امرأة صماء مثالية وقدوة لجميع الصم في التحدي وبلوغ النجاح
ما يتمتع به الأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية، من عزيمة وإرادة قد تفوق في الكثير من الأحيان فئات أخرى تتمتع بكامل قدراتها السمعية، خاصة إذا توفرت أمامهم الفرص فحتما سيبهر هؤلاء الصم من حولهم بإنجازاتهم، وهذا يظهر جليا فيما حققته عائشة الحوسني هذه المرأة الإماراتية التي رسمت بقوة عزيمتها التي لا تعترف باليأس طريق الأمل نحو مستقبل أفضل، وأثبتت بجدارة أن المرأة الصماء شأنها شأن باقي النساء السامعات قادرة على العطاء وأخذ القرارات الذاتية والنجاح والتميز، متجاوزة بذلك نظرات المجتمع القاصرة وأفكاره الخاطئة تجاه فئة الصم، حيث حطمت بإرادتها قيود الإعاقة السمعية، واستطاعت بإصرارها الدائم أن تضع بصمة تحدياتها فوق مصاعب الإعاقة لتكون بذلك امرأة صماء مثالية وحافزا لجميع الصم الذين عانوا من ظروف الإعاقة السمعية وقدوة لهم للنهوض بواقعهم إلى أفضل المستويات.
عائشة حسن إبراهيم الحوسني من مواليد 1978 بالحميدية عجمان، شاءت الأقدار أن تولد بإعاقة سمعية، لكن عوضها الله سبحانه وتعالى بأسرة مؤمنة بقضاء الله وقدره، فنشأت في حضن مفعم بالمحبة والمودة حيث حصلت على كامل الرعاية والاهتمام والدعم والمساندة، وأكثر من ذلك تلقت التربية الصالحة والتوجيه الصحيح وذلك بحرص والديها منذ طفولتها على تقوية عزيمتها وإرادتها وتنمية مهاراتها في مختلف المجالات فسبحانه الذي يجعل لكل إنسانا سببا للعيش.
التحقت عائشة بروضة ومدرسة الأمل للصم التابعة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنة 1984 وتميزت خلال مرحلة تعليمها إلى غاية الصف التاسع إعدادي بتفوق مهاراتها في الكتابة وبتعدد هواياتها في الرسم والرياضة والأشغال اليدوية وحبها للمشاركة في المسابقات والأنشطة، وتخرجت سنة 1997 من قسم التأهيل المهني التابع للمدينة بتقدير جيد جدا لكن بحسرة عميقة، حيث لم يتوفر في ذاك الوقت مجال التعليم الثانوي والجامعي للصم، غير أن طموح عائشة كان أكبر من استسلامها للواقع وبدعم والدها المتواصل انطلقت من البيت في تصميم الأزياء والأشغال الفنية والمشاركة في أكبر المعارض التي تقام في الدولة، كما التحقت بعدة دورات في تخصصات الكمبيوتر في البرمجة والتشغيل باللغة العربية والإنجليزية وأثبتت مهاراتها وتفوقها في هذا المجال، كما حصلت على عدة شهادات تقدير وتميز من خلال مشاركتها الفعالة في عدة مسابقات فنية وثقافية وأيضا رياضية داخل وخارج الدولة، حيث حصلت على عدة جوائز في بطولات الشطرنج، وما يميز عائشة أنها لم تنقطع عن المدينة وإنما حرصت على تواصلها المستمر ومشاركتها في الفعاليات التي تنظمها للأشخاص من ذوي الإعاقة لتقدم دعمها ومساندتها لهذه الفئة.
عفاف الهريدي: عائشة طالبة متميزة ونجيبة منذ طفولتها
تقول الأستاذة عفاف الهريدي مديرة مدرسة وروضة الأمل للصم التابعة للمدينة: « تميزت عائشة الحوسني منذ التحاقها بروضة الأمل بتفوقها وكانت طالبة مجتهدة ونشيطة وموهوبة وتمتعت بقدرات عالية بتجاوبها في مختلف مراحل التعليم التي تلقتها في المدينة، وكانت دائما مبتسمة ومتفائلة وتحب المشاركة في مختلف الأنشطة والفعاليات ونجاحها يعكس دور أسرتها الفعال وحرصها على دعمها ومتابعة كل ما يهم تطوير مهاراتها، وما تقدمه عائشة الحوسني اليوم في مجال عملها وفي تطوعها الدائم مع الأشخاص من ذوي الإعاقة يستدعي الفخر ووقفة تقدير لإرادتها الصلبة كقدوة لجميع الصم».
