يحتفل العالم أجمع في كل عام باليوم العالمي للعصا البيضاء الذي يصادف يوم الخامس عشر من أكتوبر وتمثل معاني الإحتفال بهذه المناسبة العالمية، وقفة مشتركة هادفة يتم التأكيد من خلالها على ضرورة تقديم مكتسبات جديدة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية وتسليط الضوء على أهم المستجدات التي تخصهم في هذا المجال، وأيضا التركيز على قدرات هذه الفئة من المكفوفين وإمكاناتهم وطاقاتهم المتفاوتة وضرورة دمجهم في المجتمع الدمج الأمثل الذي يتطلب من الجهات المعنية كامل الإعداد والتهيئة الجيدة ليتم بالشكل الإيجابي.
وتمثل العصا البيضاء رمزا عالميا للمكفوفين ولأحقيتهم في إستقلاليتهم الكاملة في التنقل بكل حرية وهي تعكس مطالبهم في حصولهم على الدعم والمساندة اللازمين من المجتمع ومؤسساته، وهذا الحق الذي ينبغي الحفاظ عليه وضمانه بتهيئة البيئة اللازمة لذلك من ناحية توفير البنية التحتية والإمكانيات العامة والضرورية وخاصة تعزيز توعية المجتمع التي لها الدور الأساسي والفعال في تيسير حياة الشخص الكفيف في جميع المجالات بما فيها إعتماده على نفسه بإستخدامه العصا البيضاء دون الحرج من نظرات الشفقة والإستغراب من المحيطين به، ويوم العصا البيضاء هو دعوة عالمية للتضامن مع المكفوفين والتركيز على حقوقهم وكيفية التعامل معهم ليتجاوزوا مصاعب الإعاقة.
والعصا البيضاء هي وسيلة مساعدة يستخدمها الشخص الكفيف في حياته اليومية تعينه على الحركة والتنقل وتزيد من اعتماده على نفسه وتحميه من المخاطر ومن الأشياء المحيطة به سواء في المنزل أو العمل أو الطريق حيث يستطيع أن يحدد وجود عائق في طريقه، أو حاجز حجري، أو أي تغيير في إنسيابية سطح الأرض أمامه، فتكون بذلك النور الذي يبدد عالمه المظلم، وتميزت باللون الأبيض تعريفا للناس أن من يحملها ويستعملها هو كفيف البصر فيبادرون إلى تقديم المساعدة له إذا اقتضى الأمر.
وفي هذا اليوم تحتفل جميع المراكز والجمعيات والمؤسسات بالأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية لتكريمهم وتقديرهم على إبداعاتهم وإنجازاتهم وتفوقهم في جميع المجالات الأدبية والفكرية والعلمية والفنية وغيرها، ومن يبحث في إنتاجهم الفكري يجد إضافات قيمة للفكر والمجتمع، ومنهم الأدباء والعلماء والمفكرون الكثير الذين تركوا أعمالا يشهد لها التاريخ.
مكفوفون متميزون
وفي زيارتنا لجمعية الإمارات لرعاية المكفوفين بالشارقة شد إنتباهنا في هذا المكان الذي يجتمع فيه الأشخاص المكفوفون من مختلف الأعمار والمستويات، كلهم على قلب واحد ينبض بالمشاعر الصادقة وعزيمة التحدي وحب الإنجاز، الكل يسير بأمان وبإبتسامة وأمل لا يفارقان وجوههم فرغم الظلام الذي يعيشونه فإن قلوبهم منارة بقوة عزيمتهم وطيبتهم التي تتجلى في رضاهم بقضاء الله وقدره، تنوعت آراؤهم حول أهمية العصا البيضاء وتوحدت مطالبهم في العيش بإستقلالية ومنحهم الفرص للمشاركة في التنمية المجتمعية.
عادل الزمر:” من الضروري تعميم العصا البيضاء وتهيئة البنية التحتية بتقنيات متطولرة تساعد المكفوف على الحركة والتنقل باستقلالية وحرية”
وفي هذا السياق تحدث عادل الزمر نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمكفوفين عن أهمية إستخدام الكفيف للعصا البيضاء وقال : “إن العصا البيضاء هي بمثابة التعريف بالشخص المعاق بصريا في أخذ الحيطة والحذر لحامل هذه الوسيلة وتقديم الدعم والمساعدة له عند الحاجة، ولإستخدامها بالشكل الصحيح والإيجابي يجب أولا نشر التوعية بين أفراد المجتمع وخاصة أسر الأشخاص المكفوفين لإقناعهم بضرورة إستخدام أبنائهم العصي بدون حرج وهي تمنحهم الإعتماد على الذات وكسر حواجز الإعاقة” وأكد عادل الزمر على ضرورة تعميم العصا البيضاء وتهيئة البنية التحية بتقنيات متطورة تساعد المكفوف على الحركة والتنقل بإستقلالية وركز في مطالبه على توفير مصادر بشرية من متخصصين متدربين لتأهيل الأشخاص المكفوفين على إستخدام العصا البيضاء بالشكل الصحيح.
