بقلم نورا الشرابي
الزمن الرقمي:
تشكّل التكنولوجيا في حياتنا واقعاً لا يمكن لأحدٍ أن يتجاهله؛ فقد دخلت إلينا، وانتشرت بسرعة الضوء. فتطور التكنولوجيا في عصرنا هذا بات يحسب الآن بالساعات والدقائق، ففي كل دقيقة تتحفنا بما هو جديد، وبتنا ندور في فلك الزمن الرقمي.
اقرأ ايضا: الأمم المتحدة تطلق برنامجاً لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر باستخدام التكنولوجيا
عندما قَدِمَت التكنولوجيا إلينا استبشرنا خيراً وهللنا ورحبنا بها إيماناً منا واقتناعاً بأنها ستعيننا على كثير من القضايا.
طبعاً لم نكن بلهاء لنرحب بها عبثاً، أو أن يكون استقبالنا لها استجابة لدعاية من هذه شركة أو تلك، بل كانت أمراً واقعياً فرض نفسه، وتلمسنا آثاره فوراً.
فمثلاً عندما بدأت إعلانات الغسالات الآلية، كان تأثيرها في حياتنا واضحاً للعيان، حيث كانت البيوت تخصص قبلها يوماً كاملاً أو نصف يوم من أجل غسيل الثياب وكيّها وتحضيرها للأسبوع القادم، وعندما جاءت الغسالة الآلية ورأى الناس إعلاناتها، كان التجاوب الأول لهم بأننا لو اشترينا هذه الآلة، مهما كان ثمنها، فإنها ستعيننا على أمرين اثنين، أولاً: تنظيف عالي الجودة، وثانياً: اختصار الزمن.
ناهيك عن اختراع السيارة، في أوائل القرن العشرين، والتي اختصرت الزمان وقربت المكان بحيث أن المناطق البعيدة أصبحت قريبة، والأشهر، التي كنا نقضيها على الأحصنة والخيول والإبل، صارت ساعات.
فهذا يعني أننا استطعنا ضغط الزمن واختصاره لصالحنا؛ بمعنى أننا نصل في ساعتين إلى مكان كنا نحتاج شهراً كي نصل إليه في الماضي. هذا يعني أننا اختصرنا ثلاثين يوماً، وصار هذا الوقت ملكاً لنا نستطيع أن نفعل به ما نشاء، وقس على ذلك كل ما وفرته الاختراعات، التي ننعم بها.
من هنا جاءت فكرة الترحيب والتبشير والحث على تطوير التكنولوجيا، لأن الإنسان اكتشف فوائدها فوراً ومباشرة بشكل ملموس وعملي. ولا داعي لوضع جداول وإحصائيات وأرقام، فأثر التقدم العلمي كان واضحاً للناس، لذلك كان من السهل إدخال أي تطوّر إلى بيوتهم، فأدخل الناس الراديو والتلفزيون وركب الناس الطيارة وتنعموا بما قدمته التكنولوجيا من آلات وأدوات اختصرت الجهد والزمن معاً.
الزمن البشري:
يرتبط الزمن البشري بحركة الشمس والقمر والنجوم، وللزمن البشري خصائص مختلفة عن الزمن الإلكتروني الرقمي الذي يعتمد على حركة الذرات. فمن خصائص الزمن البشري أنه متبدل بتبدل الحالات التي يمر بها الإنسان، كالحالة النفسية مثلاً، وهذه الحقيقة تدعمها التجارب الإنسانية اليومية، وتؤكدها البحوث العلمية المختلفة.
والزمن البشري أيضاً مرتبط بالأحداث التي نمر بها بحلوها ومرها، فساعة من السعادة تمر كاللحظة، ودقيقة الحزن تلقي بظلالها وكأنها دهر.
فالزمن البشري هو تفاعل الزمن مع الإنسان بقدر تفاعل الأخير معه. وأبسط مثال على ذلك أن الإنسان، الذي يقضي وقته منشغلاً بقضية ما وهو يحاول أن يسابق الزمن، يمتد لديه الوقت حتى يعطيه الفرصة لينتج ويحقق ما يريده. ولا أدل على ذلك أيضاً من الثواني الأخيرة مثلاً لمباراة في كرة السلة، حيث تمتد تلك الثواني بشكل عجيب لتخدم الفريق، لأن كل الناس تنظر إلى الزمن، فيصبح أبطأ ما يمكن (أو نشعر بأنه أبطأ).
وأما الشخص القابع في السجن، فالمفترض أن يشعر ببطء الوقت، لكن هذا لا يحدث، بل إن الوقت يمر عليه أحيانا بسرعة دون أن يدري، لأن حياته لم تعد تهتم بالوقت، وليس لديه شيء ينتجه مع مرور الزمن، إذ تحولت حياته إلى روتين يومي. هنا انعدم مفهوم الزمن المرتبط بالأخذ والعطاء والإنتاج.
نحن عندما استعضنا عن الزمن البشري بالزمن الرقمي (متمثلاً بأدوات التكنولوجيا والأجهزة الذكية) القائم على الصفر والواحد، والمرتبط بحركة الإلكترونات والذرات، فكأننا تخلينا عن الزمن البشري الممتد إلى زمن رقمي له خواصه المختلفة، فهو يسير بشكل أسرع، ويمضي غير عابئ بحركة الزمن المعتمدة على حركة الكون.
وكأن الزمن مخلوق يتفاعل مع الشخص، ويتصرف بطريقة تختلف من شخص إلى آخر بناءً على أمرين اثنين: أولهما تعاطيه مع الزمن، والثاني وجود شيء محدد يسعى إليه هذا الشخص عبر الزمن.
