تعد مرحلة اعداد وتهيئة الفرد أطول مرحلة إعداد يمر بها الإنسان وذلك لأن المهام والأدوار التي يطلب منه القيام بها معقدة ومتشعبة ومتداخلة تحتاج إلى قدرات ومهارات واستعدادات وامكانات ومواهب وخبرات واسعة جداً وفي مختلف مواقف الحياة الانسانية، وذلك لا يتم الا بالوصول إلى مستوى معين من النضج والاكتمال في مكونات شخصية الفرد، والتي تتكون من جوانب جسمية وعقلية وانفعالية وعاطفية وحسية ودينية واجتماعية وهذا يبين أهمية الإعداد والتربية للفرد تلك التربية المبكرة والنامية شيئا فشيئا والغنية بالخبرات المنوعة والمعتمدة على الفهم لطبيعة هذا الفرد في مختلف مراحل نموه .
ونظرا لحدة وسرعة التغيرات الجسمية والعقلية والاجتماعية التي تطرأ على الطفل عند مقاربته لمرحلة المراهقة فإن معرفة ما تمتاز به هذه المرحلة يساعد في تخفيف حدة تلك التأثيرات التي تحدث تبعا للتغيرات الجسمية والنفسية والاجتماعية مما يساعد الوالدين والمدرسة على تنمية شخصية المراهق من جميع النواحي في هذه المرحلة التي تعتبر من أنسب مراحل العمر وأهمها في إكساب المراهق كثيراً من العادات والسلوكيات السليمة والحميدة التي تعده لمواجهة المراحل المقبلة من حياته .
وتعد المراهقة مرحلة انتقالية ما بين الطفولة والشباب تشكل حجر الزاوية في تشكيل وجدان كل شاب وفتاة والمراهقة هي مرحلة خاصة جدا وهي انتقال من الطفولة إلى عنفوان الشباب وتمرده، وبالتالي يقع العبء الأكبر على الوالدين وخاصة الأم حيث يجب أن يتفهما هذه المرحلة الجديدة والتعامل معها بكل حكمة، فالمراهق مرة ثائر وأخرى غضبان وأحيانا مرح وفي بعض الأوقات يظهر عليه الاكتئاب وهذا تسببه التغيرات الجسدية والنفسية التي يمر بها في هذه المرحلة.
ويؤكد العلماء أن مرحلة المراهقة تبدأ في الثانية عشرة من العمر وتستمر حتى بلوغ العام الحادي والعشرين وتشهد اضطرابات بدرجات متفاوتة لدى المراهقين، وينظر الكثير من الآباء والأمهات إلى أولادهم المراهقين والمراهقات على أنهم مصدر للإزعاج وتعكير صفو الحياة، وهذه النظرة ليست بعيدة عن الواقع في غالب الأمر، ولكن يجب معرفة أن معظم مشكلات المراهقين والمراهقات هي نتاج مرحلة المراهقة نفسها، أي إنها تزول بزوالها، لكن كيفية التعامل معها تساعد على تخفيف وطأتها، وعلى عدم تحولها من شيء عابر ومؤقت إلى شيء دائم ومستمر.
أيضا خبرة معظم الأهالي بالتفريق بين ما هو طبيعي من سلوكيات المراهقين وما هو غير طبيعي أو مشكل ضعيفة للغاية، وهذا يعود إلى أن معظم الأسر لا تملك الحد المطلوب من الثقافة التربوية، كما أن الأسر الملتزمة والراقية تكون صارمة نحو مشكلات أبنائها ولهذا السبب تنزعج بشدة من بعض تصرفات أبنائها غير اللائقة، في حين أن الأسر الأخرى لا ترى في ذلك شيئا يستحق التوقف والتكدر، ولكن في مقاربة أولية يقول الباحثون: إن السلوك يصبح مشكلًا إذا تكرر على نحو غير مألوف، أو كان في نظر معظم الناس شيئًا خطرًا، أو لا يمكن السكوت عليه.
ومنه تعد المراهقة مرحلة من أدق وأهم المراحل التي يمر بها الإنسان وليست مشكلة، ولكن نظرًا لطول تلك المرحلة والتغيرات التي تصاحبها على كافة جوانب الشخصية يتخوف منها البعض ويتصورها كمشكلة. وتتنوع مشاكل المراهقين ومنها الخجل، حيث يمكن للخجل أن يكون سببًا في العديد من المشاكل النفسية الخطيرة، والمراهق الخجول كان من قبل طفلًا خجولًا، ويخشى المراهق المنطوي على ذاته التواصل مع الخارج، خوفًا من التعرض للسخرية لذلك يحمر وجهه ما أن يصبح موضوع الحديث، ويبدأ بالتلعثم ما أن يبدأ الكلام ولا يعبر عن رغباته إلا نادرًا، فالخجل يفصل المراهق ويبعده عن الحياة الاجتماعية، أما الأبناء الذين يخالطون غيرهم، ويجتمعون معهم يكونون أقل خجلًا من الأبناء الذين لا يخالطون ولا يجتمعون والمعالجة لا تتم إلا بأن نعود الأبناء على الاجتماع مع الناس بأخذهم إلى الزيارات العائلية والخروج مع الأصدقاء إلى الأندية والمعاهد، وتعويدهم على التحدث برفق مع الآخرين والاستماع له، فهذا يساعد على كسب ثقته بنفسه، وبالتالي تضعف حالة الخجل لديه.
