إعداد الاختصاصية الاجتماعية مي عبد الله الرئيسي
مجلس الاختصاصيين الاجتماعيين في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
مقدمة
في عالم اليوم المعاصر، يكتسب مصطلح ” أصحاب الهممص ” زخماً باعتباره وسيلة أكثر شمولاً وتمكيناً للإشارة إلى الأفراد، ويشمل مجموعة متنوعة من الأفراد الذين يواجهون تحديات صحة جسدية أو حسية أو ذهنية، وبدلاً من التركيز فقط على إعاقاتهم، يؤكد هذا المصطلح على مرونتهم وقوتهم وقدرتهم على التغلب على العقبات بتصميم ومثابرة.
فيلعب الأشخاص ذوو الإعاقة أدواراً أساسية في المجتمع، حيث يساهمون بمواهبهم ومهاراتهم ووجهات نظرهم الفريدة في مختلف المجالات، فلا يتم تقييمهم من خلال إعاقتهم ولكن من خلال قدراتهم وتطلعاتهم، وإن فهم ودعم دمجهم أمر بالغ الأهمية لبناء مجتمع منصف ومتنوع أكثر.
اقرأ ايضا: وحدة التعليم الدامج تحتفي بشهر التعليم الدامج
في الماضي كان يواجه الأفراد ذوو الهمم في كثير من الأحيان التمييز والتهميش وعدم إمكانية الوصول إلى مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك التعليم والتوظيف والرعاية الصحية والمشاركة الاجتماعية، ومع ذلك، فإن المواقف والسياسات المجتمعية تتطور تدريجياً للاعتراف بحقوق وقدرات الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز اندماجهم ومشاركتهم الكاملة في المجتمع.
اقرأ ايضا: تطلعات وتحديات في اليوم العالمي للخدمة الاجتماعية 2023
ويعد العنصر التعليمي حجر الزاوية في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة اليوم، حيث يضمن التعليم الجيد الوصول إلى مجموعة الفرص التعليمية المصممة خصيصاً لتلبية احتياجاتهم، وتعزيز تطورهم الشخصي وإعدادهم للمشاركة الفعالة في المجتمع، بالإضافة إلى ذلك، تهدف جهود ومبادرات المناصرة إلى تعزيز إمكانية الوصول في البيئة المبنية والنقل والتكنولوجيا والاتصالات، وإزالة الحواجز التي تعيق مشاركتهم الكاملة.
وتعد عملية الدمج المجتمعي أمراً ضرورياً لتعزيز الشعور بالانتماء والرفاهية بين الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يساهم الدعم المجتمعي والأنشطة الترفيهية التي يمكن الوصول إليها والفعاليات الثقافية والشبكات الاجتماعية في اندماجهم الاجتماعي وتحسين نوعية حياتهم.
ومع ذلك، فإن تحقيق الدمج والتمكين الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة يتطلب جهوداً مستمرة من الأفراد والمجتمعات والحكومات والمنظمات ـ وهو ينطوي على تحدي الصور النمطية، والدعوة إلى تغيير في السياسات، والاستثمار في خدمات الدعم والبنية التحتية، وتعزيز مواقف الاحترام والتعاطف والمساواة. ( القادر ، 2018 ) .
التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة على الصعيد الاجتماعي
يواجه العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة مجموعة من التحديات على المستوى الاجتماعي من أبرزها:
التمييز والقوالب النمطية في المجتمع
غالباً ما يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة التمييز والقوالب النمطية في مختلف جوانب الحياة، بدءاً من التعليم والتوظيف وحتى التفاعلات الاجتماعية، حيث يمكن أن يظهر التمييز في شكل عدم المساواة في المعاملة، أو الاستبعاد، أو التحيز على أساس القيود المتصورة المرتبطة بالإعاقة.
ويمكن أن تؤدي الصور النمطية إلى تفاقم هذه المشكلة من خلال استمرارية الافتراضات السلبية حول قدرات الأفراد ذوي الإعاقة أو ذكائهم او استقلالهم ويمكن لهذه المواقف المجتمعية أن تخلق حواجز كبيرة أمام الفرص، مما يؤدي إلى مشاعر التهميش وتدني احترام الذات بين الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعد معالجة التمييز والقوالب النمطية أمراً ضرورياً لتعزيز مجتمع أكثر شمولاً حيث يمكن للأفراد ذوي الإعاقة المشاركة بشكل كامل والمساهمة بمواهبهم ووجهات نظرهم الفريدة.
