إعداد : إيناس سباعي الصادي ، معلمة تربية خاصة
يُعد اضطراب طيف التوحد من الاضطرابات النمائية الشديدة الشاملة المعقدة التي تظهر خلال مرحلة الطفولة المبكرة (السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل)، وقد يستمر عبر مراحل نموه المختلفة، فيؤثر سلباً على كثير من الجوانب النمائية لشخصيته، ويواجه الأطفال ذوو اضطراب طيف التوحد والقائمون على رعايتهم العديد من التحديات في مرحلة المراهقة والبلوغ، وتظهر هنا الحاجة إلى القيام بالعديد من البحوث لتلبية احتياجات هذه الفئة، وتقديم توصيات علمية للاختصاصيين والمعلمين؛ حيث أن الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد يدخلون في مرحلة النضج الجسدي تمهيدًا للبلوغ في نفس الفترة الزمنية مقارنة بأقرانهم من غير ذوي اضطراب طيف التوحد؛ ولأن طبيعة الاضطراب تعوق الارتقاء في النمو المعرفي والنفسي الذي يتطلبه النضج الجسدي، تظهر لدى الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد تحديات كثيرة حيث أن الارتقاء في النمو الجنسي لا يقترن بنمو في السلوك الاجتماعي المقابل، وهذا غالبًا يؤدي إلى مشكلات تتفاقم مع نمو الطفل.
لهذا السبب فإن المهنيين العاملين مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد لابد أن يكونوا على استعداد للتصدي للمشكلات ذات الطبيعة الجنسية من بدايتها كي يستطيعوا إعداد هؤلاء الأطفال وإكسابهم المهارات والسلوكيات الاجتماعية الملائمة، والكفاءة الشخصية للرعاية الذاتية، وذلك يمكن أن يتم قبل دخول الطفل فترة البلوغ. غير أن أهم ما يدفعنا إلى القول بضرورة التربية الجنسية المبكرة هي الحقيقة التي تمخضت عنها التجارب؛ فقد دلت التجربة على أن بدء التربية الجنسية في وقت مبكر يكون أكثر قبولًا من جانب الأطفال ويفيدهم على نحو أسرع وأقرب إلى الطبيعة البشرية، لذا فإن الوقاية خير من العلاج ويجب علينا أن نبدأ في التربية الجنسية منذ مرحلة الطفولة المبكرة .
يظهر الأطفال ذوو اضطراب طيف التوحد قصورًا كبيرًا في الجانب اللغوي والتواصل والسلوك، هذا بالإضافة إلى القصور في التفاعل واللعب الاجتماعي وندرة الاهتمامات، وصعوبة التعبير الانفعالي تجاه الآخرين، وينعكس ذلك بشكل كبير على السلوكيات الجنسية، و ظهور مشكلات خطيرة مع بداية البلوغ ؛حيث أن القصور الاجتماعي يحدث خللًا في تطوير الصداقات والعلاقات العاطفية وأيضًا عجزًا في القدرة على استخدام الحكم الاجتماعي لتحديد ما ينبغي القيام به في الأماكن الخاصة مقابل ما ينبغي القيام به في الأماكن العامة، وكيفية تجنب الاستغلال الجنسي من قبل الآخرين، هذا بالإضافة إلى القصور في الفهم اللغوي والتواصل الذي يؤثر على القدرة على فهم التغييرات في النمو الجنسي، والميل إلى تكرار المصطلحات الجنسية التي قد يسمعها الأشخاص ذوو اضطراب طيف التوحد بغضِّ النظر عن سياقها الاجتماعي، مما يعرضهم لخطر لا يفهمه الآخرون، فالإناث اللائي لديهن ضعف في قدرات اللغة الاستقبالية واللغة التعبيرية، لا تستطيع الواحدة منهن أن تفهم أو أن تعبر عن الألم الذي يحدث أثناء الحيض ويكون لديها قصور في التعامل مع هذا النمو البدني حديثة العهد به، وكذلك في الجانب السلوكي فلديهم العديد من السلوكيات النمطية المتكررة وسلوكيات الاستثارة الذاتية مثل (الاستمناء)؛ تلك السلوكيات عندما ينخرطوا فيها تؤثر على اندماجهم في الأنشطة المختلفة، و لذلك نجد أنه من الأفضل أن يتم التثقيف الجنسي المبكر تبعًا لسلوكيات الطفل.
