إعداد أ. خديجة محمد الثقفي
يعيش التَّعليم تطوُّرًا وتنميةً في شتَّى ميادين الحياة، فهو عمليَّةٌ مُهمَّةٌ لبناء الفرد، وتتمثَّل في إحداث التَّغيير الاجتماعيِّ المأمول منها، ولهذا لا تعود ثمار التَّعليم على الفرد فقط، بل يمتدُّ أثره ليشمل المجتمع بأكمله.
وتعدُّ التَّربية والتَّعليم من الوسائل المُهِمَّة في بناء الإنسان الصَّالح؛ فما تُحدِثُهُ التَّربية من تغييرٍ إيجابيٍّ على الفرد يؤثِّر وبشكلٍ كبيرٍ في شخصيَّتِهِ وقدراتِهِ ومهاراتِهِ. (حلس، 2008).
وتواجه التَّربية والتَّعليم قضيَّة مهمَّة؛ ألا وهي المشكلات السُّلوكيَّة، ومن هنا تبرز أهميَّة الاهتمام بتشكيل شخصيَّة الفرد وتوجيه سلوكه؛ لذا تُعنى مؤسَّسات التَّربية والتَّعليم بغرس القيم وتعليمها وتنميتها. (عبد النظير، 2015).
ويُعدُّ التَّنمُّرُ من أبرز المشكلات السُّلوكيَّة، وقد عرَّفه (لينس وآخرون، 2019) بأنه “تعمُّد وتكرار الإيذاء الجسديِّ والنفسيِّ للآخرين من ضحايا المتنمِّر، والاستهزاء بهم، واستبعادهم من المواقف الاجتماعيَّة”.
وتُعرِّفه (هالة إسماعيل) بأنَّه: “شكلٌ من أشكال الإساءة للآخرين، ويحدث عندما يستخدم فرد أو مجموعة قُوَّتَهم بشكلٍ خاطئٍ على فردٍ أو مجموعةٍ أخرى غير مُساوين لهم في القوَّة، حيث يكون هُناك عدم توازن بين المتنمِّر والمتنمَّر عليه، سواء كانت الإساءة لفظيَّةً أو جسديَّةً أو نفسيَّةً”. (الدسوقي، 2016، ص12).
ويُعدُّ التنمُّر المدرسيُّ سلوكًا تشكو منه الكثيرُ من المدارس في جميع المراحل التَّعليميَّة، سواء كان جسميًّا، أو لفظيًّا أو اجتماعيًّا، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فهو يترتب عليه العديد من الآثار السَّلبيَّة، سواءٌ على القائم بالتنمُّر أو على المتنمَّرِ عليه.
وقد أشارت دراسة الصَّرايرة (2011) إلى أن التَّعرُّض للتَّنمُّر يترك بعضَ الآثار النَّفسيَّة والاجتماعيَّة والأكاديميَّة والجسميَّة على ضحايا التنمُّر، وإن كان الطُّلَّاب الذُّكور أكثر عُرضة للتنمُّر الجسديِّ واللفظيِّ، في حين الإناث أكثر عُرضة للتنمُّر الاجتماعيِّ.
إنَّ دراسة التَّنمُّرِ لها أهميَّةٌ خاصَّة للطُّلَّاب من غير ذوي الإعاقة ، وتزداد أهميتها عند الطُّلاب ذوي الإعاقة ؛ لأنَّ الطُّلَّاب ذوي الإعاقة يحتاجون للمساعدة والعناية والاهتمام؛ لوجود قصورٍ جسديٍّ أو نفسيٍّ أو عقليٍّ لديهم.
وتعد فئة الأشخاص ذوو الإعاقة الذهنية من أبرز فئات التَّربية الخاصَّة التي تواجه مشكلات سلوكيَّة عديدة، وهذا ما أشارت إليه دراسة (ليفنس وآخرون، 2019) بأن الأفراد ذوي الإعاقة الذهنية يتعرَّضون لمشكلات سلوكيَّة، ويفتقرون للقدرة على التعامل مع المشكلات السُّلوكيَّة، وأنهم يحتاجون للرعاية النَّفسيَّة والاجتماعيَّة والأكاديميَّة المناسبة لخصائصهم واحتياجاتهم.
ويواجه الطلاب ذوو الإعاقة الذهنية في مدارس الدَّمج العديد من المشكلات السُّلوكيَّة؛ ومن أبرزها التنمر من أقرانهم من غير ذوي الإعاقة، وذلك له تأثير عليهم في نواحٍ عديدة، سواء كانت نفسيَّة أو اجتماعيَّة، كما أشارت دراسة (الدهان، 2015) التي توصَّلت نتائجها إلى أنَّ الطلاب ذوي الإعاقة الذهنية يتعرَّضون للتنمُّر من أقرانهم من غير ذوي الإعاقة في مدارس الدَّمج.
وبالنَّظر في خصائص الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، وتدنِّي مستوى التَّفاعُلات الاجتماعيَّة، وتقدير الذَّات المنخفض، وعدم الثقة بالذات، يكون عليهم ضرر أكبر مقارنةً بالطلاب غير ذوي الإعاقة. (جري، 2019).
وسَيَتِمُّ فيما يلي عرضٌ لتعريف التنمر بصورة عامَّة، وشرح أشكال التنمر وصُوَرِهِ، ثم مناقشة قضيَّة التنمر تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في محورين؛ يتحدَّث المحور الأوَّل عن الدِّراسات التي تناولت موضوع التنمر تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، بينما يتحدَّث المحور الثاني عن الدِّراسات التي تناولت التنمر من خلال الطلاب غير ذوي الإعاقة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية.