الوصول إلى الخدمات الاجتماعية:
يمكن أن يمثل الوصول إلى الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والنقل والإسكان تحدياً للأشخاص ذوي الإعاقة بسبب الحواجز المادية أو نقص أماكن الإقامة أو عدم كفاية أنظمة الدعم، وقد تؤدي البنية التحتية والخدمات التي يتعذر الوصول إليها إلى الحد من استقلالهم وتقييد قدرتهم على المشاركة في الأنشطة المجتمعية أو فرص العمل.
إضافة إلى ذلك، فإن التفاوت في الوصول إلى الخدمات الأساسية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة واستمرارية دورات الفقر والاستبعاد الاجتماعي، وإن ضمان المساواة في الوصول إلى الخدمات الاجتماعية أمر بالغ الأهمية لتعزيز رفاهية ودمج الأفراد ذوي الإعاقة، لأنه يمكنهم من عيش حياة مرضية والمشاركة بنشاط في المجتمع، ويتطلب ذلك تنفيذ سياسات ومبادرات تعطي الأولوية لإمكانية الوصول، وتلبية الاحتياجات المتنوعة وتخطي العوائق النظامية التي تحول دون تقديم الخدمات.
العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة :
تعد العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة من التحديات السائدة التي يواجهها العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة بسبب عوامل مختلفة ، بما في ذلك الحواجز الجسدية والوصم والفرص الاجتماعية المحدودة ، فقد يواجه الأفراد ذوو الهمم صعوبات في الوصول إلى المساحات المجتمعية ، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية ، أو تكوين اتصالات ذات معنى مع الآخرين، ونتيجة لذلك ، قد يشعرون بالعزلة أو سوء الفهم أو الاستبعاد من الشبكات الاجتماعية، مما يؤدي إلى الشعور بالوحدة وانخفاض الصحية العقلية ، وتتطلب معالجة العزلة الاجتماعية خلق بيئات شاملة تسهل التفاعل الاجتماعي وتعزز الشعور بالانتماء لدى الأشخاص ذوي الإعاقة ، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز البرامج المجتمعية التي يمكن الوصول إليها ، وتسهيل مجموعات دعم الأقران ، وزيادة الوعي حول أهمية الدمج الاجتماعي الشامل .
تحديات العمل والمهن :
غالبا ما يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة التحديات في العثور على عمل والتقدم في حياتهم المهنية بسبب التمييز، ونقص أماكن الإقامة، وبيئات العمل التي لا يمكن الوصول إليها، وعلى الرغم من امتلاكهم لمهارات ومؤهلات قيمة، قد يواجه الأفراد ذوو الهمم شكوكاً من أصحاب العمل، أو فرص عمل محدودة، أو دعماً غير كاف للنجاح في مكان العمل.
علاوة على ذلك ، يمكن لثقافات مكان العمل التي تشمل التمييز بين الأشخاص ذوي الإعاقة أو تفتقر إلى الشمولية أن تزيد من تهميش الموظفين ذوي الإعاقة ، مما يعيق نموهم المهني ورضاهم الوظيفي، ويتطلب التغلب على التحديات في العمل والمهن تنفيذ ممارسات توظيف شاملة ، وتوفير تسهيلات معقولة وتعزيز بيئات العمل الداعمة التي تقدر التنوع والشمول ، وإن تمكين الأفراد ذوي الإعاقة من تحقيق أهدافهم المهنية والمساهمة بنشاط في القوى العاملة يفيد الموظفين و أصحاب العمل ، ويعزز الابتكار والإنتاجية، كما يعزز الشمولية في المجتمع.
الإعاقة والعلاقات الاجتماعية :
يمكن أن تؤثر الإعاقة على العلاقات الاجتماعية بطرق مختلفة، حيث قد يواجه الأفراد ذوو الهمم تحديات في تكوين الروابط الاجتماعية والحفاظ عليها بسبب المواقف المجتمعية والمفاهيم الخاطئة، وقد يشعر بعض الأشخاص بعدم الارتياح في التعامل مع الأفراد ذوي الإعاقة، مما يؤدي إلى الحواجز الاجتماعية والاستبعاد.