وهكذا تتضح أهمية وضرورة إعداد برامج حول المظاهر والمشكلات الجنسية التي يمكن أن تتعرض لها الفتاة ذات اضطراب طيف التوحد وكيفية التعامل معها، ووقاية نفسها من التعرض لتلك المشكلات، وهذا هو موضوع الدراسة الحالية حيث تضمنت البحث حول المدى الذي يمكن أن تتم وقاية الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد من خطر التعرض للمشكلات الجنسية وتحسين تفاعلهم الاجتماعي من خلال برنامج تدخل مبكر يتم إعداده لذلك.
هدف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تقديم برنامج لوقاية الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد من خطر التعرض للمشكلات الجنسية وتحسين تفاعلهم الاجتماعي.
عينة الدراسة:
مجموعة قوامها 5 طفلات من ذوات اضطراب طيف التوحد تتراوح أعمارهن الزمانية بين (5-7) سنوات، وأمهات أطفال المجموعة التجريبية وعددهن (5) أمهات.
أدوات الدراسة:
- مقياس تشخيص اضطراب طيف التوحد للأطفال (إعداد: عبد العزيزالشخص،2020).
- مقياس المستوى الاجتماعي الاقتصادي للأسرة (إعداد:عبد العزيز الشخص، 2013).
- مقياس التفاعل الاجتماعي للأطفال العاديين وذوي الاحتياجات الخاصة (إعداد: عبد العزيز الشخص،2017).
- مقياس ستانفورد بينيه للذكاء، الصورة الخامسة (محمود أبو النيل،2011).
- مقياس الميول الجنسية للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والعاديين (إعداد: عبد العزيز الشخص، عبد الرحمن سيد سليمان، جمال نافع، إيناس سباعي، مجلة كلية التربية، جامعة عين شمس،2023).
- برنامج التدخل المبكر لوقاية الأطفال الإناث ذوات اضطراب طيف التوحد من التعرض للمشكلات الجنسية وتحسين تفاعلهن الاجتماعي (إعداد: إيناس سباعي الصادي).
فروض الدراسة:
1- توجد فروق دالة إحصائياً بين متوسطي رتب درجات أطفال المجموعة التجريبية في القياسين القبلي والبعدي على مقياس الميول الجنسية للأطفال في اتجاه القياس البعدي.
2- لا توجد فروق دالة إحصائياً بين متوسطي رتب درجات أطفال المجموعة التجريبية في القياسين البعدي والتتبعي على مقياس الميول الجنسية للأطفال.
3- توجد فروق دالة إحصائياً بين متوسطي رتب درجات أطفال المجموعة التجريبية في القياسين القبلي والبعدي على مقياس التفاعل الاجتماعي في اتجاه القياس البعدي.
4- لا توجد فروق دالة إحصائياً بين متوسطي رتب درجات أطفال المجموعة التجريبية في القياسين البعدي والتتبعي على مقياس التفاعل الاجتماعي.
نتائج الدراسة:
أوضحت الدراسة أن البرنامج التدريبي الذي أعدته الباحثة وطبقته على عينة من الأطفال الإناث ذوات اضطراب طيف التوحد؛ بما تضمنه من أساليب وفنيات وأدوات وأنشطة متنوعة قد أثبت فاعليته في زيادة الوعي لدى الأطفال الإناث حول النمو والتطور الجسمي، والرعاية الذاتية، والوعي بالخصوصية، وتطوير الجانب النفسي، وتنمية مفهوم الوعي الاجتماعي، وزيادة فرص تفاعلهن الاجتماعي، وهذه الجوانب ذات أهمية في الوقاية من خطر المشكلات الجنسية، ومدى الحاجة والنقص الذي يعانيه الوالدان من عدم توفر البرامج الإرشادية والتأهيلية للأطفال فيما يخص النواحي الجسمية والتمهيد للبلوغ والمراهقة، وكون المقياس والبرنامج الحالي منبعًا ورافدًا جديدًا لإمداد عينة الدراسة من الأمهات والأطفال بالمهارات التأهيلية المناسبة.
