يستطيع الأشخاص ذوو الإعاقة السمعية تأدية الكثير من الوظائف والمهام طبقاً للمعايير السائدة في بيئة العمل، ومنافسة زملائهم في سوق العمل المفتوح في الكثير من المهن التي لا تعتمد بشكل أساسي على السمع أو النطق، وعلى الرغم من ذلك، فإن الأشخاص المعاقين هم آخر من يتم تشغيلهم وأول من يتم تسريحهم من العمل، علماً أن الكثير من الإتفاقيات الدولية قد نصت صراحة على حقهم في العمل، واعتبرته ركيزة أساسية للتمتع بحقوقهم المجتمعية الأخرى، ومدى الحاجة إلى التدابير التي تضمن تكافؤ الفرص في سوق العمل المفتوح.
وفي هذا الشأن، نصت المادة (27) من الاتفاقية الدولية في شأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل، على قدم المساواة مع الآخرين، وحماية حقوقهم في ظروف عمل عادلة وملائمة، ولا يزال هناك مجموعة الصعوبات التي يواجهها ذوو الإعاقة السمعية في مجال العمل تشمل: الإتجاهات السلبية المرتبطة غالباً بالتمييز، تدني فرص التعليم والتدريب، عدم إمكانية الوصول والحصول على المعلومات المناسبة، قلة المعينات المساعدة وخدمات الدعم الأخرى، وضعف التشريعات القانونية للدعم والحماية.
وتعتبر اتجاهات أصحاب العمل نحو الأصم قبل توظيفه من أهم العوامل التي تسهم في نجاح أو تجربة التشغيل، فإذا كان صاحب العمل أو المدير مقتنعاً بالقدرات التي يمتلكها الشخص المعاق سمعياً، ولديه الميل لتوظيفه ودعمه فإن ذلك سوف يسهم في نجاح التجربة، أما إذا كانت اتجاهاته سلبية نحوه، ولديه انطباعات مسبقة بعدم قدرته الإنتاجية، وكثرة وقوعه بالأخطاء، دون إعطائه الفرصة لإثبات ذاته فإن ذلك سوف يؤدي إلى التقييم السلبي.
ومن بين الدراسات العالمية السابقة التي أجريت على الموظفين المعاقين سمعياً لتقييم أدائهم المهني والتعرف على الصعوبات التي تواجههم في الميدان، دراسة أجريت في جامعة أركانساس في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2002، وتم تطبيقها على (220) شخص من الموظفين ذوي الإعاقة السمعية، حيث أظهرت نتائج الدراسة أنهم يتصرفون وفق السلوكيات التالية في بيئة العمل:
- ? 79% من الموظفين الصم أفادوا أنهم تطوعوا لعمل إضافي بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي، الأمر الذي يدل على دافعيتهم للعمل.
- ? 75% منهم أفادوا بأنهم طلبوا من زملائهم في العمل إعلامهم بالأخبار الهامة التي يفتقدونها، بسبب صعوبات التواصل مع الآخرين.
- ? 70% منهم أفادوا بأنهم يعملون بنشاط أكثر من الآخرين
- ? 63% منهم أفادوا بأنهم يبذلون جهوداً كبيرة ليتمكنوا من بناء صداقات جديدة
- ? 47% لا يشاركون في الحوار الدائر لأنهم لا يسمعونه
- ? 46% يتجنبون التواجد مع المجموعات الكبيرة
- ? 40% يتجنبون المحادثات القصيرة
وأفاد معظم هؤلاء الموظفين أن زملاءهم في العمل يعاملونهم بإيجابية على الأغلب وبلطف، ويتواصلون معهم بوضوح، وأنهم مندمجون معهم، وهناك أقلية من زملاء العمل أظهروا سلوكيات سلبية نحوهم كالتمييز والمضايقة وتجاهلهم عندما يتحدثون.
أما بالنسبة لعلاقاتهم مع المشرفين عليهم، فقد شعر الموظفون الصم بأن المشرفين مساندين لهم وداعمين بشكل عام، ويتعاملون معهم على قدم المساواة مع الآخرين، وقد أظهر الموظفون مستوى مرتفعاً من الرضا عن العمل
وأظهرت نتائج دراسة أخرى في النرويج (2004) أنه على الرغم من أن العديد من ذوي الإعاقة السمعية يؤدون عملهم بشكل متقن في أماكن العمل، إلا أن أعداد الأشخاص الصم العاطلين عن العمل هو أعلى من العاطلين عن العمل من السامعين، وهذه الدراسة تضمنت مسحاً لسبعة آلاف حالة من الإعاقة السمعية بهدف التعرف على أدائهم في العمل، وبينت الدراسة أن ذوي الإعاقة السمعية يواجهون صعوبات أكبر في الحصول على فرص عمل، وأن حوالي 63% منهم فقط قد حصلوا على وظائف، بالمقارنة مع غير المعاقين الذين وصلت نسبة توظيفهم لحوالي 71% في القطاع العام.