علاوة على ذلك ، قد يعاني الأفراد ذوو الهمم من حواجز التواصل أو القيود الجسدية أو مشكلات إمكانية الوصول التي تؤثر على قدرتهم في المشاركة ضمن الأنشطة الاجتماعية، ويمكن أن تؤدي هذه التحديات إلى الشعور بالعزلة ونقص الدعم الاجتماعي ، مما يؤثر سلباً على الصحة العقلية والرفاهية العامة ، ويتطلب تحسين الرابط بين الإعاقة والعلاقات الاجتماعية تعزيز الوعي والتعاطف وفهم التجارب ووجهات النظر المتنوعة ، وإنشاء مساحات شاملة وتعزيز الفرص للتفاعلات الاجتماعية الهادفة يمكن أن يساعد في سد الانقسامات وتنمية العلاقات الداعمة بين الأشخاص ذوي الإعاقة وأقرانهم.
تمكين النساء ذوات الإعاقة :
غالباً ما تواجه النساء ذوات الإعاقة أشكالاً متداخلة من التمييز ويكن أكثر عرضة للإقصاء الاجتماعي مقارنة بنظرائهن من الرجال، وقد يواجهن الحواجز التي تتعلق بعدم المساواة بين الجنسين، والتمييز بين الأشخاص ذوي الإعاقة، والمفاهيم الاجتماعية الخاطئة حول الإعاقة، والتي يمكن أن تحد من فرصهن في التعليم والتوظف والمشاركة في عمليات صنع القرار.
ويتطلب تمكين النساء ذوات الهمم معالجة هذه الأشكال المتداخلة من التمييز من خلال سياسات وبرامج تراعي النوع الاجتماعي وجهود المناصرة وإن توفير فرص الحصول على التعليم والتدريب المهني والفرص الاقتصادية يمكن أن يعزز الاستقلال الذاتي وتقرير المصير للنساء ذوات الإعاقة ، وتمكينهن من تطوير إمكاناتهن والمساهمة في التغيير الاجتماعي، علاوة على ذلك فإن تعزيز فرص القيادة والاستماع إلى أصوات النساء ذوات الإعاقة في صنع السياسات ومبادرات الدعوة يمكن أن يساعد في تحدي الصور النمطية وتعزيز المساواة بين الجنسين والدمج الاجتماعي.
المساواة والعدالة الاجتماعية :
يتطلب تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة معالجة الحواجز النظامية، وتحدي الممارسات التمييزية ، وتعزيز السياسات الشاملة التي تدعم حقوق جميع الأفراد وكرامتهم ، ويشمل ذلك الدعوة إلى توفير بيئات يسهل الوصول إليها ، والتعليم الشامل ، وفرص العمل ، وخدمات الرعاية الصحية التي تلبي الاحتياجات المتنوعة وتعزز المشاركة الكاملة في المجتمع بالإضافة إلى ذلك يعد تعزيز الوعي والتعاطف وفهم حقوق وتجارب الأشخاص ذوي الهمم أمراً ضرورياً لتحدي التمييز بين الأشخاص ذوي الهمم وتعزيز ثقافة الشمولية والاحترام إذ يتطلب التمسك بمبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية العمل الجماعي والتعاون عبر مختلف القطاعات بما في ذلك الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لتفكيك أوجه عدم المساواة المنهجية وإنشاء مجتمع أكثر إنصافاً وشمولاً للأشخاص ذوي الإعاقة. (الجبوري 2016)
استراتيجيات لمواجهة التحديات الاجتماعية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة:
تتطلب مواجهة التحديات المبينة أعلاه اتباع نهج متعدد الأوجه يشمل مختلف أصحاب المصلحة على مختلف مستويات المجتمع، وتشمل بعض الاستراتيجيات لمواجهة هذه التحديات ما يلي:
شبكات الدعم الاجتماعي:
يعد بناء شبكات دعم اجتماعي قوية وخدمات مجتمعية أمراً بالغ الأهمية لمعالجة العزلة الاجتماعية وتعزيز الصحة العقلية وتعزيز رفاهية الأشخاص ذوي الإعاقة، فيمكن لمجموعات الدعم، وبرامج الإرشاد، والأنشطة الترفيهية أن توفر فرصاً للتواصل الاجتماعي وبناء المهارات والتمكين.
