بقلم محمد زكريا النابلسي
من وقت إلى آخر تحاول السينما الهوليودية وضع التصورات الإيجابية لتعزيز عملية دمج الأشخاص ذوي الإعاقة، حتى وإن كانت الصورة غير واقعية، ومن هذه الأفلام يُعد فيلم “جيجي ونيت” من الأعمال السينمائية التي تناولت زاوية مختلفة من حياة الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية وقد استطاع الفيلم المزج بين المواقف الكوميدية والدرامية في محاولة لرسم صورة إنسانية وصادقة وملهمة، لبطل الحكاية نيت والذي قام بدوره الممثل شارلي روي، تناول الفيلم قصة شاب تغيرت حياته جذرياً بعد إصابته بالشلل الرباعي، في التعامل مع اختيار قردة تُدعى “جيجي” كحيوان مساعدة.
اقرا ايضا: فيلم Infinitely Polar Bear
الفيلم الذي كتبه ديفيد هادجينز وأخرجه نيك هام، يتكوّن من فريق عمل يتضمن مجموعة من المواهب التي أدّت دورها بكل واقعية وحساسية، مما ساهم في نقل المشاهد إلى عالم من الأحاسيس المتباينة، حيث يقف المخرج نيك هام وراء رؤية الفيلم الفنية، من خلال توظيفه لتقنيات التصوير والموسيقى التصويرية لخلق أجواء تعبّر عن التناقض بين الألم والأمل. أما النص السينمائي فهو من تأليف ديفيد هادجينز الذي نجح في كتابة حوار يجمع بين البساطة والعمق، مما سمح للشخصيات بالتعبير عن تحدياتها الداخلية بطريقة مؤثرة.
كما يضم الفيلم نخبة من الممثلين مثل زوي مارجريت كوليتي، ومارسيا جاي هاردن، وتشارلي رو، وجوزفين لانجفورد، وجيمس بيلوشي وديان لاد وغيرهم. قدم هؤلاء الممثلون أداءً متكاملاً نقل المشاعر المعقدة والتحديات التي تواجه الشخصية الرئيسية، مما أضفى عمقاً إنسانياً ساعد في جعل رحلة البطل أكثر واقعية وإلهاماً، وإن كانت الصورة الساذجة والمألوفة عن السينما الأمريكية، وتعاملها مع القضايا الإنسانية بمنطق المنتصر.
من جهة أخرى فقد لعبت القردة “جيجي” دوراً محورياً في الفيلم، ليس فقط كعنصر كوميدي، بل كرمز للأمل والتجدد، فقد كانت نقطة تحول في حياة البطل، إذ عملت على إضفاء لمسة من التفاؤل والتغيير في أجواء محاطة بالمعاناة. تساهم تفاعلاته مع الشخصية الرئيسية في تخفيف وطأة الألم وإدخال لمسات من الفكاهة التي تعيد البريق إلى الحياة رغم الظروف الصعبة.
القردة “جيجي” تنتمي إلى نوع الكابوشين، المعروفة بذكائها وتفاعلها الحيوي مع البشر. ورغم أن الفيلم يؤخذ عليه عدم تعمقه في التفاصيل الفنية حول عملية تدريبها أو خلفيتها، إلا أن طرح خيار الحيوانات المختلفة كحيوانات مساعدة هي من الخيارات التي يحتاجها الأشخاص ذوو الإعاقة بشكل فاعل.
وإن كان هذا الخيار ليس خياراً متاحاً للجميع لا في الولايات المتحدة الأمريكية ولا في دول أخرى، فالطبقة الاجتماعية والوفرة المالية التي كانت لدى عائلة بطل الفيلم، أتاحت لهم رفاهية الحصول على خيارات مختلفة من ضمنها خيار اقتناء القردة جيجي كحيوان مساعدة. حيث يُظهر الفيلم كيف يمكن أن يُساهم توافر الموارد المالية في تحسين فرص الحصول على الرعاية المتطورة والعلاجات المتخصصة. وهذا بدوره يطرح تساؤلاً حول مدى إمكانية تطبيق مثل هذه الحلول على نطاق أوسع، حيث إن الكثير من الأسر قد لا تملك الإمكانيات المالية اللازمة لتأمين مثل هذه الخدمات.
