منذ منتصف مارس 2013 تناقلت وسائل الإعلام خبراً مثيراً لكل انتباه ومشجعاً لكل أمل بغد أفضل،.. فقد تحقق رقم قياسي عالمي جديد حيث تمكن شاب يبلغ من العمر 15 عاماً وهو من ذوي متلازمة داون من تسلق جبال الهيمالايا في نيبال لمدة 10 أيام ليصل إلى ارتفاع 5364 متراً وهي منطقة قاعدة قمة إيفرست!
ولأن هذا هو أول من في هذه السن من ذوي متلازمة داون يسجل هذا الإنجاز ـ إذ سبق أن صعد هذا العلو رجل يبلغ عمره 35 عاماً ـ فنحن نسجل اسمه هنا بأحرف من النور إنه الفتى الأميركي من أوريغون الأمريكية Elisha Reimer وقد تجدونه مسجلاً باسم الدلع في المدونات وهو Eli ولكن لا بأس…
لن أضيف الكثير من التفاصيل عن قصته ووالديه اللذين أقاما مؤسسة أهلية باسمه ووالده الذي شاركه الصعود على الجبال لجمع التبرعات ولفت الأنظار لذوي متلازمة داون، فقد أعود لذلك في الأعداد القادمة من المنال، ولكنني أعتبر هذه مقدمة مناسبة لعرض البحث الأمل الجديد في الكشف عن الأساس البيولوجي لإحدى أهم مشكلات ذوى متلازمة داون، وهي ضعف الذاكرة وصعوبة التعلم والإعاقة الذهنية.
فكل متابع ومهتم يعلم أن جوانب متلازمة داون عديدة في الشكل والطول والوزن والهرمونات والغدد والقلب والمفاصل والجهاز الهضمي والأذن، ولكن البحث الذى بين يدينا ركز على مجال واحد وهو المخ والتعلم لأن هناك اكتشافات عديدة في هذا الطريق وخاصة على مستوى الجينات والبروتينات والموصلات العصبية.
لقد نشرت كبرى المجلات العلمية Nature Medicine يوم 24 مارس 2013 بحثا قويا ومتوسعا لـ 22 باحثاً من جامعات ومراكز في أميركا والصين نسقوا وتعاونوا فتوصلوا إلى ما يلي:
لدى ذوي متلازمة داون زيادة كروموسوم أو جزء من مادة الكروموسوم 21، وبالتالي هناك كمية أكبر من الجينات لدى هذا الشخص، من تلك الجينات ما سيزيد أثره وبالتالي يسبب أعراضاً وتغيرات لديه، ومن ذلك بروتين يسمى miR-155 تزيد كميته لدى ذوي متلازمة داون ومن ثم يؤثر سلبياً على بروتينات أخرى في مناطق قشرة المخ والمهاد المسؤولتين عن الذاكرة والتعلم وغيرها من وظائف المخ.
وقد تمكن الباحثون من تحديد البروتين sorting nexin 27 أو المعروف باسمه المختصر SNX27 على أنه البروتين الذى قلت كمية إنتاجه لدى ذوي متلازمة داون نتيجة لتلك الزيادة في المادة الكروموسومية.
ومن ثم ربوا نماذج لفئران تجارب لديها نصف كمية هذا البروتين أو ليس لديها البروتين بشكل كامل وقارنوا تطورها وتعلمها والتغيرات البيولوجية في أنسجة المخ لديها مع تلك الموجودة في أنسجة المخ لذوي متلازمة داون، واكتشفوا أن نقص بروتين SNX27 يقلل الوصلات العصبية ويغير من شكل الخلايا والكيماويات المسؤولة عن التنبيه العصبي. وفي المحصلة جربوا تعويض هذا البروتين ليكتشفوا أن ذلك عدل من المشكلات السابقة، فكانت المفاجأة السارة التي ستغير تماما مع تحويلها إلي واقع من مسار قدرات ذوي متلازمة داون.
وغني عن البيان أن أصدقائي في المنتدى (علمي) I science انبروا كعادتهم للنقد والتعليق لتصل مداخلاتهم إلى 475 مداخلة في 10 أيام، بينها الرافض والمشكك والمؤيد، وكنت أنا طبعا ممن أشاد بالاكتشاف والأمل كخطوة في طريق حل أحد جوانب متلازمة داون بواقعية وتعقل.
أخصائى الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى آل سليمان وشركة كهرباء مصر
طبيب جمعية ومركز التأهيل الشامل للمعاقين بمحافظة بورسعيد
مستشار إعاقات الطفولة لجمعية نور الرحمن
صاحب مدونة ( إطلالة على التوحد ),
كاتب ومؤلف بمجلة وكتاب المنال الصادر عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
كاتب بمجلة أكاديمية التربية الخاصة السعودية