المتطوعون بالطبع هم أساس العمل التطوعي وعماده بهم يزدهر وبهم ينمو ويتطور ولا فكاك بينهما.. وسواء كانت طبيعة هذا العمل التبرع بالمبالغ المالية أو المواد العينية للمساهمة في عمل المؤسسات والجمعيات الأهلية والخيرية أو رفدها بالطاقة البشرية اللازمة من خلال التبرع بالوقت أو الجهد فإن نتائج هذا العمل لا يمكن أن تقاس بأرقام أو تقدر بمال أو أي عرض من أعراض الدنيا..
إذن، ما الذي يمكن أن يجنيه إنسان خصص معظم ثروته للأعمال الخيرية والإنسانية وآخر تبرع بوقته وجهده وفكره للمساهمة بها، وهل يفضل أحدهما الآخر!
بالطبع لا، طالما أن الدافع إلى هذا العمل واحد والاستجابة واحدة ولأن كليهما اندفع إلى هذا العمل طواعية من ذات نفسه وأسهم به دون ضغط أو إكراه، ومما جاء في لسان العرب: (جاء طائعاً غير مكره)، (ولتفعلنه طوعاً أو كرهاً) نعرف أن الفرق كبير جداً بين عمل تجد الحرية المطلقة في القيام به أو تركه وبين عمل يفرض عليك ولا تجد مناصاً من القيام به مهما كانت نظرتك إليه واستعدادك النفسي لأدائه.
أما ما يجنيه المتطوع من عمله بغض النظر عن حجم تبرعه أو مقدار تطوعه أو شكله فقد بينته الآية الكريمة حيث يقول جل من قائل: (فمن تطوع خيراً فهو خير له) وفيها إشارة إلى أن من تطوع لعمل الخير يحصد خيراً لنفسه قبل أن يمنحه للآخرين، وحتى قبل أن يكون التطوع عملاً ظاهراً فإنه لابد من الاستعداد والنية المبيتة لعمل الخير وهذا بحد ذاته مبعث للراحة والسعادة في نفس الإنسان الذي يختبر من خلاله معدنه الحقيقي الأصيل ويتلمس في نفسه القدرة على التفاعل بايجابية مع محيطه الاجتماعي والقابلية للقيام بعمل مفيد باق لا ينمحي أثره أو ذكره.
هذا بالإضافة إلى الفوائد النفسية الكبيرة التي يجنيها المتطوع أثناء أدائه لعمله وإحساسه بمردود العمل الإنساني ومتعته التي لا يعرفها إلا هو وجرعات الثقة بالنفس والاعتزاز بالذات والشعور بالأهمية والرغبة بالحياة والايمان بالمستقبل التي يمنحها الاحتكاك بالآخرين ومقاسمتهم همومهم وأفراحهم.
وهذا ما جعل بعض علماء النفس يذهبون أبعد من هذا عندما رأوا في العمل التطوعي وسيلة للعلاج من أمراض الاكتئاب وضيق النفس والملل بالخروج من التقوقع على الذات إلى الحياة الأرحب ومن المشكلات الضيقة إلى الفضاءات الأوسع التي يمكن للفعل الطيب فيها أن يكون حلاً وعلاجاً وأثراً عاماً طيباً وآملاً متزايداً بحياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً.
نسوق هذا الكلام لا لنبين أهمية العمل التطوعي ودوره وضرورته للمجتمعات وأثره على الأفراد والجماعات وإنما لنحيي المتطوعين والمتبرعين بمالهم وجهدهم ووقتهم الذين كان لهم الدور الكبير في نجاح مهرجان الكتاب المستعمل وكل أنشطة مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية الأبرز.. هؤلاء الدرر الكامنة والجوهر المكنون ليس عميقاً في باطن الأرض وإنما قريباً في نفوسنا وبين ظهرانينا.. وكما الوردة هم متطوعونا ومتبرعونا قرّبهم منك أكثر لتستنشق في نفوسهم وأعمالهم الطيبة عطر الأرض وعبير الجنة الذي لا يزول.