إعداد د. غسان شحرور
الأشخاص المستأصلة حنجرتهم هم الأشخاص المرضى وذوو الإعاقة الذين نادراً ما تحدثنا عنهم، وعن حاجاتهم وكيفية تلبيتها، وحقوقهم وكيفية تمكينهم منها، لذلك أرجو أن أستطيع في هذه العجالة أن أسلط الضوء على كل ذلك من أجل بذل المزيد من الجهود في المجالات الصحية والاجتماعية والحقوقية والإنسانية، لتمكين هذه الفئة المحرومة من أبناء مجتمعنا.
كما هو معروف، الوظيفة الأساسية للحنجرة هي حماية الطرق الهوائية السفلية من دخول أجزاء الطعام والسوائل، وتعد أهم أجزاء السبيل الصوتي عند الإنسان فهي تنتج الاهتزازات الصوتية، ثم يجري تعديل الصوت الناتج عنها من قبل البلعوم وجوف الفم والأسنان واللسان والشفاه والجيوب والأنف فتشكل جميعًا معًا ما يعرف باسم السبيل الصوتي للإنسان
يزيد عدد المصابين بسرطان الحنجرة في بلادنا العربية عن عشرين ألف شخص سنويًا، الغالبية العظمى منهم بسبب التدخين المزمن، بعضهم وخاصة الذين يتأخرون عن الكشف المبكر ومراجعة الطبيب المختص، والذين لا يستجيبون للمعالجات الشعاعية والكيماوية والجراحية يدفع الفريق الطبي المعالج إلى استئصال الحنجرة للحفاظ على حياة المريض رغم التحديات الطبية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي يواجهها هؤلاء الأشخاص وذووهم في كل لحظة من لحظات حياتهم. وهكذا، بعد استئصال الحنجرة لا يمكن التنفس عن طريق الفم أو الأنف وبالتالي يتضرر الشم والتذوق، ويجري التنفس عبر فتحة في الجدار الأمامي للعنق، قرب مكان الحنجرة المستأصلة، حيث يجري وضع قنية خاصة على هذه الفتحة لإبقائها مفتوحة مدى الحياة تسمى القنية الرغامية، ولها أشكال مختلفة، والجدير بالذكر عند هؤلاء الاشخاص أنه حتى الاستحمام أو التعرض للماء ينطوي على خطر الغرق إذا ما دخلت المياه في هذه الفتحة التنفسية، ومن أجل استعادة وظيفة الكلام ما أمكن يمكن الاستعانة بجهاز النطق الإلكتروني الذي يعمل بالبطارية ويتم وضعه فوق العنق فقط عند الكلام، ويحتاج إلى تدريب وتأهيل، وكذلك جهاز الكلام الصناعي وغير ذلك، وقد بدأت مؤخرا في العام الماضي 2022 عمليات زراعة الحنجرة التي لا تزال قيد التطوير والمتابعة .
هذا ويقدر عدد الأشخاص المستأصلة حنجرتهم في بلادنا العربية بأكثر من 100 ألف شخص، الأمر الذي يفقدهم القدرة على الكلام العادي كما ذكرنا مع حدوث صعوبات في الطعام والشراب والتنفس مع كثرة التعرض للإنتان الرئوي بأشكاله ودرجاته، وغيرها، وبالتالي تتراجع جودة الحياة لديهم بشكل كبير، كذلك القدرة على العمل والمشاركة في الحياة الاجتماعية، ويزداد اعتماد هؤلاء الأشخاص على ذويهم ومقدمي الرعاية الصحية.
تعرف الإعاقة في التصنيف الدولي للأداء والإعاقة والصحة في منظمة الصحة العالمية بأنها “نتيجة أو حصيلة علاقة معقدة بين الحالة الصحية للفرد و العوامل الشخصية، والعوامل الخارجية التي تشكل الظروف التي يعيش فيها الفرد”.
ويمكن أيضا تعريف الإعاقة حسب منظمة الصحة العالمية بأنها حالة تحد من قدرة الفرد على القيام بوظيفة واحدة أو أكثر من الوظائف التي تعد أساسية في الحياة اليومية كالعناية بالذات أو ممارسة العلاقة الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية وذلك ضمن الحدود التي تعد طبيعية عادية.
هذا ويشمل مصطلح ”الأشخاص ذوو الإعاقة“ كل من يواجهون تحديات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسّيَة، قد تمنعهم من التعامل مع مختلف الحواجز، ومن المشاركة بصورة كاملة وفعالة في حياة المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.
