قراءة في برنامج الواقع Down for love
بقلم: محمد النابلسي
تُعرض على منصة نتفلكس Netflix الأمريكية برامج مختلفة تتعلق بفكرة إيجاد الحب، وإيجاد شريك الحياة، بعضها بطريقة مقبولة ضمن المجتمعات التي تُصوّر فيها مثل برنامج Indian Matchmaking، والذي يستعرض دور الخاطبة في المجتمعات الهندية والتي تحاول التنسيق لزيجات تسير حسب التقاليد والأعراف الهندية. وبعضها قد يكون تحدياً صارخاً للأعراف والتقاليد الاجتماعية، وقد يصف البعض أن هذا النوع من البرامج بالأفكار الشيطانية أو مؤامرات تُحاك في الخفاء.
ولكن مسلسل Down for love أو الوقوع في الحب، والذي لعب على مصطلح متلازمة داون ليعطي معنى مزدوجاً بالإشارة إلى الأشخاص ذوي متلازمة داون ، الذين كانوا أبطال هذا البرنامج الواقعي الذي تم إنتاجه في نيوزلندا بالتعاون مع الجمعية الوطنية النيوزلندية للأشخاص ذوي متلازمة دوان، وفي نفس الوقت يعني الوقوع في الحب، إذ يستعرض هذا البرنامج الحياة العاطفية الخاصة بهم، وطريقة للربط بينهم للإيجاد الشريك المثالي بالنسبة إليهم.
وعلى الرغم من تحفظاتنا كمجتمعات عربية وإسلامية على طريقة المواعدة الواردة في البرنامج، فإن هذا البرنامج على العكس من معظم برامج المواعدة الحديثة والتي تعرض على شبكة نتفلكس أو غيرها، والتي تستمتع بجعل المشاركين مثار سخرية الجمهور أو الحكم عليهم قدر الإمكان بهدف الترفيه، فإنه قد أظهر مشاركي ومشاركات البرنامج بصورة تعبر عن إنجازاتهم المهنية، وتصوير رغبتهم المشروعة في بناء أسرة.
اقرأ ايضا: الأشخاص من ذوي الإعاقة في الأفلام والمسلسلات
وقدّم برنامج Down for Love صيغة أكثر لطفًا وأكثر عفوية لاستكشاف الجانب العاطفي من حياة الأشخاص ذوي متلازمة داون. ويتتبع البرنامج في خمس حلقات، تم إنتاجها عام 2022 وعرضها لأول مرة في أغسطس الماضي على شبكة نتفلكس، الحياة العاطفية لعشرة أشخاص من ذوي متلازمة داون يبحثون عن شركاء أرواحهم. ومن بينهم الممثلة ليبي هونسديل، التي لعبت دور البطولة مؤخرًا في فيلم Poppy لعام 2021، والمصور الحائز على جوائز وبطل السباحة كارلوس بيجمان، والعارضة ليلي ماي إيفات أوكلي البالغة من العمر 18 عامًا. وكل هؤلاء من المنتسبين للجمعية الوطنية النيوزلندية.
وتغطي الحلقات بشكل كبير مجموعة من الاهتمامات والمواهب والإنجازات التي حققها المشاركون في البرنامج. هناك جوش، ذو الروح المرحة والذي يحب السهر في الأماكن العامة، وكارلوس ذو الأصول اللاتينية والمولود في بوليفيا، والمنفتح جدًا ويتقن عدداً من اللغات. وليسل التي تتقن لعبة الجولف المصغرة بعكس شريكها برايدن الذي يقدم لها دعماً غير محدود، بالإضافة إلى عمل الكثير من المشاركين كعارضي وعارضات أزياء وممثلين أو محترفي تصوير فوتوغرافي. وهذا يدل على الحياة الاقتصادية المستقلة التي يتمتع بها المشاركون في البرنامج، ومستقبلهم المهني الواعد في الأعمال التي يقومون بها.
هذا البرنامج هو ليس الوحيد الذي استعرض الحياة العاطفية للأشخاص ذوي الإعاقة، فقد سبقه برنامج Love on the Spectrum، والذي استعرض الحياة العاطفية للأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد، بوجود إشراف كبير من أولياء الأمور على مشاركة أبنائهم وبناتهم في البرنامج، ووجود مدربين متخصصين في المواعدة والعلاقات العاطفية لمساعدة المشاركين على التعامل مع العلاقات العاطفية وفكرة المواعدة.
ورغم الانفتاح والتحرر الذي تشهده المجتمعات الغربية، فقد واجه البرنامج الكثير من الانتقادات التي اعتبرت أن ما يحدث هو استغلال صارخ للأشخاص ذوي الإعاقة، وتحديداً الأشخاص من ذوي متلازمة دوان، بينما يدافع المتحمسون للبرنامج عن قدرة البالغين من ذوي الإعاقة الذهنية عموماً، والأشخاص من ذوي متلازمة دوان خصوصاً على إدارة حياتهم الشخصية واتخاذ القرارات المناسبة بوجود دعم مدروس، وليس إشرافاً مباشراً كأنهم أطفال، فقد استهجنت أسر الأشخاص من ذوي متلازمة دوان هذه الانتقادات، باعتبار أصحاب تلك التعليقات يرون أن أبنائهم وبناتهم لا زالواً أطفالاً.
يخرج الجميع من التجربة مع صديق جديد وتكون لديهم فكرة أفضل عما يريدون وما لا يريدون.
أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في هذه السلسلة هو قيام المنتجين بتصوير حياة الأزواج من ذوي الإعاقة، والأشخاص الذين وجدوا الحب بالفعل، وكيف أن عليهم التعامل مع نفس المشكلات التي يتعين على الأزواج الآخرين التعامل معها. ولكن عندما يكون الزوجان من ذوي الإعاقة الذهنية، فإن هناك أيضًا مشكلات تتعلق بما إذا كان بإمكانهما العيش بمفردهما، وما إذا كان لديهما فهم لبعض الجوانب الأكثر تعقيدًا للعلاقة.
في الحقيقة، قدم البرنامج صورة جريئة ولكن بتناول محترم وعلى قدر عالٍ من المودة، بمعايير تتناسب مع المجتمعات الغربية، فالبرنامج قدم صور لطيفة لكيفية وأصول المواعدة، كما ساعد الأشخاص على الخروج في مواعيد تسعى لاستكشاف جوانب جديدة من اهتماماتهم وتعلمهم مهارات جديدة، مثل خبز الكعك، أو التزلج أو التسلق أو الخزف.
هذا البرنامج هو توليفة دافئة ومضحكة، ويظهر مثالًا آخر على مدى اتساع مفهوم الحب، وقد يكون هذا البرنامج محفزاً لنا على فهم الحياة العاطفية للأشخاص البالغين من ذوي متلازمة دوان في مجتمعاتنا، وإيجاد صيغ تتناسب مع مفاهيمنا وتقاليدنا وقيمنا تحقق لهم هذا الجانب. والتركيز على ضرورة خلق وظائف جديدة تتعلق بتقديم الاستشارات في الزواج، والعلاقات العاطفية، وتقديم الإرشاد المهني المناسب للأشخاص البالغين من ذوي الإعاقة الذهنية.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”