النُّهج المتداخلة:
يعد الاعتراف بالهويات والتجارب المتقاطعة للأفراد ذوي الهمم، مثل الجنس والعرق والوضع الاجتماعي والاقتصادي، أمراً ضرورياً لمعالجة التحديات الفردية وتعزيز الحلول الشاملة، حيث يمكن للنهج المتداخلة للمناصرة، وتطوير السياسات وتوفير الخدمات أن يساعد في معالجة أشكال التمييز المتعددة وضمان عدم تخلف أحد عن الركب.
التعاون والشراكة:
تتطلب مواجهة التحديات التي يوجهها الأشخاص ذوو الإعاقة التعاون والشراكة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والشركات والأوساط الأكاديمية والأفراد ذوي الإعاقة أنفسهم، ومن خلال العمل معاً، يمكن لأصحاب المصلحة الاستفادة من الموارد والخبرات والشبكات لأحداث تغيير منهجي وبناء مجتمع أكثر شمولاً وانصافاً للجميع. (الخوري 2019)
الإصلاحات التشريعية والسياسية:
من خلال سَنِّ وإنفاذ القوانين والسياسيات التي تحمي حقوق الأفراد ذوي الهمم وتعزز دمجهم في جميع جوانب المجتمع، ويشمل ذلك تشريعات مكافحة التمييز، ومعايير إمكانية الوصول، وسياسيات العمل الإيجابي لضمان المساواة في الوصول إلى التعليم والتوظيف والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية الأخرى.
التعليم والتوعية:
يعد تعزيز الوعي وفهم حقوق وتجارب الأشخاص ذوي الإعاقة أمراً ضرورياً لتحدي الصور النمطية، والحد من الوصمة وتعزيز المواقف الشاملة في المجتمع حيث يمكن للمبادرات التعليمية في المدارس وأمان العمل والمجتمعات أن تساعد في رفع مستوى الوعي حول التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة وتعزيز التعاطف والشمولية.
البنية التحتية والخدمات التي يمكن الوصول إليها:
يعد الاستثمار في البنية التحتية والخدمات التي يمكن الوصول إليها مثل النقل والأماكن العامة ومرافق الرعاية الصحية وتقنيات الاتصالات، أمراً بالغ الأهمية لضمان المساواة في الوصول والمشاركة للأفراد ذوي الهمم، ويشمل ذلك توفير أماكن الإقامة والتقنيات المساعدة وخيمات الدعم لتلبية الاحتياجات المتنوعة وإزالة العوائق التي تحول دون الدمج الاجتماعي.
التوظيف والتمكين الاقتصادي:
يعد إنشاء أماكن عمل شاملة وتوفير التدريب المهني وخدمات التوظيف والترتيبات المعقولة أمراً ضرورياً لتمكين الأفراد ذوي الهمم من المشاركة الكاملة ضمن القوى العاملة وتحقيق الاستقلال الاقتصادي فيجب على أصحاب العمل إعطاء الأولوية لمبادرات التنوع والشمول وتقديم الدعم للتقدم الوظيفي وفرص التطوير المهني.
الخاتمة:
رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة ليست مجرد ضرورة أخلاقية فقط ولكنها ضرورية أيضاً لتعزيز مجتمع شامل وعادل فمن خلال معالجة التحديات التي يوجهها الأفراد من ذوي الإعاقة وتعزيز مشاركتهم الكاملة في جميع جوانب الحياة، يمكننا إنشاء مجتمع يقدر التنوع، ويحترم حقوق الإنسان ويعترف بالكرامة المتأصلة وقيمة كل فرد.
وإن الاستثمار في البنية التحتية التي يسهل الوصول إليها، والسياسات الشاملة والخدمات الداعمة لا يعود بالنفع على الأشخاص ذوي الإعاقة فحسب بل على المجتمع ككل، مما يؤدي إلى قدر أكبر من التماسك الاجتماعي، والابتكار، والرفاهية الجماعية.
المراجع
- سلوى الجبوري 2016 تحديات الإعاقة: دراسة نظرية عملية. عمان دار حامد للنشر والتوزيع
- فاروق عبد القادر:2018 أصحاب الهمم في العالم العربي بين الاندماج والاستبعاد: مصر الدار الجامعية
- فايز الخوري: 2019 الاستثمار في القدرات قصص نجاح أصحاب الهمم في مجتمعاتنا الاردن: جامعة البتراء