ومما لا شك فيه أن عدم تلبية حاجاتهم وحقوقهم الأساسية لا تحرم الأشخاص ذوي الإعاقة من حقوقهم الإنسانية الأساسية وحسب، بل تحرم أيضاً المجتمعات من إسهامات هؤلاء الأشخاص في عملية التنمية، وكافة جوانب الحياة.
وهكذا، يخضع الأشخاص المستأصلة حنجرتهم إلى “اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة” التي صادقت عليها حكومات العالم، وتعهدت باحترام المبادئ العامة لهذه الاتفاقية، وكل أقسامها وتنفيذ كل موادها دون تمييز وخاصة المادة 25 (الصحة) والمادة 26 (التأهيل وإعادة التأهيل) .
لابد في هذه العجالة أيضاً من التأكيد أن للشخص المستأصلة حنجرته الحق التام في الصحة وفق التعريف العالمي للصحة:
“حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعيًا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز”، كما أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية”.
وينبغي التأكيد أيضاً على أن الشخص المستأصلة حنجرته شأنه، شأن أي مريض، ينبغي أن يتمتع بكامل الحق في الحياة، والحق في السلامة، والاستقلالية ، وكذلك الحق في الحصول على المعلومات المناسبة والعمل على تمكينه من ذلك، وهو بحاجة إلى الفحص الطبي الدوري للكشف المبكر عن حالات النكس ومنع المضاعفات التي يمكن حدوثها.
على ضوء كل ما سبق، لابد من الدعوة إلى تفعيل الدور الحكومي ودور المجتمع الأهلي والمنظمات المهنية ومجموعات الأشخاص المستأصلة حنجرتهم وذويهم من مقدمي الرعاية لهم، بالإضافة إلى الجهات الإعلامية المختلفة في مجالات خدمة هذه الفئة من المجتمع، والتأكيد على حاجاتها وحقوقها على قدم المساواة مع كافة أفراد المجتمع.
من هذه المجالات، العمل على تقديم المشورة والمتابعة الدورية الفعالة الصحية والاجتماعية والنفسية وغيرها في الاختصاصات المتعددة بمشاركة الأشخاص المستأصلة حنجرتهم وذويهم، والعمل معاً كشركاء، وهذه بالتأكيد من حالات الطب المستند إلى الفرد الذي ينادي بالمشاركة معاً في كل مراحل تقديم الرعاية الصحية والاجتماعية.
هذا وعادة ما يحتاج هؤلاء الأشخاص إلى فريق متعدد الاختصاصات يشمل: طبيب الأذن والأنف والحنجرة، طبيب جراحة أمراض الرأس والرقبة، طبيب متخصص بالعلاج الإشعاعي، طبيب متخصص بالعلاج الكيميائي.
كما أن بعض التخصصات الأخرى تتكامل مع هذا الفريق مثل طبيب الأسنان، تخصصات الجراحة التكميلية والتجميلية، أطباء التخاطب والتأهيل، وكذلك التمريض المختص بعلاج الأورام واختصاصيي التغذية، وكذلك أطباء الصحة النفسية، إلخ..، حسب ما تتطلب الحالة.
لذلك من الضروري وضع خطة عمل فردية لكل شخص وتشكيل فريق عمل يتولى متابعة التطورات المختلفة ووضع الحلول المناسبة لها. وأجد من الضروري الدعوة إلى عقد الندوات والمؤتمرات المتخصصة بتدبير ورعاية هؤلاء الأشخاص، على الصعد الوطنية والعربية لتبادل المعارف والخبرات، بمشاركة الأشخاص المستأصلة حنجرتهم وذويهم.
كذلك لابد من العمل على إتاحة النشرات والكتيبات باللغة العربية المبسطة حول جميع حاجات وحقوق هؤلاء الأشخاص وسبل تحسين حالتهم، والأدلة المبسطة الموجودة لمساعدتهم وإرشادهم. كذلك تشجيع ودعم هؤلاء الاشخاص من أجل تشكيل مجموعات خاصة بهم وذويهم من مقدمي الرعاية لتبادل المعارف والخبرات وحضور المناشط الاجتماعية التي بدورها تنعكس إيجابيًا على جودة حياتهم. كذلك الدعوة إلى عقد اجتماعات دورية للجهات المختلفة التي تقدم الرعاية لهم لتقييم واقع هؤلاء الأشخاص على ضوء حقوقهم كمرضى من جهة وأشخاص ذوي إعاقة من جهة أخرى وفق القوانين والاتفاقيات والقواعد المتبعة في هذا الشأن (اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة) من أجل النهوض بأوضاعهم وتلبية حاجاتهم وتمكينهم من حقوقهم التي نتطلع إليها جميعًا.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/