في الواقع، قد يكون الوضع مختلفاً بالنسبة للعائلات ذات الموارد المحدودة؛ فتكاليف العلاج وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة قد يكون عائقاً كبيراً، يحول دون الوصول إلى حلول علاجية وتأهيلية، فالعائلة عندما واجهت منظمات لحقوق الحيوانات استطاعت ببساطة أن تنتقل إلى ولاية أمريكية أخرى حيث تتيح قوانينها الاحتفاظ بالقردة جيجي كحيوان مساعدة.
ولا شك أن الواقع العربي قد يكون مختلفاً، ولكن لا بد من تعزيز الوعي بدور الدعم الحكومي والمؤسسي لتقديم حلول علاجية متكاملة تعزز من فرص التعافي لجميع الفئات بغض النظر عن وضعها الاقتصادي، وقبول واقع التطور المتزايد لمجال العلاج بمساعدة الحيوانات، مما يبرز أهمية دعم المؤسسات الرسمية لتوسيع نطاق هذه البرامج، وضرورة لعبها دوراً محورياً في دعم هذا النوع من البرامج وتمويلها وتوفير الإطار التنظيمي المناسب لها. بهدف جعلها متاحة لفئات أوسع من المجتمع، وخاصة للأسر ذات الموارد المحدودة.
ولا شك أن نجاح مثل هذه البرامج يتطلب تعاوناً مشتركاً بين القطاعين العام والخاص، حيث يمكن للجهات الرسمية توفير الدعم المالي والتنظيمي، فيما يُسهم القطاع الخاص والمراكز العلاجية في تطبيق البرامج على أرض الواقع.
وعلى الرغم من سذاجة الطرح في تعامل الأسرة مع إصابة ولدهم بالشلل الرباعي، والحلول السهلة لتجاوز هذا التحول الرئيسي في حياة شاب كان يتطلع للبدء بحياته، ولكن غم ذلك يظل فيلم “جيجي ونيت” عملاً سينمائياً يطرح دور الدوائر المختلفة حول الأشخاص ذوي الإعاقة، منها الأسرة وأهمية الدعم الاجتماعي الذي تقدمه لأبنائها من ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى الخيار النوعي بوجود حيوانات مساعدة.
وفي دراسة نشرتها مجلة Frontiers in Psychology قامت بها الباحثة ادريا بيتز رئيسة قسم التعليم في جامعة روستك الألمانية، تؤكد فيها أن برامج العلاج بمساعدة الحيوانات تُحدث تغييرات إيجابية على الصعيد النفسي والجسدي للأشخاص ذوي الإعاقة، مما يبرز الدور الفعّال لهذه البرامج في تحقيق نتائج علاجية متكاملة، وأن التفاعل مع الحيوانات المساعدة له تأثير إيجابي متعدد الأبعاد على تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ يُسهم في تحسين الصحة النفسية والجسدية بشكل ملحوظ. فهو يعمل على زيادة إفراز هرمون الأوكسيتوسين، الذي يلعب دورًا محورياً في تقليل مستويات التوتر والقلق وتحسين المزاج العام، كما يُوفر بيئة داعمة وغير قضائية تعزز من ثقة الفرد بنفسه. بالإضافة إلى ذلك، يُشجع وجود الحيوانات على المشاركة في أنشطة بدنية مثل المشي والتمارين، مما يُحسن من القوة العضلية والتوازن ويسهم في تسهيل عملية التأهيل البدني. كما يُعتبر التفاعل مع الحيوانات عاملاً محفزًا للتواصل الاجتماعي وتطوير المهارات الاجتماعية، حيث يُساهم في تقليل الشعور بالعزلة وتحسين الأداء الإدراكي مثل الذاكرة والانتباه.

• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”