ودعت مديرة مدرسة الأمل كافة أولياء الأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية إلى دعم ومساندة أبنائهم الصم والاهتمام بمراحل تعليمهم خاصة أن الإمكانيات متوفرة لبلوغ التعليم العالي، كما وجهت نداءها لجميع المؤسسات والجهات الحكومية والخاصة في الدولة لفتح مجال العمل لفئة الصم في مختلف التخصصات وإعطائهم الفرص لإثبات قدراتهم وإمكانياتهم على العطاء وهذا حق من حقوقهم الإنسانية والوطنية.
والد عائشة… «عزمت على إعطائها كامل الفرص لتكون مندمجة بشكل تام في المجتمع»
لم يكتف والد عائشة الحوسني بهذا القدر بل حرص على اكتشاف مواهب ابنته التي تجلت في تفوقها الملحوظ في عدة مجالات وبفضل الله حقق لها رغبتها في الحصول على وظيفة تناسب طموحها والتحقت بجدارة بالإدارة العامة للمرور بشرطة دبي بوظيفة إداري أول بقسم الفعاليات وتعمل عائشة حاليا في تقديم المحاضرات وكل ما يخص التوعية المرورية واستطاعت في فترة وجيزة أن ترتقي في وظيفتها وبرهنت في مجال عملها أنها قادرة على المشاركة في التنمية الوطنية وإعاقتها لا يمكن أن تحد أو تلغي طاقتها في العطاء والتميز.
السيد حسن إبراهيم الحوسني والد عائشة أكد أن إعاقة ابنته لم تكن سببا في حرمانها من حقوقها الإنسانية والمجتمعية وإنما العكس، حيث كرس كامل جهوده واهتماماته لتوفير الإمكانيات اللازمة لتأهيلها وعلاجها وتعليمها بدعمه المعنوي والعاطفي وأيضا بتشجيعه المتواصل لها لتكون امرأة قادرة على الاعتماد على ذاتها في كافة أمور الحياة، وقال: «إن ابنتي عائشة مميزة منذ طفولتها وهي تتمتع بقدرات عالية جدا وذكائها يبهر كل من هم حولها، كما تتميز بطيبة قلبها وحنانها الزائد، ومنذ طفولتها عزمت على إعطائها كامل الفرص لتكون مندمجة بشكل تام في المجتمع، وزرعت في شخصيتها الثقة في النفس وعلمتها أخذ القرارات بالشكل الصحيح والمناسب لدينها وأخلاقها، وبالفعل كونت وعيا كافيا في التعامل الإيجابي مع فئات المجتمع، وهي تعرف كيف تحصل على حقوقها ومطالبها، ومن خلال مشاركاتها المتعددة في كافة النشاطات والمجالات الثقافية والرياضية والتطوعية خاصة في كل ما يتعلق بمجال الصم، أصبحت عائشة تتمتع بشخصية قوية وعزيمة غير محدودة لبلوغ كامل طموحها وتحقيق أهدافها لتكسر بذلك عوامل التمييز والتهميش وتحقق النجاح والتميز ببصمتها واستقلاليتها الذاتية وطموحها الذي لا يعرف الحدود».
قالت عائشة الحوسني بإشارات معبرة ترجمها الأستاذ وائل سمير مترجم لغة إشارة بمدرسة الأمل للصم: «لم أشعر يوما أني صماء ولم تمنعني إعاقتي السمعية من العيش بحياة طبيعية كأي شخص غير معاق وهذا بفضل الله عز وجل الذي وهبني القوة والعزيمة في نفسي ورزقني بوالدين دفعتني جهودهما في تربيتي ووقفتهما في دعمي إلى كسر حواجز الخجل والخوف وتحدي المصاعب والضغوطات ونطقت في نفسي معاني الإصرار على تحطيم قيود الإعاقة لأثبت للجميع أن المرأة الصماء لا تختلف عن غيرها في شيء».
