إعداد الممرضة أسماء حسن المرسي
وحدة التمريض في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
الصرع هو اضطراب عصبي مزمن يسبب نوبات متكررة بسبب نشاط كهربائي غير طبيعي في الدماغ. وعلى الرغم من أن الأدوية هي العلاج الأساسي، إلا أن بعض المرضى لا يستجيبون لها بالقدر الكافي، مما يجعلهم يبحثون عن حلول بديلة، مثل النظام الغذائي الكيتوني (الحمية الكيتونية).
الحمية الكيتونية ليست مجرد نظام لإنقاص الوزن، بل هي أسلوب غذائي يُستخدم منذ أكثر من 100 عام لعلاج الصرع، خاصة عند الأطفال الذين لا تستجيب حالاتهم للأدوية. ويعتمد النظام على تقليل الكربوهيدرات إلى حد بعيد وزيادة الدهون، مما يدفع الجسم إلى حالة تُعرف بـ “الكيتوزية”، حيث يبدأ في استخدام الدهون كمصدر أساسي للطاقة عوضاً عن الجلوكوز.
كيف تساعد الحمية الكيتونية مرضى الصرع؟
هناك عدة نظريات حول سبب تأثير الحمية الكيتونية على تقليل النوبات، ومن أبرزها:
- إنتاج الكيتونات: عندما يقل استهلاك الكربوهيدرات، يُنتج الجسم الكيتونات كمصدر بديل للطاقة، ويُعتقد أن هذه الكيتونات تُساعد على تهدئة نشاط الدماغ غير الطبيعي.
- تعديل الناقلات العصبية: يُعتقد أن النظام الغذائي يؤثر في توازن المواد الكيميائية داخل الدماغ مثل الغلوتامات و GABAمما يُساعد على تقليل النشاط العصبي الزائد.
- تحسين صحة الخلايا العصبية: النظام الغذائي يعزز من كفاءة الميتوكوندريا، وهي المسؤولة عن إنتاج الطاقة داخل الخلايا العصبية.
- تقليل الالتهابات العصبية: هناك دراسات تشير إلى أن الحمية الكيتونية قد تقلل من الالتهابات في الدماغ، مما قد يُساهم في تقليل النوبات.
مدى فعالية الحمية الكيتونية في علاج الصرع
تشير الأبحاث إلى أن هذا النظام قد يكون فعالًا خاصة للأطفال الذين يعانون الصرع المقاوم للأدوية. وفقاً لدراسات نشرت في Epilepsy & Behavior حوالي 50% من الأطفال الذين جربوا الحمية الكيتونية لاحظوا انخفاضاً في النوبات بنسبة 50% أو أكثر، بينما 10-15% منهم لم يعانوا أي نوبات على الإطلاق. أما بالنسبة للبالغين، فقد يكون تأثيره أقل وضوحاً، لكن لا يزال هناك مرضى وجدوا تحسناً ملحوظاً عند اتباعه. يُعتقد أن السبب وراء ذلك هو أن أدمغة الأطفال أكثر قدرة على التكيف مع مصادر الطاقة البديلة مقارنة بالبالغين.
فوائد أخرى للحمية الكيتونية بالنسبة لمرضى الصرع
إلى جانب تقليل النوبات، يمكن أن يكون للحمية الكيتونية فوائد أخرى، مثل:
- تحسين التركيز والإدراك: بعض المرضى، خاصة الأطفال، لاحظوا تحسناً في قدراتهم الذهنية والانتباه، مما قد يكون مرتبطاً بتأثير الكيتونات على الدماغ.
- تقليل الحاجة إلى الأدوية: في بعض الحالات، يمكن تقليل جرعات أدوية الصرع مع – استمرار النظام الغذائي، مما يُقلل من آثارها الجانبية.
- تحسين الصحة العامة: تساعد على تنظيم مستويات السكر في الدم وتقليل الالتهابات المزمنة، مما يعود بالفائدة على صحة المريض بشكل عام .
المخاطر والآثار الجانبية
على الرغم من فوائدها، إلا أن الحمية الكيتونية قد تسبب بعض المشكلات، خاصة في البداية، ومنها:
- إنفلونزا الكيتو: بعض الأشخاص يعانون الصداع، التعب، الغثيان، والإمساك خلال الأيام الأولى من التحول إلى هذا النظام، ولكن هذه الأعراض مؤقتة.
- نقص بعض الفيتامينات والمعادن: بسبب تقييد بعض الأطعمة، قد يحدث نقص في الكالسيوم، المغنيسيوم، فيتامين د، وحمض الفوليك، مما يستدعي تناول مكملات غذائية.
- خطر تكوّن حصوات الكلى: نظراً لارتفاع نسبة الدهون والبروتينات، قد يزيد هذا النظام من خطر الإصابة بحصوات الكلى، خاصة إذا لم تُشْرَب كميات كافية من الماء.
- مشاكل هضمية مثل الإمساك أو الإسهال، نتيجة التغير المفاجئ في نمط الأكل.
نصائح لمن يرغبون في تجربة الحمية الكيتونية
إذا كنت تفكر في تجربة الحمية الكيتونية للتحكم في الصرع، فمن الأفضل اتباع بعض الإرشادات:
- استشارة الطبيب واختصاصي التغذية: لا ينبغي اتباع هذا النظام دون إشراف طبي، لأنه قد لا يكون مناسباً للجميع.
- المتابعة المنتظمة: يجب إجراء فحوصات دورية للتأكد من عدم حدوث أي نقص غذائي أو آثار جانبية .
- شرب كميات كافية من الماء: للحد من خطر الإصابة بحصوات الكلى والتقليل من أعراض إنفلونزا الكيتو.
- التدرج في تطبيقها: عوضاً عن التغيير المفاجئ، يُفضل تقليل الكربوهيدرات تدريجيًا لمنح الجسم فرصة للتكيف.
- تنويع مصادر الدهون: يجب الاعتماد على الدهون الصحية مثل زيت الزيتون والمكسرات والأفوكادو، وليس فقط الدهون المشبعة.
الخاتمة
تعد الحمية الكيتونية خياراً واعدًا للمرضى الذين يعانون نوبات الصرع المقاومة للأدوية، لكنه ليس حلاً جذرياً، بل يحتاج إلى إشراف طبي مستمر لضمان تحقيق أقصى فائدة بأقل مخاطر. وعلى الرغم من أن بعض المرضى حققوا نتائج إيجابية ملحوظة، إلا أنه قد لا يكون مناسباً للجميع. في نهاية الأمر، تظل الحمية الكيتونية أداة إضافية يمكن دمجها ضمن الخطة العلاجية لتحسين جودة حياة مرضى الصرع.
المصادر:
- Epilepsy NL. (n.d.). Nutrition and epilepsy. Retrieved March 17, 2025, from https://epilepsynl.com/nutrition-and-epilepsy/
- Borowicz-Reutt, K., Krawczyk, M., & Czernia, J. (2024). Ketogenic Diet in the Treatment of Epilepsy. Nutrients, 16(9), 1258. https://doi.org/10.3390/nu16091258
- Epilepsy Foundation Australia. (n.d.). Dietary management in epilepsy: Supporting children. Retrieved March 17, 2025, from https://epilepsyfoundation.org.au/managing-epilepsy/children-and-epilepsy/dietary-management/
- Mishra, P., Singh, S. C., & Ramadass, B. (2024). Drug resistant epilepsy and ketogenic diet: A narrative review of mechanisms of action. World Neurosurgery: X, 22, 100328. https://doi.org/10.1016/j.wnsx.2024.100328