منار الحمادي:” المكفوفون كغيرهم من أفراد المجتمع أثبت كثيرون منهم تفوقهم ونجاحهم المهني”
ومن جهتها أوضحت منار الحمادي رئيسة اللجنة الثقافية بالجمعية وعضو السلك القضائي والمحامي عن قضايا الدولة بالشارقة، مدى أهمية العصا البيضاء في نجاح حياتها الإجتماعية والعملية بدعم إيجابي من أسرتها والمحيطين بها، وأكدت أن العصا تم إبتكارها للأشخاص المكفوفين وهي تستخدم بأساليب عالمية موحدة وقالت: “إن المكفوفين كغيرهم من أفراد المجتمع فيهم أشخاص إيجابيون وأشخاص سلبيون والكثير منهم أثبتوا بجدارة تفوقهم العلمي ونجاحهم المهني، لذلك يجب إعطاء كل شخصية حقها ” كما أكدت أن الإعلام له الدور الفعال في توعية المجتمع بمتطلبات وكيفية التعامل مع الشخص الكفيف بدون شفقة وتمييز وإعطاء الشخص الكفيف الفرص للمشاركة المجتمعية بكامل أبعادها وتصحيح الأفكار الخاطئة بأن الكفيف شخص غير قادر ويحتاج إلى مرافق يعينه في حياته اليومية، وأوضحت العكس أن الكفيف له الحق في إستقلاليته الكاملة دون الإتكال على غيره وتبقى المسألة تنصب في تعزيز الوعي بإستخدام العصا البيضاء والإبتعاد عن الحرص والإهتمام والخوف الزائد الذي يشكل إضافة سلبية إلى الإعاقة نفسها.
وبثقة وإرادة عبر عبد العزيز قاسم الطالب بمدرسة الحميدية بعجمان، أن إعاقته البصرية لم تكن حاجزا في إظهار مواهبه المتعددة في التقديم الإذاعي والكتابة وتجويد القرآن والإعتماد على الذات والمشاركة في الكثير من الأنشطة والفعاليات بالإضافة إلى متابعة مراحل تعليمه بإمتياز، غير أنه تحدث بأسف عن نظرة المجتمع التي لا ترحم وتؤذي الكثير من الأشخاص المعاقين على مختلف أنواع إعاقتهم وقال: “إن العصا البيضاء مهمة بالنسبة للكفيف لكني شخصيا لا أستخدمها في الأماكن العامة والشوارع لأنني أشعر بحرج شديد من موقف الناس، الذين يتعاملون معي بغرابة وبشفقة وكثيرا ما أسمع كلاما وعبارات السخرية بسبب الجهل وعدم المعرفة بكيفية تعاملهم مع الشخص الكفيف” وطالب عبد العزيز كل الجهات المسؤولة الإهتمام بالمكفوفين ومعاملتهم بعدل وإعطائهم الحق في إثبات قدراتهم وشخصيتهم كغيرهم من أفراد المجتمع، كما أكد على أهمية الدورات التدريبية للمدرسين لعملية الدمج الصحيح، وأضاف أن ما يحتاجه الكفيف بغض النظر عن إحتياجاته المادية هو الإعتراف به كإنسان له إحساسه وله كيانه، يحتاج إلى الكلمة الطيبة التي ترفع من معنوياته وتحفزه على الإستمرار نحو الأفضل.
زهير عقرباوي:”منعي من السفر على إحدى خطوط الطيران العربية لمجرد أني كفيف إساءة كبيرة بحق هذه الشريحة على الرغم من أن الشخص الكفيف قادر على الاعتماد على نفسه… على المؤسسات والمجتمع أن يقدروا هذه الحقوق وأن يغيروا من أفكارهم الخاطئة”.
وفي لقاء مع السيد زهير عقرباوي رجل أعمال وفني كمبيوتر أردني الأصل حامل الجنسية الأمريكية تحدث بالمناسبة عن المصاعب التي يتعرض لها الكفيف خاصة في المجتمعات العربية وأكد أن الكفيف في الدول الأجنبية له كامل الحقوق في التعليم بمختلف التخصصات التي يرغبها وله الحق في إختيار وظيفته التي تناسب طموحه وتعطى له الفرص لإثبات مهاراته في مختلف المجالات بينما في الدول العربية يبقى الكفيف يعاني من التهميش خاصة إذا لم يجد من يدعمه ويوجهه لتجاوز إعاقته، وتحدث زهير عقرباوي عن حادثة تعرض لها وهي إساءة كبيرة في حق الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، حيث منع من السفر على متن خطوط جوية عربية بمفرده لأنه كفيف وبهذا تعطلت أشغاله ولم يتلقى أي تفسير أو أي مساعدة لذلك وقال: ” إن الشخص الكفيف الذي يستخدم العصا البيضاء هو شخص قادر ويعتمد على نفسه وعلى المؤسسات والمجتمع أن يقدروا هذه الحقوق وأن يغيروا من أفكارهم الرجعية والأهم هو تبادل الخبرات مع الدول المتطورة في هذا المجال للإرتقاء بحياة الكفيف” وأضاف أن القوانين وحدها لا تكفي ضروري العمل الجاد والإبتكار وختم بعبارة “فما نيل المطالب بالتمني”.
وفي هذا الإتجاه تعمل مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية على تدريب وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، حيث أكدت هبة عبد الكريم أخصائية إعاقة بصرية بالمدينة، أن دور قسم الإعاقة البصرية في المدينة هو لخدمة المكفوفين من مختلف الأعمار وتعليمهم على البرايل وتدريبهم للاعتماد على الذات ودمجهم في مؤسسات المجتمع، وركزت على أهمية التوعية في التعامل مع الكفيف والتي تتطلب – خاصة من الجهات الإعلامية – تعزيز البرامج سواء المكتوبة أو المرئية التي تخدم مصالح المعاقين بصفة عامة والمجتمع بكل فئاته وتعزيز الجانب التوعوي بفن التعامل مع الكفيف وتصحيح الإعتقادات الخاطئة وتهيئة الظروف الإجتماعية والنفسية الملائمة للكفيف لتحقيق ذاته والتمتع بالمسؤوليات والواجبات والحقوق التي يتمتع بها أقرانه المبصرون.