. فالدفء العاطفي من قبل الوالدين هام جداً لنمو الطفل جسدياً وعقلياً واجتماعياً. ويكون إظهار الدفء والحب من خلال حضن الطفل ومداعبته واللعب والتحدث معه. وهذا الحب والتواصل لا يؤدي إلى إفساد الطفل، بل يؤدي إلى تنشئة شخصيته كإنسان قادر وواثق من نفسه وناجح في مستقبله.
أما أهم الأسباب التي تؤدي إلى فساد سلوك الأطفال فهي:
- الحماية الزائدة من قبل الوالدين للطفل من المؤثرات الخارجية، والحب الزائد ورغبة الآباء بأن يكون مستقبل أبنائهم أفضل من مستقبلهم، أو قد لا يريد الآباء أن يمر أبناؤهم بظروف صعبة كالتي مروا بها في طفولتهم.
- فشل الآباء في وضع قوانين وحدود مناسبة لعمر الطفل، أو فشلهما في تطبيق تلك القوانين.
- الإكثار من الهدايا والألعاب وخاصة في الأحوال التي يتصرف فيها الطفل بطريقة غير لائقة.
- طريقة سلوك الآباء كنماذج يراها الطفل ويتأثر بها.
- تعرض الطفل لأحداث خاصة كالمرض أو ولادة طفل جديد للأسرة.
- الضغوط الخارجية التي تجعل من الصعب على الآباء وضع القوانين وتطبيقها لتنظيم حياة الطفل كتدخل الجد والجدة وضغوط العمل وضيق الوقت.
- طبيعة بعض الآباء الذين لا يعرفون كيف يكونوا حازمين مع أبنائهم ولا يستطيعون تحمل غضب الطفل وبكائه.
- إعطاء الطفل أكثر مما يحتاج؛ فلم يمر بتاريخ البشرية وقت مثل وقتنا الحاضر الذي يتوفر فيه للأطفال كل شيء من تلفزيون وكمبيوتر وكتب ومجلات وألعاب إلكترونية، وغير ذلك. ومع ذلك فكثير من الآباء يطمحون لأطفالهم بالمزيد.
ومن المقترحات المفيدة في التعامل مع الأطفال دون الإفراط في تدليلهم:
- وضع الحدود والقوانين البسيطة والواضحة والحازمة للسلوك: وذلك بهدف تربية الأطفال على الاستقلالية والاعتماد على النفس. وأهمية تطبيق تلك القوانين بعدل وحزم. وإن تعليم القوانين للأطفال يتطلب الصبر والتوجيه من الوالدين. ومن تلك القوانين مواعيد النوم والطعام وتناول الحلوى وشراء الألعاب ومشاهدة التلفزيون. وإذا لم يكن الآباء حازمين في تنفيذ تلك القوانين فسرعان ما يكتشف الطفل هشاشة تلك القوانين ويعمل على كسرها باحتجاجه المستمر وصراخه العالي.
- تشجيع الأطفال على المساعدة في بعض الأعمال: يجب تدريب الأطفال على تحمل مسؤولية القيام ببعض الأعمال البسيطة مثل إعادة الألعاب إلى مكانها وترتيب الكتب. وعندما يكبروا قليلاً يجب تعويدهم على القيام بأعمال لخدمة العائلة كالمساعدة في ترتيب المائدة ومناولة بعض الأغراض؛ مما يعودهم على ألاَ يحصلوا على جميع أشيائهم جاهزة من قبل الأهل، ولكي يتعلموا أن يفكروا بالآخرين بدلاً من أن يبقى تفكيرهم محصوراً بذواتهم.
- ترك الطفل يشعر بخيبة الأمل: يجب تعويد الطفل بأنه لا يمكن تلبية جميع حاجاته في جميع الأوقات، كعدم الخروج في نزهة لسبب معين، أو أنه لم يتم العثور على اللعبة التي يريدها. ومع الوقت يعتاد الطفل كيف يواجه خيبات الأمل لعدم تحقق ما يريد بكل ثبات وتعقل.
- عدم التسرع والتدخل لمساعدة الطفل إذا وجد صعوبة في أمر بسيط. ويجب تركه يتعود على حل مشاكله بنفسه والتكيف مع العالم من حوله ليصبح مستعداً لمواجهة الحياة في المستقبل. وبنفس الوقت يجدر عدم المبالغة في مدحه والثناء عليه إذا نجح في حل مشكلة معينة، فهذا ما يجب أن يكون، والمطلوب فقط أن يكون الآباء ايجابيين وداعمين ومعتدلين.
- المكافأة والعقاب: في تربية الأطفال يجب تنفيذ أي عقوبات تم تهديد الطفل بها، ومكافأته على التصرف الجيد بحسب ما تم وعده. ويجدر بالآباء ألاَ يركزوا على التصرفات السيئة للأطفال فقط، بل عليهم ملاحظة أطفالهم عندما يكونوا سعداء ومشغولون. فيمكن، على سبيل المثال، إخبارهم بأنهم قد ركَبوا عمارة رائعة من قطع الليجو. أما العقاب المقصود هنا فهو ليس العقاب الجسدي فهذا أمر مرفوض تماماً، بل هو حرمان الطفل من بعض الامتيازات والأشياء التي يحبها.
- عدم التفاوض مع الطفل: التفاوض عادة يكون مع الإبن البالغ لمناقشته بالقوانين والعقوبات. أما الطفل الصغير فلا تنبغي مناقشته، بل يجب إجباره على اتباع القوانين لأن مناقشته سوف تعطيه القوة وتشجعه لأن يكون متمركزاً حول ذاته بشكل أكبر.
- النظر لبكاء الطفل على أنه أمر عادي؛ فلا يتسرع الأب أو الأم لتهدئة الطفل إذا بكى بقطعة من الحلوى أو بلعبة لأن ذلك سيعلمه أن بكاءه وصياحه سوف يكافأ دائماً بالهدايا والأعطيات ومزيد من الاهتمام. وسيلجأ الطفل للبكاء كلما أراد شيئاً من والديه. فالأطفال عمليَون كالكبار تماماً، وسيفعلون الشيء المناسب من وجهة نظرهم.
- تعريض الأطفال لبيئات مختلفة والتواصل مع أطفال آخرين ليصبحوا أكثر تواصلاً وتفاعلاً وتفهماً للآخرين ولاحتياجات الآخرين منذ الصغر.
- إن حب الأطفال هو هدف سامي وعاطفة فطرية لدى الآباء. ولكن من المهم إدراك أن حب الأطفال يجب أن لا يرتبط بالاعتقاد بأنهم يجب أن يشعروا دائماً بالسعادة والرضا. لأن معظم الآباء يربطون بين حبهم لأبنائهم وبين مسؤوليتهم بأن يبقى أطفالهم سعداء طول الوقت. والحقيقة هنا أن حب الأطفال يتضمن معرفة كيف يتعامل الطفل مع الغضب والحزن والإحباط عندما لا يحصل على ما يريد، لأن هذه المشاعر سيواجه مثلها في واقع الحياة مستقبلاً. فإذاً حب الأطفال لا يعني أبداً الإفراط والمبالغة في تدليلهم.