هناك مجموعة من الحقائق حول متلازمة داون ينبغي الإحاطة بها لمعرفة أساليب التعامل السليم والصحيح مع أصحابها وذويهم وتجنب المفاهيم المغلوطة والأحكام المسبقة والخرافات التي لا أساس لها من الصحة.
في طليعة هذه الحقائق السبب الرئيسي لحدوث هذه المتلازمة وهو وجود ثلاثة صبغيات (كروموسومات) في المجموعة رقم21 في الخلية التي هي الوحدة الاولية في بنيان الجسم وتشبه الذرة بالنسبة للمادة، وفي حالة المتلازمة يصبح مجموع الصبغيات (الكروموسومات) في الخلية47 صبغياً (كروموسوماً) بدلاً من46 صبغياً (كروموسوماً) ولهذا السبب تم اختيار يوم 21 مارس من كل عام ليكون اليوم العالمي لمتلازمة داون، ومن هنا أيضاً جاء تندر بعض أصحاب هذه المتلازمة من أن وجود صبغي (كروموسوم) إضافي لديهم هو أمر يختصون به دون سواهم وهو ميزة لهم لا عليهم.
وهذه الزيادة في الصبغيات (الكروموسومات) موجودة في كل مكان وتؤثر في كل الأعراق وليست لها جنسية محددة أو لون محدد وهي تحدث مهما كان عمر الوالدين مع أن نسبتها تزداد مع زيادة عمر الأبوين وليس بالضرورة عمر الأم وحدها.
وهناك أعراض جسمانية محددة تميز أصحاب هذه المتلازمة ما يجعل من معرفتهم أمراً سهلاً لعل أبرزها ميلان في العين يشبه ذاك الموجود لدى أهالي الشرق عموماً فكانت التسمية السابقة التي تطلق عليهم هي »الطفل المنغولي« ولكن دولة منغوليا احتجت لدى الأمم المتحدة على هذه التسمية فتم تغييرها منذ سبعينات القرن الماضي إلى الأطفال الذين لديهم متلازمة داون نسبة إلى الطبيب الانجليزي لانغدون داون وهو أول من وصف هذه الحالة سنة 1887.
… ولكن، لأصحاب هذه المتلازمة رأي في التسمية التي لا يعترضون عليها رغم طولها ولكنهم يفضلون أن ينادوا بأسمائهم تأسياً بالحديث النبوي الشريف: »نادوهم بأحب الأسماء إليهم أي نادوهم بأسمائهم التي أطلقها آباؤهم وأمهاتهم عليهم«.
ويزيد هؤلاء أنهم في الغرب يطلقون علينا مسمى »الأطفال السعداء«، لما هو معروف عنهم من حب للمرح والسعادة، وخفة الروح، ورقة الإحساس العاطفي، والوداعة التي يمتازون بها دائماً، وملامح البراءة والطفولة التي ترتسم على وجوههم حتى لو تقدموا في العمر.
ويتميز أصحاب هذه المتلازمة أيضاً بمجموعة من الأعراض الجسمانية المعروفة كصغر حجم الرأس وقصر القامة ودقة ملامح الوجه والعين المنحرفة إلى الأعلى وضخامة حجم اللسان وبروزه وقصر اليدين وضعف العضلات، ولديهم مشكلات خلقية في القلب والمعدة والأمعاء والعمود الفقري فضلاً عن مشكلات السمع، أما الإعاقة الذهنية لديهم فتتفاوت من البسيطة إلى الشديدة ولكن الغالبية تكون محصورة في المتوسطة.
ولا يوجد في الوقت الحالي علاج لهذه الأعراض بسبب عدم القدرة على تغيير الصبغة الوراثية، لكن يمكن التخفيف من المشكلات التي يتعرضون لها، وذلك بتوفير الرعاية الصحية الجيدة والحد من إصابتهم بالعدوى المتكررة وتقوية عضلاتهم بالتمارين الرياضية والعلاج الطبيعي والمهني وتوفير التعليم والتدريب الملائمين في المدارس الخاصة أو العامة وتوفير فرص العمل للبالغين منهم بعد اجتياز مراحل التعليم والتدريب.
إن الأطفال الذين لديهم متلازمة داون بحاجة أولاً إلى الحب والحنان والتقبل من الآخرين،.. بحاجة إلى التشجيع والكلمة الطيبة قبل عبارات الشفقة أو الكلمات الجارحة.. وهم بحاجة إلى المزيد من العناية والاهتمام وهم قادرون على اكتساب المهارات واتقانها إذا تلقوا التعليم والتدريب الملائمين في مراحل عمرية مبكرة.
وهناك بالفعل نماذج كثيرة من أصحاب هذه المتلازمة ومن جنسيات عديدة تميزوا في العديد من المهارات والمجالات قد لا يتسع المجال هنا لذكرها.. ولكن ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ ما رأيكم بندى المزروعي التي تتصدر المنافسات الرياضية وتحرز المزيد من الميداليات الملونة.. أو علاء الزيبق الرياضي والممثل الذي أبهر الملايين بأدائه المؤثر في المسلسل التلفزيوني »وراء الشمس..« هل سمع أحدكم بجوديث سكوت الفنانة المشهورة التي كان لديها متلازمة داون وصمم تام ولكنها عاشت حتى عمر 61 سنة وأبهرت الناس بفنها المتميز حتى أن بعض أعمالها بيعت بأكثر من 15 ألف دولار..
ندى الزرعوني مع زملائها وفرحة بالإنجاز والفوز بالميداليات
كل هؤلاء وغيرهم الكثير نماذج وأمثلة يستطيع كل متمعن فيها أن يدرك أن الإعاقة ليست أبداً نهاية المطاف بل قد تكون البداية لعمل جاد وعطاء متبادل بين الفرد ومجتمعه بين الأسرة وأبنائها أساسها المحبة وقوامها الاحترام ونواتجها عطاء وإبداع لا تحده حدود.