ذكرى مؤلمة… شجعتها على تحقيق الأفضل لمستقبل واعد
وبنظرات تحمل الكثير من معاني الحنين والشوق عبرت عائشة عن يوم وفاة والدتها التي عانت من مرض وشاءت الأقدار أن تفارقها وهي في سن الخامس عشر من عمرها وفي أمس الحاجة إلى وجودها، كيف لا وهي منبع الحنان والتوجيه والإرشاد حيث تعلمت عائشة من والدتها كامل الصفات والأخلاق الحميدة ومسؤولية البيت وكيف تهتم بشؤونه، أيضا تعلمت من والدتها رحمها الله التسامح والإحسان للغير، وقبل أن تفارق أم عائشة الحياة وفي زيارة لها وهي على سرير المستشفى أهدتها قلادة كانت في عنقها وفي نفس اليوم توفيت وكأنها سلمتها تقديرا لما حققته ولا تزال من نجاحات في مشوار حياتها.
عائشة تساهم اليوم في تربية إخوانها ومساعدتهم في كل ما يخصهم، كما تهتم بوالدها الذي عوضها حنان الأم، ولم تكتفي بذلك فهي تهتم بالمسنين والأيتام من خلال زيارتها المتواصلة لهم لتقديم العون والمساعدة لكل ما يحتاجونه فليس المهم أن ينطق الإنسان بلسانه وإنما المهم أن تنطق مشاعره وإحساسه بصدق وإخلاص.
عائشة الحوسني أثبتت أن المرأة الصماء منافسة بجدارة في العمل
وفي سياق تفوقها المهني أكد الرائد جمعة بن سويدان مدير إدارة الفعاليات بالإدارة العامة للمرور بشرطة دبي، أن عائشة الحوسني استطاعت أن تنافس زملاءها في العمل، من خلال جديتها ومثابرتها في عطائها المثمر في تنفيذ مهام وظيفتها بكل تميز واستحقت عدة شهادات تقديرية على جهودها المخلصة وتفانيها في العمل ومشاركتها الفعالة في أدائها المتميز في التنمية الوطنية، خاصة أنها تتمتع بحس المسؤولية وروح التعاون بالإضافة إلى أخلاقها العالية في تعاملها مع زملائها ومسؤوليها في العمل وقال: «إن الإهتمام بالمرأة الصماء باعتبارها جزءا من الحراك الاجتماعي واجب علينا ومسؤولية الجميع في تفعيل حقوقهم للارتقاء بواقعهم المستقبلي في الحياة والوجود، وعائشة هي موظفة لا يمكن الاستغناء عن مهامها حيث تقدم في كثير من الأحيان ما يعجز زملاؤها غير المعاقين عن تقديمه في العمل ونحن نقيم أداءها الفعال بغض النظر عن إعاقتها التي لم نشعر يوما بوجودها».
ولفت إلى أن انخراطها في مجال العمل يعد نجاحا لدولة الإمارات، ودليلا على تزايد الاهتمام بهذه الفئة، وصولا لتغيير نظرة المجتمع تجاه ذوي الإعاقة السمعية وخاصة المرأة الصماء ودافعا للمجتمع وللأهل بشكل خاص للاهتمام بتعليم أبنائهم الصم والإيمان بقدراتهم وصولا إلى تحقيق النجاح.
من جانبه الملازم أول عبد العزيز حسن الشميري، رئيس قسم الحملات بالإدارة العامة للمرور بشرطة دبي قال: «إن قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة حرصت على توفير كل سبل الرعاية الشاملة لجميع أفراد المجتمع بما فيهم ذوي الإعاقة، سواء للجوانب التعليمية أو الصحية أو الاجتماعية أو الإنسانية، لبناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات، و تأكيداً لحماية وتعزيز حقوق ذوي الإعاقة، وتشجيعا لهم على المشاركة الإيجابية في كافة المجالات على أساس تكافؤ الفرص».
وأضاف أن عائشة الحوسني هي زميلة متمكنة ولديها الثقة بالنفس في كل ما تنجزه من مهام ولا نفرقها عن أي موظف أخر لديها واجبات ومسؤوليات ينبغي أن تتحملها وحقوقها محفوظة لا يمكن تجاوزها ونسعى إلى بذل الجهود لتطوير مهاراتها المهنية لتصل إلى أرقى المراتب الوظيفية.
إن نجاح عائشة مستمر بعزيمتها وإصرارها على تثبيت بصمة لامعة في المجتمع وهي تسعى إلى متابعة دراستها العليا والالتحاق بالجامعة بكل ثقة وأمل في أن تصبح إحدى الشخصيات البارزة في خدمة الوطن الذي قدم لها كافة حقوق المشاركة والانتماء كغيرها من أفراد المجتمع وبدون تمييز.