يقال إن المرأة نصف المجتمع وفي بعض الأحيان إنها كل المجتمع لأنها هي الأم والأخت والزوجة والابنة وهي اللبنة الأساسية في بناء الأسرة، والتي تعد النواة لبناء المجتمع، والمرأة المعاقة جزء من هذا المجتمع ولها احتياجاتها النفسية والجسدية، ولكن تعاني النساء من التمييز كظاهرة عامة في معظم المجتمعات، ويزداد اضطهادهن إذا ما كن من ذوات الإعاقة فتصبح المعاناة مضاعفة بسبب النظرة السلبية من قبل الأسرة والمجتمع.
فالمرأة المعاقة تعيش تحديات أكثر من الرجل المعاق، لأن المجتمع ينظر إلى المرأة نظرة تختلف عن تلك التي ينظرها للذكر؛ فالكثير منهن مهمشات، ويعشن في ظروف لا ترقى إلى الحدود الدنيا للكرامة الإنسانية، فالمطلوب منها ليس فقط خدمة نفسها والقيام بحاجاتها كما يطلب من الرجل، بل أن تقوم بالعناية بمن حولها، وأحيانا تقوم بكل أعباء البيت وخدمة جميع أفراد الأسرة، بالإضافة إلى إنكار وجودها من قبل ذويها حتى لا تؤثر على باقي أفراد الأسرة في الزواج.
فالمرأة ومهما كانت درجة إعاقتها حتى لو كانت هذه الإعاقة متمثلة بأصبع مقطوع جراء حادث، فإن هذه الإعاقة تقلل من فرصها بالزواج، لأان أغلب الرجال يريدون الزواج بفتاة صغيرة وشابة وجميلة وكاملة مكملة كما يقولون (وما باس فمها غير أمها) أياً كانت مواصفات هذا الرجل حتى وإن كان من الأشخاص ذوي الإعاقة، فالنظرة إلى الشخص المعاق تختلف كليأ عن النظرة إلى المرأة المعاقة، فهو من حقه الزواج وتكوين أسرة والحصول على امرأة غير معاقة تعيله وتهتم به وتقوم على خدمته، مهما كانت درجة إعاقته، وإذا كان من ذوي الإعاقة الذهنية فإن أسرته تقوم بتزويجه للتخفيف من أعباء إعالته، وغالباً ما يختارون له زوجة غير معاقة تقبل به لأسباب كثيرة فقط لتقوم على خدمته.
وإذا تعرضت امرأة لحادث سبب لها إعاقة حتى وإن كانت متزوجة فأقل ما يفعله الرجل (غالباً) الزواج بامرأة أخرى لأنه يعتبر ذلك من حقه الطبيعي وإذا منّ عليها يبقيها على ذمته إن لم يطلقها فهو لن يتحمل مسؤولية الإعتناء بها أو أن تنقص عليه الخدمة فهو بحاجة دائماً لمن تقوم على خدمته وتلبي حاجاته الجنسية بغض النظر عنها هي، في حين إذا حدث العكس وأصبح الرجل هو المعاق فمن المعيب جداً أن تتركه المرأة ويجب أن تبقى على خدمته فالمجتمع ينظر لها بطريقة تختلف عن نظرته للرجل ففي حالته يكون الأمر طبيعياً ويبرر له المجتمع ويعتبر حقه أما هي فتعتبر مذنبة.