الإطار النَّظري
مفهوم التَّنمُّر:
إيقـاعُ الأذى على فردٍ أو أكثـرَ؛ بدنيًّا أو نفسيًّا أو عاطفيـًّا أو لفظيًّا، ويتضمـَّن كذلك التَّهديد بالأذى البدنيِّ أو الجسميِّ بالسِّلاح والابتزاز، أو مخالفـة الحـقـوق المدنيَّة، أو الاعتـداء والضَّرب، أو العمـل ضمن عصابات، ومحاولات القتـل أو التَّهديد، كمـا يُضافُ إلى ذلك التَّحرُّش الجنسي. (الصبحيين والقضاة، 2013، ص8).
أشكال التنمر:
هناك عدَّة أشكال من التنمر:
التنمر الجسدي: الضَّرب، أو التَّربيت، أو القرص أو الرَّكل، أو الضَّرب بالأرض، أو الشَّد، أو الإرغام على فعل شيء.
التنمر اللفظي: السَّبُّ، أو اللَّعن، أو الاستفزاز، أو التَّهديد، أو التوبيخ، أو نشر الشَّائعات، أو إعطاء لقب أو اسم أو تسمية عرقيَّة.
التنمر الجنسي: استخدم أسماء جنسيَّة، أو كلمات بذيئة، أو تلمس، أو تهديد بالانخراط في نشاطٍ جنسي.
التنمر العاطفي والنفسي: مضايقة جماعيَّة، وتهديد وترهيب، وإهانة ونبذ.
5- التنمر في العلاقات الاجتماعيَّة: منع بعض الأشخاص من الانخراط في أنشطة مُعيَّنة عن طريق صدِّ بعض الأشخاص، أو رفض صداقتهم، أو نشر الإشاعات عن الآخرين للتخلُّص منهم. (الديار، 2012).
يتبع في العدد القادم عن المحاور والتعقيب على الدراسات السابقة
المــــراجــع:
المراجع العربية:
- أبو ضيف، أيمان وعثمان، نبيلة وهلال، وفاء، (2020)، التنمر المدرسي لدى عينة من الأطفال المعاقين عقليًّا القابلين للتعلم، مجلة شباب الباحثين في العلوم التربوية، (4)، (251-293).
- الدسوقي، ممدوح محمد (٢٠١٢). دور خدمة الفرد في تخفيف معدلات السلوك العدواني، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث.
- الديار، مسعد نجاح. (2012). سيكولوجية التنمر بين النظرية والعلاج الكويت. ط2
- السيد، أحمد (2019)، التعرض للتنمر وعلاقته بالسلوك الانسحابي لدى التلاميذ ذوي الإعاقة الذهنية بالمرحلة الابتدائية بمدارس الدمج. جامعة الملك فيصل.
- الصبحيين،علي الموسى والقضاة، محمد فرحان. (2013). سلوك التنمر عند الأطفال والمراهقين، الرياض، مطابع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ط1.
- طلب، علي وسليمان، عمرو . (2020). فاعلية برنامج تدريبي لتنمية المهارات الاجتماعيَّة في خفض التنمر المدرسي لدى الطلاب المعاقين عقليا القابلين. المجلة التربوية.72 .123-51
- عبد النظير، هبة (٢٠١٥). تصور مقترح بعض القيم الأخلاقية بكتب رياضيات المرحلة الإعدادية في ضوء ملامح المنهج الخفي، مجلة كلية التربية، جامعة بورسعيد ع (١٨ يونيو).
- علي، عماد و الحديبي ، علي و عبد الشافي، وفاء يونس. (2015) .الاضطرابات اللغوية كمنبئ للتنمر المدرسي لذوي الاضطرابات النمائية الذهنية للتعلم .المجلة التربوية. 72 (1) 51- 123.
- المعيقل، إبراهيم (2017). التنمر لدى التلاميذ ذوى الإعاقة الذهنية وعلاقته بالمشكلات الصفية لدى أقرانهم كما يدركها معلموهم. مجلة التَّربية الخاصة والتأهيل 6 (12). (25-51).
المراجع الأجنبية :
- Al Sarayrah, A. A. (2011). The psychological, social, academic and physical effects of bullying on the victims of bullying of students from high basic stage in province Karak, (Master thesis), Deanship of Graduate Studies, Mutah University.
- 2015. (E. D, Boyer.,& C, Yang., J. J, Glutting., S. L, Mantz., G. G, B –
- -Al Sarayrah, A. A. (2011). The psychological, social, academic and physical effects of bullying on the victims of bullying of students from high basic stage in province Karak, (Master thesis), Deanship of Graduate Studies, Mutah University
- -Al-Dahan, M. H. (2015). Bullying behavior for mental and hearing handicapped child and relation with self-regard, self-advocacy and facial emotion recognize. Journal of Childhood Studies at Ain Shams University, 18(67), 159-168.
- -Gray, L. (2019). Educational Trauma. Switzerland: Palgrave Macmillan
- -Lievense, P., Vacaru, V., Liber, J., Bonnet, M. & Sterkenburg, P. (2019). “Stop bullying now!” Investigating the effectiveness of a serious game for teachers in promoting autonomy-supporting strategies for disabled adults: A randomized controlled trial. Disability and Health Journal, (12), 310-317.
- Rose, C. A., & Gage, N. A. (2017). Exploring the involvement of bullying among students with disabilities over time. Exceptional children, 83(3), 298-314.
- Spillage, D. L., Rose, C. A., & Polanin, J. R. (2016). Social-emotional learning program to promote prosocial and academic skills among middle school students with disabilities. Remedial and Special Education, 37(6), 323-332.
أستاذة .خديجة محمد الثقفي
حاصلة على الماجستير في التربية الخاصة وعلى شهادة تدريب مدربين معتمدة من جامعة بوسطن