ما زلنا نسمع بمصطلحات تجذب الصحافة اليومية من جهة، وتنال من كرامة الأشخاص من ذوي الإعاقة من جهة أخرى في لبنان، ومن هذه المصطلحات والتعابير (الحكومة البتراء)، (حوار طرشان)، (الأطرش بالزفة) وغيرها، فما هي الإعاقة؟ ومن هم الأشخاص من ذوي الإعاقة؟ وما هي حقوقهم المشروعة كبشر، وعلى رأسها حقهم في التعبير عن أنفسهم، عن حاجاتهم، رغباتهم، وتطلعاتهم وفق المواثيق الدولية وفي مقدمتها شرعة حقوق الإنسان.
الإعاقة قضية عادلة، ويقال: إن الحقائق والأفكار أقوى من الكلمات المعبرة عنها، لكن هذه الحقائق والأفكار لا يمكن أن تصبح قوية حتى تُعرف، وفي معظم الأحيان يتطلب ذلك صياغتها بشكل ملائم، فتصبح (مهمة)، بوسائل محددة جداً للجماهير المتلقية لها، فمن دون (لغة إعلامية ملائمة) تصبح الحقائق والأفكار وحتى القضية بحد ذاتها بلا جدوى، غير قادرة على توليد الفكر، وإيصال المعاني.
يؤثر الإعلام تأثيراً بالغاً في فهم الحقائق وتفسيرها، ولا يخفى على أحد أنه يترتب على أصحاب القضية أنفسهم إتقان اللغة الإعلامية والإنطلاق متسلحين بها، لشرح قضيتهم، وإيصال أفكارهم كما يرونها، فحركة الإعلام تجاه التحركات المطلبية للأشخاص من ذوي الإعاقة لا تكفي، بل قد تشوه القضية، وتحصرها في النموذجين الطبي والخيري.
الإعاقة والقضية
للإعاقة بشكل عام تعريف وصفي يفيد بـأنها عبارة عن (فقدان أو تقصير وظيفي، بدني أو حسي أو ذهني، كلي أو جزئي، دائم أو مؤقت، ناتج عن اعتلال بالولادة أو عن حادث ما، أو مكتسب عن حالة مرضية دامت أكثر مما ينبغي لها أن تدوم، ويؤدي إلى تدني أو انعدام قدرة الشخص على ممارسة نشاط حياتي هام واحد أو أكثر، أو على تأمين مستلزمات حياته الشخصية بمفرده، أو المشاركة في النشاطات الإجتماعية على قدم المساواة مع الآخرين، أو ضمان حياة شخصية أو اجتماعية طبيعية بحسب معايير مجتمعه السائدة).
وهذا التعريف كما هو واضح يحتاج إلى عمل كثير لتحديد التوصيفات بشكل أدق، ولم يتوصل الخبراء إلى تعريف موحد يمكن اعتماده، والبناء على أساسه، إذ أن التعاريف الموسعة التي تأخذ بها البلدان المتطورة تمكن الباحثين والخبراء من تقسيم الإعاقة إلى درجات، وبالتالي يتم التوجه إلى الأشخاص المعوقين من خلال درجة إعاقتهم، أما التعاريف الضيقة التي تأخذ بها البلدان العربية فتستثني كثيرين من الأشخاص ذوي الإعاقة، وخاصة ذوي الإعاقات غير الظاهرة، ويعرف الشخص المعوق في مجال العمل، وفقاً لمنظمة العمل الدولية، بأنه الشخص الذي تنخفض بشكل حاسم فرص حصوله على عمل أو العودة إلى عمله السابق أو فرص تدريبه وترقيته في عمله الحالي نتيجة خلل أو صعوبة واضحة في قدراته العقلية أو الحركية أو الحسية.
في أنواع الإعاقة
الإعاقات أربع: حركية، حسية، ذهنية، عقلية، ويوجد تقسيم آخر يضم الذهنية والعقلية معاً.
-
الإعاقة الحركية: هي فقدان، جزئي أو كلي، لقدرة الشخص على القيام بالمهارات الحركية (كالمشي، الوقوف، حمل الأشياء، صعود ونزول الدرج، استخدام الأصابع للكتابة…)، وتنتج عن تقصير أو خلل وظيفي بدني معين كالشلل السفلي أو الرباعي، بتر الأطراف، شلل الأطفال، الحروق، الضمور العضلي، الروماتيزم، خلع الورك… وقد يضطر الشخص الذي لديه حاجة إضافية حركية إلى استخدام معينات طبية كالعصا، الكرسي المتحرك، العكاز، طرف اصطناعي أو وسائل مساعدة كالأدوات المساعدة للكتابة أو الطباعة.
