حاورتها اختصاصية النطق واللغة آلاء سيف العطر
هكذا أجابت أم سلطان محمد الأميري عندما تساءلنا عن سر التقدم الذي حقّقه سلطان ذو الخمسة أعوام والمشخص باضطراب طيف التوحد مذ كان في عمر السنتين, حيث يظهر وكأن هذا الطفل يسير في رحلة مليئة بالنجاحات كامتلائها بالتحديات الطبيعية التي قد يواجهها الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد وفقاً لطبيعة الاضطراب التي تحدّ من التواصل والتفاعل الاجتماعي لتكون أم سلطان بطلة هذه الرحلة والحاصلة على شرف خوضها مثالاً للأم المجتهدة و المثابرة إيماناً منها بقدرات ابنها و يقيناً أن الوصول لتحقيق الأحلام يكون على قدر السعي .
من هو سلطان ؟
سلطان محمد الأميري ذو الخمس سنوات, مشخص باضطراب طيف التوحد مذ كان في عمر السنتين يدرس في الروضة الثانية مع أقرانه في المدارس النظامية التابعة لوزارة التربية و التعليم وقد ولِد لأم طموحة جداً بذلت الكثير لتفهم حالة ابنها و تضع يدها الدافئة على احتياجاته التدريبية والتأهيلية ويتميز في المهارات المعرفية اللازمة لعمره الزمني.
لم أتأخر في البحث عن السر وراء اختلاف سلطان
هكذا أوضحت أم سلطان أثناء الحوار إذ قالت: (كان الوضع غريباً في بدايته حيث كان سلطان في عمر السنة والنصف ينزعج من الأصوات العالية بشكل مبالغ وغريب ويضحك بدون سبب ولا يظهر أي محاولة أو استجابة للتواصل البصري معي ولا يحاول اللعب مع أقرانه أو التفاعل معهم ولا يستجيب عند مناداته باسمه وهو ما لفت نظر أفراد العائلة.
لم اتأخر في البحث عن سر الاختلاف الذي أظهره عن إخوته وبدأت بمراجعة الأطباء والاختصاصيين إلى أن تم تشخيص ابني في عمر السنتين باضطراب طيف التوحد وهنا بدأت مشاعري تتحول من الاستغراب والتساؤل إلى مواجهة التحديات والصعوبات التي خضتها تصاعدياً بهدف تشكيل شخصية سلطان ومساعدته على اجتياز الحواجز السلوكية واللغوية والمعرفية التي كانت تعيق تفاعله واندماجه في المجتمع.
سلطان أعاد تنظيم حياتي وأولوياتي
كانت أم سلطان تسير في رحلة مختلفة تماماً عن تلكَ التي خاضتها، كيف لا وهي خريجة الحقوق والإعلام ولكن ما أن اكتشفت تشخيص ابنها باضطراب طيف التوحد حتى بدأت رحلة القراءة والبحث والدراسة حول كل ما يخص هذا الاضطراب العصبي النمائي وقالت:
(بحثت أكثر وقرأت أكثر عن اضطراب طيف التوحد وكنت دائماً حريصة على أن أسأل الاختصاصيين عن أي مستجد يطرأ في هذا المجال وعن أي إعلان عن علاج أو برامج تأهيلية تظهر وفعلاً وجدت فرصة لدراسة التربية الخاصة وفهمت أكثر عن اطراب طيف التوحد) الأمر الذي مكّنها من الإلمام بالبرامج والجلسات التأهيلية التي تلقّاها سلطان في المراكز مؤكدة أن كل مهارة كان يتعلمها سلطان مهما كانت بسيطة فكّرت مباشرة كيف ستجعله يعممها ويمارسها خارج نطاق الجلسة ومع أفراد العائلة والمجتمع.