يرتبط الزمن البشري كما ذكرنا آنفا بالبشر، لكننا عندما اتكأنا على الزمن الرقمي (التكنولوجيا بكل مفرزاتها) انسحب الزمن البشري إلى الوراء، فبقدر ما تعطي الأخير يعطيك، أما الزمن الرقمي فلا يعطيك شيئاً بالمقابل، فأنت تخوض فيه وتظن أنك استهلكت ساعتين مثلاً، فإذا به يسحبك إليه أضعاف هذا الوقت.
إن الزمن البشري ما يزال يعتمد ويستمر في اعتماده على التواصل البشري، فحضن الأم لوليدها، وجلوس الأصدقاء مع بعضهم البعض، واجتماع العائلة، سيظل يعتمد على وجود ساعة معلقة في منتصف الغرفة ننظر إليها جميعاً.
سيظل الزمن البشري يعتمد على شجرة الكباد والليمون المزروعتين في باحة المنزل، وعلى قصيص الزرع على الشرفة، وعلى القطة التي نربيها، وعلى الياسمينة التي تزهر في ساحات بيوتنا، وعلى السلحفاة التي تسير على أرض الدار.
أخيراً
هذه ليست دعوة للتخلي عن الزمن الرقمي، وإنما لابد لنا أن نحاول الجمع بين الزمن البشري والزمن الرقمي، فالتكنولوجيا يجب أن تكون أداة توسع إدراكنا للزمن البشري.
فالزمن البشري مهم ليخدم الإنسان، وليتأمل ما حوله، وليتفاعل ويستنتج ويستنبط ويستقرئ كل ما يحيط به.
فالنبات ينمو في حيز الزمن البشري، وصعود الشمس في الصباح وغروبها في المساء يتناسب معه، وكل هذه الأمور قد تبدوا بطيئة (مقارنة بالزمن الرقمي) لكنها خصصت لتتناسب مع طبيعة حياتنا، ولا أدل على ذلك من الحمل الذي جعله الله تسعة شهور.
مع أهمية الزمن الرقمي في عالمنا المعاصر، يجب ألا ننسى الزمن البشري، وأن نعطي كل شيء حقه، عندها فقط لن تجد شخصاً يقول لك إنه مشغول ولا يجد الوقت لأداء أبسط متطلبات التواصل الإنساني.
إجازة في الصيدلة.
كاتبة ومؤلفة .
الكتب المنشورة:
- سلسلة الكلمات المتقاطعة – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –1997
- دليل الأم في الإرضاع من الثدي – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –2002
- التعابير العامية الدارجة في اللغة الإنكليزية (الأميركية)-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2005
- هكذا نقيد الأجيال-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2010
- أوراق خريفية – دار الفكر للطباعة والنشر- دمشق- سوريا- 2013
- المشاركة في كتابة نص مسرحية بعنوان “وين ندق المسمار” ، عرضت في ثلاث ولايات أميركية أوهايو – تكساس – ولوس أنجلوس –
من المقالات التي نشرت لها:
- مقالة “الرحم.. أول مدرسة في التاريخ” مجلة الراشد العدد الثاني والعشرون، تاريخ نيسان 2003.–دبي ، الإمارات العربية المتحدة .
- مقالة “غريبان تحت سقف واحد” – مجلة مودة ، العدد 26 كانون أول 2003– أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة
- مقالة “الطفل في المطبخ عود ثقاب متحرك”- مجلة راشد، العدد 24 ديسمبر 2003
- مداخلة تحليلية لتحقيق بعنوان ” نساء يصرخن: لا للوظيفة نعم للبيت- مجلة زهرة الخليج، العدد1334 تشرين أول 2004
- مقالة ” دور الفرد في خلق التوازن النفسي الأسري- مجلة المجتمع العدد الرابع، أغسطس 2004
- ملف التسالي في مجلة أنت – قطر
- ملف التسالي في مجلة ولدي – الكويت
- للروح نصيب – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مايو 2019 – الشارقة – الإمارات
- من هي المرأة الجميلة حقا؟ – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ابريل 2019 – الشارقة -الإمارات العربية المتحدة.
- ملف التسالي في مجلة مرامي
- مسؤولة سابقة عن ملف التسالي لعدة مجلات إماراتية: الجزيرة الرياضية – همسات- مودة- راشد
- البوصلة الإنسانية ما بعد كورونا – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ديسمبر 2020
- مهن السراء والضراء – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مارس 2021
- الأشخاص ذوو الإعاقة وسوق العمل- مجلة المنال الإلكترونية- العدد مايو , 2022
شهادات تقدير وانجازات:
- مصنفة ضمن أدباء وأديبات القرن العشرين في سوريا ” أدب الأطفال وأدبائهم في سورية بالقرن العشرين ” – دار شهرزاد للنشر – دكتور مهيار الملوحي – دمشق – سوريا – 2004
- مؤسسة ورئيسة سابقة لرابطة الفنانات المسلمات والتي أدرجت في بحث أكاديمي بعنوان:
Muslim Women Visual Artists’ Online Organizations: A Study of IMAN and MWIA
رابط البحث
- شهادة تقدير من مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
المقابلات الإعلامية :
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بقلم هوزيه هواريز – كانون أول – 1997
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بعنوان “للزوجين ، الإسلام هو الحياة” بقلم دوج بومان -كانون أول – 1997
- مقابلة في جريدة خليج تايمز (Khaliij times) – “Authoring Success Stories”- By Anu Prabhakar, Published: Fri 8 May 2009 https://www.khaleejtimes.com/article/authoring-success-stories
أعمال إضافية :
- إعداد 240 ساعة إذاعية لبرنامج “راديو إي أو إف” . على محطة WNZK 680 AM في ولاية ميتشيغان الأميركية 1998-1999.