-
الإعاقة الحسية: وتشمل الإعاقة السمعية و البصرية والنطقية.
الإعاقة السمعية: هي فقدان القدرة على السمع (بشكل جزئي أو كلي) مع أو بدون مشاكل في النطق، بسبب خلل في الجهاز السمعي، بحيث لا يتمكن الفرد من فهم الكلام أو الأصوات إلا عن طريق استعمال أجهزة سمعية معينة أو عن طريق قراءة الشفاه أو لغة الإشارة.
الإعاقة البصرية: هي فقدان البصر (بشكل جزئي أو كلي) أو ضعف بصر شديد، وقد يضطر الشخص إلى استعمال معينات مثل العصا البيضاء أو نظارات خاصة أو أجهزة مساعدة مثل برامج الكمبيوتر الناطقة، أو الأحرف النافرة (برايل).
الإعاقة النطقية: هي فقدان القدرة على النطق بشكل جزئي أو كلي، أو وجود مشاكل في النطق، قد تضطر الشخص إلى استعمال لغة الإشارة للتواصل.
-
الإعاقة الذهنية: هي الإعاقة الناتجة عن خلل في الوظائف العليا للدماغ كالتركيز والعدّ والذاكرة والإتصال مع الآخرين، ينتج عنها صعوبة تعلم أو خلل في التصرفات والسلوك العام للشخص.
-
الإعاقة العقلية: هي الإعاقة الناتجة عن انخفاض في درجة الذكاء عند الشخص أو عن أمراض نفسية، تكون عادة مصحوبة بصعوبة في التوافق النفسي والاجتماعي والسلوكي، تعود الى أسباب وراثية أو بيئية ـ مكتسبة أو الاثنين معا.. وهي على مستويات مختلفة فمنها البسيطة، والمتوسطة، والشديدة.
في المصطلحات
تعكس اللغة التي نستخدمها مدى احترامنا وتقبلنا للآخر، فاستخدام لغة مناسبة عند التحدث والتخاطب مع وعن الأشخاص من ذوي الإعاقة، يعتبر خطوة أساسية نحو بناء مجتمع دامج متنوع يتقبل أفراده كافة، وفق سياسة إتحاد المقعدين اللبنانيين التي تعمل على تكافؤ الفرص للأشخاص المعاقين وغير المعاقين، بناء على تعريفها للدمج على أنه "إيمان تام بحق كل فرد في المشاركة الكاملة في المجتمع، وقبول تام بالاختلاف والتنوع".
وفي سبيل تحقيق ذلك، يجب الإشارة دائماً إلى كلمة (شخص) عند التحدث عن الأشخاص من ذوي الإعاقة انطلاقاً من اعتبار أن الأشخاص المعاقين هم أشخاص بالدرجة الأولى ومن ثم تأتي الحاجة الإضافية أو الإعاقة، وقد عمل الإتحاديون بقوة على تطوير المصطلحات بما يلائم الأشخاص المعوقين ويحفظ كرامتهم، ومن ذلك التعابير التالية:
تعابير سلبية: معاق، يعاني من إعاقة، مصاب بإعاقة، مشوه، ذو عاهة، معطوب، أعمى، ضرير، كفيف شخص مكفوف ما بيشوف، أطرش، أبكم، أخرس، يعاني من فقدان السمع، مجنون، مختل، معتوه، متخلف، متأخر عقلياً، منغولي، مقعد، مقيد، مكبل، محكوم، محبوس، محصور بالكرسي المتحرك، كسيح، مكرسح، أعرج، مشلول.
تعابير إيجابية: شخص معوق، شخص أصم، (لا يسمع)، شخص لديه إعاقة ذهنية أو عقلية عنده إعاقة ذهنية، داون سيندروم (لديه تثلث صبغية 21 عنده تثلث صبغي)، شخص معوق حركياً، شخص لديه حاجة إضافية حركية (لا يمشي)، يستعمل عكاز، يستعمل كرسياً متحركاً…
في النماذج
من خلال تعريف الإعاقة يتضح أنها ليست مجرد حالة طبية، لكنها حالة تنجم عن تفاعل بين عدم أداء وظيفي بدني أو ذهني أو حسّي وبين الثقافة والمؤسسات الإجتماعية والبيئة المادية وغالباً ما يكون الشخص ذا القدرات البدنية أو الذهنية المحدودة معوقاً، لا بسبب حالة يمكن تشخيصها، بل بسبب حرمانه من التعليم والخدمات العامة، ويؤدي هذا الحرمان إلى الفقر الذي يؤدي بدوره إلى مزيد من الإعاقة نتيجة لتعرض الشخص المعاق إلى مزيد من سوء التغذية والأمراض وظروف غير مأمونة في الحياة والعمل.
