يحتل اللعب دوراً كبيراً وهاماً في حياة الأشخاص المعاقين ذهنياً ويعتبر وسيلة هامة في تحسين ظروف الإعاقة وتعديل بعض السلوكيات غير المرغوبة لديهم ويساعدهم اللعب على التعلم الذاتي من خلال المحاولة واللمس والاستكشاف.
يكون الإنسان إنساناً حين يلعب (شيلر)، واللعب كالفن وهو النشاط الوحيد الذي لا يهدف الإنسان حين يمارسه إلى شيء محدد سوى المتعة، وهو سرور وارتياح بدون هدف.
هذه العبارات التي نطق بها فلاسفة وعلماء نفس تشير بقوة إلى المنشأ الغريزي للعب، وأن الغريزة تتضمن الضرورة.
لقد بدأ الاهتمام باللعب كوسيلة تعليمية ناجعة منذ (أفلاطون وأرسطو) اللذين أكدا أن لعب الأطفال يرسم صورة الإنسان عندما ينضج، و(فروبل) الذي أكد في القرن الثامن عشر أهمية اللعب في تعلم الطفل.
وأشار (فرويد) إلى لعب الأطفال الذي يستمد من واقع عالم الكبار، وأنهم بواسطة اللعب يصبحون قادرين على فعل ما يفعله الكبار، ويكون اللعب هو وسيلة للتعبير عن خبراتهم المؤلمة والسعيدة.
وهناك نظريات نفسية كثيرة اهتمت باللعب كوسيلة تعليم وتشخيص وعلاج مثل (الجشطالت) ونظرية بياجيه ونظرية اللعب الاجتماعي وغيرها، ويمكن القول إن الاهتمام بأسلوب العلاج باللعب بدأ منذ أكثر من سبعين عاماً.
ماهية اللعب
اتفق مختلف العلماء على أن اللعب يعتبر وسيلة هامة في تعليم الأطفال مهارات الحياة، واتفقوا أيضاً على أن اللعب وسيلة تشخيصية وعلاجية لمشاكل الأطفال السلوكية.
وتعتبر «فرجينيا اكسلين» أن اللعب يساعد على تخفيض الشعور السلبي ونمو الشعور الايجابي نحو الذات والآخرين، وأكدت أن الطفل يتحول إلى فرد أكثر اكتمالاً وتوافقاً وتحرراً وتلقائية من خلال جلسات العلاج باللعب.
نظريات تفسر اللعب
- الطاقة الزائدة: حيث أن اللعب هو تنفيس للطاقة الزائدة لدى الطفل وهو يحول هذه الطاقة إلى سلوك ايجابي مفيد وبناء.
- الغريزية: اللعب يستند إلى أساس غريزي، واللعب الموجه يدرب ويهذب النشاط الغريزي لديه كما في غريزة القتال والعدوان.
- التلخيص: الطفل من خلال لعبه يلخص تاريخ الجنس البشري، فهو يبني ويسبح ويصطاد ويتسلق الأشجار وبذلك فهو يلخص ما فعله الأجداد.
- تجديد النشاط: فهو ضرورة للترفيه والتخلص من التوتر والاجهاد الناتج عن ضغوط العمل.
فوائد اللعب
- يساعد كثيراً في نمو الطفل من النواحي الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية والانفعالية، فهو يساعد على تقوية العضلات، وإطلاق الطاقات الكامنة، وتنظيم المعايير الاجتماعية ويعلم النظام والتعاون والقدرة على القيادة واتخاذ القرار والمشاركة والتفاوض وحل النزاعات ومهارات الدفاع الذاتية.
- يساعدهم على استكشاف العالم الذي يستطيعون السيطرة عليه ويتغلبون على مخاوفهم عندما يقلدون أدوار الكبار.
- يساهم في بناء الثقة بالنفس.
- يحرر الأطفال من الضغوط والالتزامات والقيود والقواعد ويخفف من الصراعات الداخلية مثل التوتر والاحباط.
- اللعب يساهم بشكل كبير في تنمية حواس الأطفال مثل اللمس والاستكشاف عن طريق تكرار الأفعال التي تصدر عنها نتائج، واستدعاء الصور الذهنية التي تمثل أحداث وخبرات ـ إن مرت بهم ـ في استخدام المهارات اللغوية.
- يساهم اللعب في تنمية القدرة على الابتكار والإبداع، وهناك إشارات دالة على أن الأطفال المبتكرون هم الذين يلعبون أكثر ويفكرون أثناء اللعب.
- يعمل اللعب على إشباع بعض الحاجات لدى الطفل مثل حب التملك.
- يساعد اللعب كثيراً في تشخيص وعلاج الكثير من المشاكل السلوكية.
العلاج باللعب
تعرف الجمعية الأمريكية العلاج باللعب بأنه الاستخدام المنظم لنموذج نظري يساعد على تأسيس عملية شخصية يقوم فيها معالجون مدربون باستخدام القوة العلاجية للعب لمساعدة المسترشدين على الوقاية أو حل بعض الصعوبات النفسية والاجتماعية وتحقيق نمو وتطور مثالي.
