جلس الجميع في قاعة المحاضرات في انتظار إحدى أساتذة علم النفس التي عادت من أمريكا وعبارات الاستفهام تتملك الاْلسُن ماذا سوف ندرس اليوم في هذا الجزء؟
دخلت المحاضرة وهي تبتسم وتقول: (حديثي اليوم إليكم عن إعاقة الديسلكسيا وهى تندرج تحت إعاقة صعوبات التعلم حيث يجد الأطفال صعوبة في قراءة ونطق الجمل وكتابتها).
عُدت بذاكرتي إلى تلك المحاضرة التي وضعت يدها على صفحة في تاريخ طفولتي التي كنت أخيط بها ثوب السعادة حيث اللعب والمرح والحرية.. كانت هناك من نسجت معي هذا الثوب.
ولكنها أبت أن تُكمل هذا الثوب. كانت تجلس معي في نفس الصف في المرحلة الابتدائية عنيدة وتلقائية في تصرفاتها لا تتجاوب مع المدرس، ورغم ذلك كانت عصفورة تتغنى كلمات الدرس ببطء وتُبدل الأحرف وتعجز عن إعراب كلمات الحياة… تبسمت وأنا أتذكر الوجه الجميل سبحان الله لا يُعطي الشيء كاملاً للإنسان. تذكرتها عندما رسبت في المدرسة وانتقلت إلى مدرسة أخرى بسبب ظروفها في التعليم.. إلى هنا افترق كل ُ منا عن الآخر.
وانتهت المحاضرة وخرجت الدكتورة وخرج معها الجميع عدا صديقي الذي كان يجلس بجواري قال لي فيما تُفكر؟ قلت له وأنا مبتسم: (عاشقة الديسلكسيا)…
أمسكت يدي بالقلم ومكثت اكتب كلمات ليس لها معنى ولا يمكن التعرف على معناها بسهولة كانت رموزاً من الماضي الجميل حيث حرية اللعب والحركة.
تبسم صديقي وقالت: يبدو أن الموضوع قد أثر على تفكيرك استأذنك.. إلى اللقاء….
وما هي إلا الأيام حتى عُدت إلى قريتي وهناك كان لي لقاء في مكتب البريد حيث ذهبت لكي أرسل خطاباً ووقفت على شباك الطوابع قلت لها: أريد أن أرسل خطاباً مسجلاً إلى سوريا.
تبسمت. كانت ابتسامتها نوراً أضاء لي حلم الماضي الجميل، وكان صوتها جرساً أيقظ الذكرى التي ماتت.
قالت: حسناً يا سيدي سوف يكلفك هذا الخطاب تسعة جنيهات.
وأعطيتها النقود وأنا أتذكر الثوب الذي نسجناه سوياً، إلا أنني أدركت في الوقت نفسه، أن الثوب قد لبسه غيري حيث الخاتم يقيد حرية أصابعها في إكمال هذا الثوب الذي كان يخيط لي في أيام طفولتي.
أدركت أنها ليست لي تنهدت وحمدت الله عز وجل على ذلك.
وعندما أعطتني الإيصال الخاص بخطابي المسجل إلى روسيا وجدتها كتبت بدلاً من سوريا روسيا!!
خرجت مذهولاً من مكتب البريد وركبت مع صديقي في سيارته وأنا أقول: (عاشقة الديسلكسيا)!
فرد على صديقي عاشقة الديسلكسيا من هي؟
فقلت له إنها القصة التي سوف اكتبها هذا المساء.