ويُعرف مفهوم الإعاقة هذا بالنموذج الاجتماعي للإعاقة، أي النظرة إلى الشخص المعوق بناء على حقوق الإنسان التي كفلتها المواثيق والشرائع، والإيمان بقدراته، ويقارن هذا النموذج بالنموذج الطبي الأقدم للإعاقة الذي يركّز على الحالة الإكلينيكية للشخص المعوق، في حين أن النموذج الإجتماعي يصور الإعاقة على أنها تفاعل بين أوجه العجز والقصور في وظائف الأفراد وبين البيئة.
ينظر المجتمع إلى الأشخاص المعاقين ويتعامل معهم من خلال ثلاثة نماذج، الأول هو النموذج الطبي، باعتبار الشخص المعوق حالة طبية ينبغي التعامل معها في المراكز الطبية، وهذه النظرة ناتجة عن تفكير خاطئ، خارج إطار الحقوق.
أما النموذج الثاني، وهو الأكثر شيوعاً، فيزيد عن النظرة الإكلينيكية بمعاني العطف والشفقة، ويسمى بالنموذج الخيري الرعوي، فينظر إلى الشخص المعاق على أنه إنسان ضعيف لا يستطيع أن يصرف أموره لوحده وأنه يستحق الشفقة كثيراً، لذا يجب على أي إنسان ألا يجرح مشاعره بكلمة، مثلاً، وأن تتم رعايته في مؤسسات مغلقة، وغالباً ما تستعمل هذه المؤسسات الرعوية الأشخاص المعوقين لاستدرار عطف الجماهير ويكون لها مآرب مادية آنية، كما يحدث في المواسم الدينية والمناسبات، ولكن يتناسى أصحاب هذه المؤسسات الرعوية، والإطار القانوني الذي ما يزال يؤمن استمراريتهم في لبنان، أنهم يزيدون الشخص المعاق هماً وأسى (بحنانهم الزائد) المصطنع المزين بالشفقة، وبالتالي وفق الدراسات يزيدونه تهميشاً وابتعاداً عن المجتمع، وتجهيلاً كذلك.
أما النموذج الثالث، النموذج الاجتماعي، القائم على الحقوق باعتبار الشخص المعوق إنساناً يتمتع بكامل الحقوق التي تضمنتها شرعة حقوق الإنسان، والإتفاقيات الدولية، وآخرها الإتفاقية الدولية بشأن حقوق الأشخاص المعوقين الصادرة عام 2006، والتي مرت مرور الكرام في مجلس الوزراء اللبناني وقتها وتقف على عتبة مجلس النواب للمصادقة عليها.
من نافل القول إن الجمعيات المطلبية الحقوقية المتصدية للمناداة بحقوق هذه الشريحة تناضل منذ أكثر من 25 عاماً وفق النموذج الاجتماعي، لاغية بذلك النظرة التاريخية الموروثة تجاه الأشخاص المعوقين، حيث كان المجتمع، وما يزال بعضه للأسف، يتعامل معهم تحت سقف الشفقة والعطف، والسخرية أحيانا، حاداً من قدراتهم، مهمشاً إياهم.
وأنه بناء على هذا النضال الطويل انتقلت من مرحلة إلى أخرى، فقد استطاعت بالتشارك والتحالف مع الجمعيات الحقوقية الأخرى أن تضع الإطار الأولي لحقوق الأشخاص المعوقين في مسودة قانون يحفظ لهم كرامتهم، وذلك بعد فترة الحرب الأهلية من أجل وجود دولة، ومؤسسات عامة يمكن التوجه إليها ومساءلتها، ومطالبتها بالحقوق. وبعد أن أقر القانون انتقلت إلى مرحلة مطالبة الدولة، والحكومات المتعاقبة بإيجاد المراسيم التطبيقية التي تحول كلمات هذا القانون إلى واقع.