حيث أوضحت نتائج الدراسة تحقق جميع فروضها بعد القيام بتطبيق البرنامج المستخدم وقد أسهم البرنامج في زيادة وعي الأمهات حول طبيعة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد ومظاهر نموهم الجسمي، وكيفية تأثير أعراض طيف التوحد على وجود بعض القصور في المهارات المعرفية التي قد تتسبب في مشكلات جنسية تتطلب التدخل المبكر.
بدأ البرنامج بجزء إرشادي خاص بالأمهات، ولاحظت الباحثة أن هذه الجلسات الأولى مع الأمهات كان لها نتيجة كبيرة في تخفيف آلامهن و مشاعرهن السلبية نتيجة وجود ابنة من ذوات اضطراب طيف التوحد في الأسرة، والخوف من فكرة البلوغ والشعور بالمشاركة في الآمال ووحدة الهدف، وأن أغلبهن لديهن نقصًا في الخبرات والمهارات في التعامل مع تطور النمو الجسمي ومهارات الوعي بالخصوصية والسلوكيات ذات الطبيعة الجنسية التي قد تظهر على بناتهن، وغير مدركات مدى الفارق بين النمو الجنسي للأطفال ونموهم العقلي والمعرفي وأغلبهن عاجزات عن تقديم المساعدة لأطفالهن بشكل مبكر.
اهتمت الباحثة بتزويد الجلسات الخاصة بالتدريب الفردي للأطفال بالعديد من الأنشطة المختلفة التي تتنوع بين المثيرات الحسية والبصرية والسمعية مثل الرسومات التوضيحية، والفيديوهات، والقصص المصورة، والدمى المتحركة والمجسمات، وأيضاً إدراج التقليد العملي للهدف نفسه داخل المنزل، واستخدام القصص المسلسلة من خلال إعادة سرد أحداث القصة والتعرف على الصور والتعليق عليها بجملة بسيطة؛ مما وَجدَ القبول من جانب البنات وزاد من دافعيتهن في التنفيذ والمشاركة في هذه الأنشطة.
كان الوعي بالخصوصية أيضًا من أكثر الأهداف التي حازت على اهتمام الأمهات ورغبتهن في الاستفادة منها رغم بساطة الأفكار، ذلك أن تعرضهن دائمًا للمواقف المحرجة داخل البيت وخارجه، مثل أن تخرج الطفلة بدون ملابسها من الحمام بوجود شخص غريب ، وتعرض الأطفال للضرر في الأماكن العامة من الأشخاص الغرباء؛ مع التأكيد على ضرورة أن تكون هذه التدريبات على مهارات التربية الجنسية ذات طبيعة حسية ونوعية ومختصرة ومركزة على الفنيات المختلفة كفنيات تعديل السلوك من قبيل النمذجة ولعب الدور، وأن تتم في السياقات الحياتية الطبيعية مع تعزيز السلوكيات الإيجابية وضرورة أن يكون المنهج والفنيات التعليمية ذات طابع فردي وتتناسب مع جميع المستويات النمائية لهؤلاء الأطفال، وهذا ما استفادت منه الباحثة في بناء وحدات وأهداف وأنشطة وفنيات البرنامج.
وعمدت الباحثة إلى استخدام فنيات تعديل السلوك المتعارف عليها في شرح وتوضيح بعض المشكلات الجنسية، واستخدام أسلوب التدرج في الإرشاد مع الأمهات في ضوء إمكاناتهن والحدود المتاحة لهن، وكذلك تعد النمذجة من أكثر الفنيات التي تمت الاستفادة منها ضمن الجلسات حيث استيضاح السلوكيات المستهدفة والمطلوب من الأطفال أداؤها بطرائق إجرائية يسهل عليهم الاقتداء بها وتقليدها؛ فعلى سبيل المثال استخدام الدمى في مشاهدة خطوات لبعض مهارات العناية بالذات، والنظافة الشخصية؛ حيث تعليم الاستقلال في خلع وارتداء الملابس مع مراعاة تكرار تلك السلوكيات التي تمت نمذجتها من قبل الباحثة مرات عدة ، وتبعاً لنوع السلوك المستهدف، ودرجة صعوبته، وتبعاً لحاجة كل طفل.