ووجدت الدراسة أيضاً أن ذوي الإعاقة السمعية يتقاضون رواتباً أقل بنسبة 16%، بالمقارنة مع غير المعاقين، وأرجعت الدراسة قلة التوظيف والرواتب إلى تدني المستوى التعليمي للصم وضعاف السمع، وأفاد جزء من عينة الدراسة أن ضعف السمع يسبب لهم مشكلات حقيقية في بيئة العمل.
أما دراسة المنظمة الوطنية التي تمثل الصم وضعاف السمع في المملكة المتحدة (RNID, 2006) ، بينت أنه لا زال يواجه الآلاف من ذوي الإعاقة السمعية العوائق التي تحول بينهم وبين حصولهم على فرص عمل، مع أنه بإمكان أصحاب العمل إجراء تغييرات بسيطة في أمكان العمل للوصول إلى بيئة عمل فاعلة ومهيأة للجميع بما فيهم المعاقين سمعياً.
وحسب هذه الدراسة، تبلغ نسبة المعاقين سمعياً الحاصلين على عمل في بريطانيا حوالي 63% فقط، في حين أن 75% من غير المعاقين هم ملتحقون بالقوى الوطنية العاملة، وذلك تبعاً لمسح أجرته RNID، حيث أفاد 53% من الذين أجري عليهم المسح بأن أهم المعيقات التي تمنعهم من الحصول على فرص عمل هي اتجاهات أصحاب العمل، إضافة إلى نقص معرفة الآخرين بقضايا المعاقين سمعياً.
وتفيد ماري وآخرون (Mary and others, 2003)، أن وجود المعاق سمعياً في بيئة العمل وخلال تعامله اليومي مع الموظفين، قد يتسبب في سوء فهم لبعض الأمور نتيجة الضعف السمعي الذي يعاني منه، ووجود انطباعات سلبية عنه لا علاقة له كلياً بها، وخاصة عندما لا يستجيب المعاق سمعياً لمناداة أحدهم نتيجة عدم سماعه الصوت أو فهمه اللغة بدقة، ومن هذه الإنطباعات السلبية الخاطئة:
- ? أن الموظف المعاق سمعياً ليس لطيفاً أو مؤدباً
- ? أن لديه ضعفاً في المهارات الاجتماعية
- ? أنه غير مؤهل من النواحي العلمية والمهنية
- ? أنه ليس ذكياً
- ? أنه لا يعير الانتباه لأحد
- ? أنه شخص غريب ولديه مشكلات انفعالية
ومن أهم المشكلات التي يواجهها الأصم في بيئة العمل هي تلك المتعلقة بعدم وجود تعديلات مناسبة، حيث يكون الموظف ضعيف السمع يعمل على جهاز الحاسوب ويدير ظهره لباب مكتبه، حينها لا يستطيع التعرف على من دخل مكتبه، ولحل هذه المشكلة يمكن وضع مرآة صغيرة على شاشة الحاسوب ليتمكن من معرفة من يدخل إلى المكتب، أو وضع جرس إضاءة في المكتب ليضغط عليه من يريد الدخول، فيلتفت إليه الشخص المعاق سمعياً.
ومن أجل تواصل جيد مع صاحب العمل لا بد من تفهم طبيعة الأعمال التي يحب الأصم ممارستها ويتقنها بشكل جيد، والتعرف على الأمور المريحة وغير المريحة بالنسبة له، ويؤكد الباحثون بأنه لا بد أن يكون هناك خطة طوارئ تراعي وجود الشخص الأصم في العمل، ويتم إنذاره لإخلاء المبنى، حيث لا بد من تعيين شخص واحد على الأقل لتنبيه الأصم عند حصول أي حالات طارئة، أو تزويده بجهاز اتصال يعمل كمنبه عن طريق الاهتزاز أو الرسائل النصية.
ومن هنا يتبين لنا أنه على الرغم من تمتع المعاقين سمعياً بالكثير من القدرات والمهارات التي تؤهلهم لممارسة العديد من الأعمال والمهن إلا أن الإتجاهات السلبية نحوهم، وعدم إتاحة الفرصة، وعدم وجود التعديلات المناسبة من شأنها جميعأً أن تساهم في عدم تأقلم المعاق سمعياً في بيئة العمل، أما اذا وجد من يتفهم احتياجاته ويتواصل معه بكل الطرق الممكنة، فإن ذلك من شأنه أن يساهم في تكيفه في بيئة العمل، ويشعره بالإندماج كشخص لا يختلف عن زملائه الآخرين.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011