لا شك أن هذا المجهود الذهني و النفسي و البدني قد أثّر بشكل أو بآخر على رعايتها و اهتمامها ببقية أبنائها ولكنها أعادت تنظيم أولوياتها كأمٍّ ونجحت في إشراك إخوته بما تقدمه له وقالت : ( كانت هناك أيام صعبة جداً لم أعرف فيها كيف أتصرف أو حتى أنظم حياتي ومسؤولياتي مع الوضع الجديد واكتشاف حالة ابني سلطان الأمر الذي أثّر على مسؤولياتي كأمٍّ و زوجة، لكن مع مرور الزمن، بدأت استوعب الوضع أكثر وشرعت بترتيب أولوياتي، كما شرحت تشخيص سلطان لأخوته ببساطة تناسب أعمارهم و أشركتهم في نظامه العلاجي بعدَ أن ظهر لديهم إحساس الغيرة قليلاً بسبب اهتمامي المبالغ به وهو ما ساعدني كثيراً في تجاوز هذا التحدي وخلق عالم من الألفة و الانسجام بين سلطان وأخوته، وكنت حريصة على أن يتقبل الجميع حالة سلطان )
طبّقت كل ما تعلمته وكنت مؤمنة بدور المنزل بالتوازي مع المراكز التأهيلية
واصلت أم سلطان الحديث قائلة: (كنت مؤمنة دائماً بقدرات ولدي وقدرتي على أن أخرج به إلى العالم بكل ثقة ودون الخوف من أي رفض صادرٍ عنه أو عن المجتمع، وكنت حريصة على اصطحابه معي إلى كل مكان رغم صعوبة الأمر، كما كنت مُصرَّة على تقدّم ابني لأنني على قناعة أن الجلسات التأهيلية وحدها لا تكفي لتقدّمه وأنه بحاجة لتطبيق ما يتعلمه في الجلسات خلال روتينه اليومي وفي المواقف الاجتماعية الحيّة فطبّقت كل ما تعلمته ودرسته وكنت مؤمنة بدور المنزل والأسرة).
أنا حريصة جداً أن يتقبّل المعلم ابني قبل أن يخطّط للدراسة معه
في رحلتها التأهيلية التي بدأت منذ اكتشاف حالة سلطان، بدأت الأم رحلتها مع المراكز التأهيلية التخصصية التي تُعنى بالتأهيل التواصلي والمعرفي والسلوكي ووضعت يدها بيد الاختصاصيين الذين يقدمون الخدمات لابنها بحيث تحول المهارات التي يتلقاها إلى مهام وأنشطة خلال روتينه اليومي.
وأكدت أن التحدي الأكبر بالنسبة إليها كان في عدم قدرة الابن على التعبير عن احتياجاته و عدم قدرتها كأم على فهم هذه الاحتياجات أو حتى معرفة سبب حزنه أو فرحه الأمر الذي دفعها للالتزام بالبرامج العلاجية التي وضعها اختصاصيو النطق و اللغة بشكل كامل و مستمر و لكن كانت النتيجة بطيئة وغير مرضية وظلّ التحدي قائماً حتى أكمل سلطان عامه الرابع عندما بدء يتكلم ويتفاعل معها ومع أقرانه بشكل ملحوظ وغير مسبوق ثم في عمر الخمس سنوات بدء يتكلم بطلاقة لافتة ويتفاعل بشكل أكبر في مواقف مختلفة وهو ما ظهر خلال مقابلته للقبول في الروضة التي رفضته سابقاً بسبب التحديات التي واجهته، وقد أكد الاختصاصيون هذه المرة أن مهاراته المعرفية واللغوية تتجاوز مهارات الأطفال من نفس عمره.
وأضافت: (لم يكن قبول ولدي في الروضة التي سبق أن رُفِضَ فيها كافياً بالنسبة لي ولكنني حرصت كل الحرص على التأكد من تقبّل فريق العمل في الروضة لحالته ومدى استعدادهم لتقديم الدعم اللازم في حالة احتياجه وهذا ما ساعدني في نجاح عملية الدمج)
في الختام، أكدت “نورة رئيسي” والدة الطفل سلطان أن ابنها يسير الآن في الطريق المناسب له كطفل في الخامسة من عمره وضمن الخطة التي وضعتها وأنها لازالت تطمح باستمرارية تقدّم ابنها والوصول إلى إتمام المرحلة الثانوية ثم الجامعة كأقرانه من نفس العمر.
آلاء سيف العطر
اختصاصية نطق و لغة
مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية – فرع خورفكان