اختلف العلماء حول حكم الفحص الطبي قبل الزواج، فأوجبه بعضهم ، وكرهه آخرون، وتوسطت طائفة فاستحبته دون وجوب ولعل هذا هو الأنسب .
وفي دراسة أعدها الدكتور عبد الرشيد قاسم من علماء المملكة العربية السعودية- نشرت بموقع الإسلام اليوم- جاء فيها:-
مع تطور الهندسة الوراثية وانتشار الإيدز قامت دعوة قوية لإلزام الناس بالفحص الطبي قبل الزواج وتقديم الاستشارة الوراثية اللازمة للزوجين ، وأخذت بعض الدول العربية مثل سوريا وتونس والمغرب والإمارات والسعودية …الخ بهذه الإجراءات ودعت إليه ، بل إن البعض جعلها أمراً لازماً .
فهناك أمراض وراثية تنتشر في بعض المجتمعات وحامل الجين المعطوب لا يكون مريضاً بالضرورة إنما يحمل المرض وتعاني ذريته ( أو بعض ذريته ) إذا تزوج من امرأة تحمل الجين المعطوب ذاته ، فهناك احتمال أن يصاب ربع الذرية بهذا المرض الوراثي حسب قانون مندل .
وبما أن عدد حاملي هذه الصفة الوراثية المعينة كثيرون في المجتمع فإن احتمال ظهور المرض كبير ، خاصة عند حدوث زواج الأقارب كابن العم وابنة العم وابن الخال وابنة الخال .
وتكمن فائدة الفحص قبل الزواج في الآتي :
- أن المقدمين على الزواج يكونون على علم بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية إن وجدت فتتسع الخيارات في عدم الإنجاب أو عدم إتمام الزواج .
- تقديم النصح للمقبلين على الزواج إذا ما تبين وجود ما يستدعي ذلك بعد استقصاء التاريخ المرضي والفحص السريري، واختلاف رمز الدم .
- أن مرض ( التلاسيميا ) هو المرض الذي ينتشر بشكل واسع وواضح في حوض البحر المتوسط وهو المرض الذي توجد وسائل للوقاية من حدوثه قبل الزواج.
- المحافظة على سلامة الزوجين من الأمراض ، فقد يكون أحدهما مصاباً بمرض يعد معدياً فينقل العدوى إلى زوجه السليم.
- إن عقد الزواج عقد عظيم يبنى على أساس الدوام والاستمرار ، فإذا تبين بعد الزواج أن أحد الزوجين مصاب بمرض فإن هذا قد يكون سبباً في إنهاء الحياة الزوجية لعدم قبول الطرف الآخر به .
- بالفحص الطبي يتأكد كل واحد من الزوجين الخاطبين من مقدرة الطرف الآخر على الإنجاب وعدم وجود العقم ، ويتبين مدى مقدرة الزوج على المعاشرة الزوجية .
- بالفحص الطبي يتم الحد من انتشار الأمراض المعدية والتقليل من ولادة أطفال مشوهين أو معاقين والذين يسببون متاعب لأسرهم ومجتمعاتهم.
أما السلبيات المتوقعة من الفحص فتكمن في :
- إيهام الناس أن إجراء الفحص سيقيهم من الأمراض الوراثية وهذا غير صحيح لأن الفحص لا يبحث في الغالب سوى عن مرضين أو ثلاثة منتشرة في مجتمع معين.
- إيهام الناس أن زواج الأقارب هو السبب المباشر لهذه الأمراض المنتشرة في مجتمعاتنا وهو غير صحيح إطلاقاً .
- قد يحدث تسريب لنتائج الفحص ويتضرر أصحابها لا سيما المرأة فقد يعزف عنها الخطاب إذا علموا أن زواجها لم يتم بغض النظر عن نوع المرض وينشأ عن ذلك المشاكل .
- يجعل هذا الفحص حياة بعض الناس قلقة مكتئبة ويائسة إذا ما تم إعلام الشخص بأنه سيصاب هو أو ذريته بمرض عضال لا شفاء له من الناحية الطبية .
- التكلفة المادية التي يتعذر على البعض الالتزام بها وفي حال إلزام الحكومات
بجعل الفحوص شرطاً للزواج ستزداد المشاكل حدة ، وإخراج شهادات صحية من المستشفيات الحكومية وغيرها أمر غاية في السهولة فيصبح مجرد روتين يعطى مقابل مبلغ من المال.
الحكم الشرعي للفحص قبل الزواج
هل يجوز للدولة أن تلزم كل من يتقدم للزواج بإجراء الفحص الطبي وتجعله شرطاً لإتمام الزواج ؟ أم هو اختياري فقط ؟
اختلف العلماء والباحثون المعاصرون في هذه المسألة ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي :
القول الأول : يجوز لولي الأمر إصدار قانون يلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي بحيث لا يتم الزواج إلا بعد إعطاء شهادة طبية تثبت أنه لائق طبياً وممن قال به:محمد الزحيلي( من علماء سوريا ) وحمداتي شبيهنا ماء العينين ( من علماء المغرب وعضو مجمع الفقه الإسلامي، ومحمد عثمان شبير(أستاذ الفقه في كلية الشريعة- الجامعة الأردنية).
القول الثاني: لا يجوز إجبار أي شــخص لإجراء الاخـتـبار الوراثي ويجوز تشـــجيع الناس ونشـــر الوعي بالوسـائل المختلــفة بأهمــية الاخــتـبار الوراثي وممن قال به: عبـد العـزيــز بن باز، وعبد الكريم زيدان ( أستاذ الشريعة الإسلامية بالجامعات العراقية واليمنية ) ومحمد رأفت عثمان( عميد كلية الشريعة بالأزهر الشريف )