خلاصة القول إن البرنامج التدريبي الذي أعدته الباحثة وطبقته على عينة من الأطفال الإناث ذوات اضطراب طيف التوحد؛ بما تضمنه من أساليب وفنيات وأدوات وأنشطة متنوعة كان له دور مؤثر وفعال كما اتضح من مناقشة النتائج التي أسفرت عنها الدراسة.
في ضوء ما لاحظته الباحثة أثناء تطبيق البرنامج التدريبي، وما توصلت إليه الدراسة من نتائج، يمكن تقديم التوصيات التالية:
ضرورة توعية أسر الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بأهمية برامج التربية الجنسية المبكرة في مرحلة الطفولة المبكرة، وأهمية ذلك في الوقاية من العديد من المخاطر التي قد يواجهها هؤلاء الأطفال في بدايات البلوغ وطوال مرحلة المراهقة.
البدء مبكرًا في التدريب على المهارات التي تتعلق بظهور علامات البلوغ وبداية الدخول في المراهقة قد يساعد على تمكن الأطفال من المهارات اللازمة، والوقاية من التعرض للمشكلات الجنسية.
يمثل البرنامج التدريبي المستخدم في الدراسة الحالية أحد النماذج التطبيقية للتدخل المبكر مع الأطفال الإناث ذوات اضطراب طيف التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة للوقاية من المشكلات الجنسية وتحسين تفاعلهن الاجتماعي، ويمكن للاختصاصيات والمعلمات الاستفادة من الأنشطة التي يتضمنها بوضعها الراهن أو إجراء بعض التعديلات عليها لتناسب قدرات ومستويات الأطفال الذين يطبق عليهم البرنامج.
الالتزام بالأحكام والقواعد والتعليمات المتضمنة في هذا البرنامج، وغيره من البرامج سواءً التدريبية أو العلاجية، كما ينبغي عليهن ضرورة الحفاظ على خصوصية التطبيق ومشاركة الأمهات في التدريب بشكل مستمر، والتأكد من قبولهن واستعدادهن لفكرة البرنامج نظرًا لحداثة التطرق إلى هذه الموضوعات ذات الطبيعة الجنسية.
عرض الأنشطة للطفلة بشكل جذاب وبألوان زاهية، والتركيز على اللعب والمجسمات والدمى، وأن تكون الأدوات خاصة بالطفلة، ووجود مرونة في تغيير الأدوات تبعًا لمدى تأثيرها على الطفلة، على أن تكون محققة للهدف بشكل عام.
ترسيخ فكرة فريق العمل أثناء التعامل مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، والتي يشارك جميع أفرادها في خدمتهم كالمعلم، والاختصاصي النفسي، واختصاصي التخاطب، والطبيب النفسي، وطبيب الأطفال….إلخ.
يمكن استخدام برنامج التدخل المبكر المستخدم في الدراسة مع الأطفال الإناث ذوات متلازمة داون، وذوات الإعاقة الذهنية البسيطة، وذوات الإعاقة البصرية والسمعية والحركية، للوقاية من المشكلات الجنسية.
ويمكن استخدام المقياس والبرنامج مع الطلاب الذين دخلوا مرحلة المراهقة بالفعل لتحديد بعض المشكلات الحالية وتقديم الدعم بالتدخلات المطلوبة.
هيئة الإشراف على الرسالة:
- أ.د/ عبد العزيز السيد الشخص (رحمه الله)- أستاذ ورئيس قسم التربية الخاصة والعميد الأسبق- كلية التربية – جامعة عين شمس.
- أ.د/ عبد الرحمن سيد سليمان – أستاذ ورئيس قسم التربية الخاصة الأسبق – كلية التربية جامعة عين شمس.
- د/ جمال محمد حسن نافع – مدرس التربية الخاصة – كلية التربية جامعة عين شمس.
إيناس سباعي سليمان الصادي
- الإمارات العربية المتحدة/ الشارقة
- معلمة في مركز الشارقة للتوحد- مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
- حاصلة على ليسانس أدب وتربية علم نفس / ماجستير التربية الخاصة لذوي اضطراب طيف التوحد (كلية التربية جامعة عين شمس )
- خبرة 12 عاماً بمصر في مجال التربية الخاصة
- لدي اهتمام بمجال الترجمة والنشر والبحث العلمي، وتطوير الوسائل التعليمية للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، الإرشاد الأسري والتدريب العملي في مجال التربية الجنسية