حالات كثيرة نراها من حولنا وأمثلة في المجتمع نقف عندها نفكر ونقارن بينها، فالسيد (ف) معاق حركياً لا يستطيع الحراك وقد كان جليس الفراش، أخذه أهله إلى العديد من الأطباء ولكن لا جدوى من حالته، فقد كان بحثهم فقط لأن ينهض ويقضي حاجاته بنفسه، وفي أحد الأيام وهو نائم رأى في حلمه أن أحدا قال له انهض… تفاجئ وذهل! لكن أنا مقعد ولا أستطيع الحراك…قال: له انهض أنت قادر على السير، فقام ووجد نفسه يمشي لكن متثاقلاً فطرفاه العلويان وكفاه ملتويان، ووجهه وفمه وعيناه تدل على الإعاقة، جسده بالكامل لم ينمو نمواً طبيعياً، فتح محلاً بجانب المدرسة يبيع فيه الحلوى للأطفال، كنا صغاراً… كان أبي يقول لنا أن نشتري دائما من عنده، تزوج بأمراة غير معاقة لكن ليست على قدر من الجمال، وأنجب منها شباباً وصبايا، لكن هي، ولأنها ليست على قدر من الجمال تزوجت به ولو أنها لم تتزوجه لكانت بقيت دون زواج، فكيف لو كانت من ذوات الإعاقة؟
ونستطيع أن نلاحظ في المجتمع كيف أن الكفيف يتزوج بامرأة غير كفيفة لتكون عيناه أما المرأة إن كانت كفيفة فلا يمكن لأحد أن يرتبط بها لأن الجميع يعتبرها غير قادرة على القيام بخدمة أسرتها، ويعتبرون أن الإعاقة عائق أمام إنجاب الأطفال إن لم يكن خوفاً من أن تكون الإعاقة وراثية فيأتي الأطفال من ذوي الإعاقة، أو لأنها غير قادرة على خدمة أطفالها كما يرغب المجتمع والمحيط.
إن فرصة الأشخاص من ذوي الإعاقة أقل بكثير بالزواج من غير المعاقين، وعادة ما تكون فرصة النساء المعاقات بالزواج أقل بكثير من فرص الرجال من ذوي الإعاقة مع ازدياد نسبة الطلاق، فالنساء من ذوات الإعاقة لا يلقين تشجيعاً مناسبأً لاستكشاف حياتهن الجنسية من خلال الزواج، ففي كثير من الأحيان ينظر إلى المرأة المعوقة على أنها غير قادرة على إقامة علاقة جنسية حميمة بالإضافة إلى الأعباء المالية، كما ينظر إليها على أنها الطرف الأضعف عاطفيا وجنسياً ولا تستطيع أن تلبي رغبات الشريك الجنسية.
وفي العديد من الثقافات حيث يتم تنظيم الزواج لا يعترفون بحق المرأة المعوقة بالحياة الجنسية أو الإنجاب وفي الآونة الأخيرة يتم تعقيم النساء اللواتي يواجهن صعوبات تعلم. بحجة أن المعوقات لا يستطعن تدبر أمورهن أثناء الطمث فيتم استئصال أرحامهن.
وفي معظم البلدان لا تتمتع الأنثى بالحقوق والفرص المتاحة للرجل، فالنساء يتحملن النصيب الأكبر من عبء الفقر، والمرأة الريفية الفقيرة على وجه الخصوص هي الأكثر تعرضاً للحرمان والمرض والأمية والإغتصاب من الرجل فكيف تكون المرأة المعاقة على وجه الخصوص؟ إن شكل المرأة وجسدها يحدد لها فرصها في الزواج أو في الشراكة الجنسية وإذا كانت قادرة على إنجاب أطفال أصحاء، وحين يحدث حمل يضغط على المرأة لإجهاضها أو لتعقيمها نهائياً، وكثيراً ما تتعرض النساء المعوقات للإغتصاب فيحاول المغتصب إقناعهن بأن ما يقوم به لصالحهن، وفي كثير من الأحيان يحدث حمل من هذا الاغتصاب فيشكل إشكالية جديدة في المجتمع ويمكن أن يؤدي إلى الكثير من الأمراض الجنسية.