والعلاج باللعب يستند على أساس مفاده أن اللعب هو وسط الطفل الطبيعي للتعبير عن ذاته وهو فرصة كبيرة تعطى للطفل ليعبر عن مشاعره ومشاكله بالأداء.
قواعد نظرية للعب
- التحقيق والانجاز: البشر مدفوعون فطرياً لتطوير طاقات صحية وبناءة، فكل شخص يميل لأن يحقق امكانياته الداخلية ويتضمن ذلك الابداع والفضول والرغبة في أن يصبح فعالاً ومستقلاً ذاتياً.
- الحاجة إلى التقدير الايجابي: الناس يحتاجون إلى الاحترام والقبول من الآخرين وعلاقات دافئة فيما بينهم، وتتحول هذه الحاجة إلى ثانوية متعلّمة لتقدير ذاتي ايجابي.
- التواصل: اللعب وسيلة فعالة للتواصل لدى الأطفال، وهو صيغة يستخدمها الأطفال لإرسال عواطفهم وأفكارهم وقيمهم وتصوراتهم.
اللعب والإعاقة الذهنية
يحتل اللعب دوراً كبيراً وهاماً في حياة الأشخاص المعاقين ذهنياً ويعتبر وسيلة هامة في تحسين ظروف الإعاقة وتعديل بعض السلوكيات غير المرغوبة لديهم، ويساعدهم اللعب على التعلم الذاتي من خلال المحاولة واللمس والاستكشاف.
وتتوفر فرص كثيرة للمعاق ذهنياً لتعلمه المهارات المختلفة وعن طريق عدة أنواع من اللعب منها:
-
اللعب مع الآخرين، حيث يبدأ الطفل اللعب مع والديه ويتعلم الكثير بهذه الطريقة مثل التعاون والنظام، ثم ينتقل إلى اللعب بمفرده بما يتوفر له من ألعاب ويعلم نفسه بنفسه ليصبح قادراً ومهيئاً للعب مع أقرانه ويكون صداقات ويتعاون معهم ويتصرف بصورة اجتماعية.
-
اللعب الملموس بالأشياء: بهذه الطريقة يتعلم الطفل المعاق ذهنياً التمييز بين الأشياء ويتعرف على أنواعها وخصائصها باستكشافها، ويتمكن من تمييز ملمسها ومذاقها والأصوات الصادرة عنها.
وتلعب الصدفة أثناء اللعب دوراً كبيرا في اكتشاف الأشياء وتعلم المهارات، فقد يضرب الطفل لعبة ما فتصدر صوتاً معينا، وقد تسقط المكعبات عندما يشكل منها برجاً، وقد تنكسر بعض الأشياء بعد رميها، وتذهب الكرة بعيداً عند ركلها..، كل هذا يعلم الطفل المعاق ذهنياً الربط بين السبب والنتيجة.
وهناك ألعاب كثيرة تساهم في تطور المهارات لدى الطفل المعاق ذهنياً مثل رمي الكرة والتقاطها بذلك ينمي التناسق الحسي البصري، كذلك اللعب بالرمل والصلصال الذي يعمل على تنمية حاسة اللمس وتقدير الكميات والأحجام.
-
اللعب التخيلي: يساعد على تنمية العديد من المهارات كالمهارات الاجتماعية بتقليد الأدوار وتمثيل المواقف وتطبيقها على الألعاب.
وجميع الألعاب تنمي المهارات اللغوية لدى الطفل المعاق ذهنياً حين يتحدث إلى ألعابه وأقرانه.
ويتعلم الطفل الترميز واستبدال أشياء بأخرى مثل مكعب بدل كوب الشاي أو علبة بدل قلم…
ويستطيع الطفل باللعب التخيلي أن يفرغ انفعالاته، ويستطيع التعبير عن مخاوفه وهواجسه من المواقف مثل تمثيل دور الطبيب على ألعابه.
-
اللعب البدني: والذي يطور بدوره صحة الطفل البدنية وسلامة نمو جسمه، وتتطور قدراته على التنسيق، وتتحقق المتعة لديه وتتطور مهاراته الاجتماعية من خلال اللعب مع الفريق.
من خلال ما سبق نجد أن اللعب هو سلوك فطري ضروري و ايجابي يجب تعزيزه وتطويره وتوجيهه ليتحول إلى مواقف تعليمية قد تكون بديلة احيانا لأساليب تعلم أخرى غير مجدية وخاصة للأطفال المعاقين ذهنياً.
وعلينا الانتباه إلى أن منع الطفل المعاق ذهنياً من اللعب ومحاولة إلزامه بأسلوب معين من التعلم هو بمثابة شحن وكبت يؤديان إلى مشاكل نفسية وسلوكية للطفل قد يصعب حلها فيما بعد.
ولنجعل اللعب ذا فائدة في عملنا معهم و نستنبط منه خططنا التربوية والسلوكية ونتعرف من خلاله على دوافع السلوك لدى الأطفال عن طريق الملاحظة.