تشويه الأعضاء التناسلية للإناث
تشير الدلائل على تزايد الممارسات السيئة المطبقة على الإناث في مختلف بلدان العالم، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من (100) مليون فتاة وامرأة في أكثر من 28 بلداً في أفريقيا وحدها تتعرض لتشويه الأعضاء التناسلية، كما تشير التقارير إلى أن مليوني فتاة تولد في أفريقيا في السنة الواحدة تتعرض (6000) منهن إلى خطر تشويه الأعضاء التناسلية، ولكن لا توجد معلومات موثقة عن مجموع ومعدلات انتشار مثل هذا النوع من العمليات، وكثيراً ما تستند الإحصاءات إلى تقارير سماعية أو متحيزة باستخدام طرق غير صحيحة في جمع البيانات أو استخدام العينات، ويعد السودان البلد الوحيد الذي يمكن أن يعتد ببياناته عن تشويه الأعضاء التناسلية حيث شملت الدراسات الإستقصائية ثلاثة بيانات على هذه المجموعة من الممارسات.
وتتعرض الفتيات في خارج أفريقيا إلى تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، ولا توجد بيانات وإحصائيات في الشرق الأوسط تؤكد انتشار تشويه الأعضاء التناسلية للإناث سوى ما يمارسه اليهود الإثيوبيون (الفلاشة) الذين استقروا في «إسرائيل» مؤخرا، ولا يوجد تقارير واضحة على ختان الأعضاء الخارجية للأنثى، وتشير التقارير إلى استئصال للبظر يقوم به بعض السكان الأصليين في البيرو وكولومبيا والمكسيك والبرازيل، ويقال إن هذه الممارسات تتم أيضاً في أندونيسيا وماليزيا من قبل بعض المسلمين بالإضافة إلى البهرة في الهند والباكستان وشرق إفريقيا.
وفي البلدان الغنية؛ كأوروبا واستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية يوجد مهاجرات من البلدان التي يمارس فيها تشويه للأعضاء التناسلية لكن لا توجد دراسات عن مدى انتشاره ولا عن أعداد الفتيات المعرضات لخطر الإصابة بالعقم والآثار النفسية المترتبة عن هذه الممارسات والتي تؤدي إلى ضعف الوظيفة الجنسية والعقم والى زيادة خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الايدز).
ختاماً: المرأة جزء من المجتمع ولا يصلح مجتمع دون صلاح مكوناته، فالحقوق الإنسانية للمرأة بشكل عام والمعاقة بشكل خاص مسؤولية تقع على عاتق المجتمع بأكمله. وعلينا جميعاً إيلاء قضايا المرأة المعاقة اهتماماً خاصاً والعمل على توفير كل التسهيلات والخدمات اللازمة لتوفير حياة كريمة وآمنة لها، وذلك يكون بتضافر الجهود الدولية والمحلية والمنظمات الراعية للإعاقة والجمعيات الأهلية لنصل إلى الأهداف المطلوبة.
تاريخ الميلاد: 13 مايو / أيار 1964
محل الميلاد: تل درة ـ سلمية ـ حماه
رئيسة تحرير موقع زنوبيا الإخباري.
باحثة اجتماعية في قضايا المرأة والمجتمع والبيئة.
كاتبة في عدة مواقع وصحف رسمية, تعاون مع شبكة المعرفة الريفية لحفظ ذاكرة الريف السوري على موقع الريف نت (reefnet),
المسؤولة الإعلامية لمركز دراسات وأبحاث و رعاية المعوقين في سلمية.
كتبت في أكثر من موقع الكتروني منها سيريانوبلز ـ سيريا نيوز ـ نساء سوريا، كلنا شركاء في الوطن، الموقع السوري للدراسات والاستشارات القانونية، جريدة القدس العربي والصحف المحلية السورية.
أعددت تقارير مصورة ومنها بالفيديو والصور مثل دراسة عن النواعير في محافظة حماه لصالح شبكة المعرفة الريفية وحياة البدو أيضا والقبب الطينية في قرية الشيخ هلال بالبادية السورية.
حصلت على الجائزة الأولى لمسابقة سوبر محرر التي قدمها موقع سيريا نوبلز لتشجيع العمل الصحفي واكتشاف المواهب الصحفية في دمشق.