كما تولد التغيرات الجسدية والنفسية التي تحصل في عمر المراهقة موجات من الاكتئاب التي تتعدى نوبات الحزن الشائعة في هذه المرحلة، ويبدو المراهق في الكثير من الأحيان مضطرباً مشوشاً ويتكلم بصوت مرتفع، لا يسمع إلا جزءًا مما نقوله له، فنجده تارة سعيدًا، وفي لحظات يتغير مزاجه فيصبح عصبيا وحزينا، وقد يلجأ إلى البكاء لأتفه الأسباب يميل إلى تضخيم الأمور حتى ولو كانت بسيطة، ويعتقد أن المشاكل التي يمر بها من أعقد المشاكل.
والمعالجة في هذه الحالة تكون بمواجهة مشاعر المراهق وتفهمها، وذلك بتقديم المدح له في الجوانب الحسنة والاستماع الجيد للمراهق، لكن إذا استمرت المشكلة يجب استشارة الأطباء والاختصاصيين في المجال، وأهمية مراعاة عدم الاستخفاف بحالة الاكتئاب التي قد يعيشها المراهق لذلك من الضروري معالجتها.
أيضا يشكل الغضب حالة نفسية، وظاهرة انفعالية يحس بها الإنسان منذ نعومة أظفاره وتصاحبه في جميع مراحل حياته، حيث قد يكسر المراهق الأشياء المتوفرة أمامه وقد يرمي بها في ثورة عارمة، وقد يتعامل بعنف مع إخوته وأخواته ومع والديه سواء كان الغضب كلاميا أو جسديا أو داخليا، فإنه يحول سلوك المرء ويغيره، وخير علاج لهذه المشكلة هو تجنيب الأبناء دواعي الغضب وأسبابه، حيث يجب تعليم الابن كيف يسيطر على غضبه، وشغل وقت فراغه بشيء مفيد مثل الرياضة التي يفرغ غالبية طاقته بها.
أما الكذب فهو صفة أو سلوك مكتسب نتعلمه وليس صفة فطرية أو سلوكاً موروثاً، وهو عرض ظاهري لدوافع وقوى نفسية تحدث للفرد فقد يكذب المراهق لعدة أسباب منها حماية خصوصيته؛ فعندما يدخل الطفل في سن البلوغ، يحس أنه بحاجة نفسية للانفصال والاستقلال عن الوالدين، فربما يكذب الطفل إذا سألته عما فعله الليلة الماضية، ليس لأن ما فعله خاطئ، بل فقط لاعتقاده أنك تريد أن تعرف كل تفاصيل حياته.
أيضا تجنب الوقوع في مأزق هو أحد أهم أسباب الكذب عند المراهقين، إلا أن له جانبا إيجابيا، فهو يعني أن المراهق يعرف الصحيح من الخطأ، ويكذب المراهق لأن ما فعله أو ينوي فعله غير مقبول، ولعلاج هذه المشكلة يجب على الآباء أن ينفروا أبناءهم من الكذب وينهونهم عنه، ويحذرونهم من عواقبه، وأن يكشفوا لهم عن مضاره وأخطاره؛ حتى لا يقعوا في حبائله، ويتعثروا في أوحاله وينزلقوا في متاهاته، وتعتمد التربية الصحيحة على القدوة الصالحة.. فجدير بالأهل ألا يكذبوا على أبنائهم بحجة إسكاتهم أو ترغيبهم في أمر، فإن فعلوا ذلك يكونون قد عودوهم عن طريق الإيحاء والمحاكاة القدوة السيئة على أقبح العادات، غير أنهم يفقدون الثقة في أقوالهم، ويضعف جانب التأثير بنصائحهم ومواعظهم أما في حالة استمرار وجود المشكلة وترافقت بانحرافات سلوكية، فمن الضروري الاستعانة بأخصائي العلاج النفسي لتقديم المساعدة والعلاج الضروريين. ولأن مرحلة المراهقة مرحلة حاسمة تتطلب ضرورة الاهتمام بالمراهقين ودراسة مشكلاتهم والتعرف على ميزاتهم وقدراتهم من خلال الابحاث والدراسات النفسية والاجتماعية والاهتمام بتدريس برامج خاصة بالمراهقين تساعدهم على كبت غضبهم نظرا لارتباط الغضب بالعديد من المشكلات السلوكية.
أيضا يجب إتاحة الفرصة لهم لممارسة الانشطة الاجتماعية والرياضية والفنية والثقافية والدينية التي تؤدى إلى خفض انفعال الغضب لديهم وتفريغ طاقاتهم الزائدة بما يفيد، وذلك بتنظيم برامج تربوية لآباء وأمهات المراهقين لتدريبهم على التعامل مع أبنائهم وبذلك تتعاون الأسرة مع المدرسة من أجل أن يجتاز الأبناء هذه المرحلة الصعبة ولوسائل الاعلام دور كبير في الاهتمام بالمراهقين من خلال تقديم البرامج التي تظهر قدرتهم ومهاراتهم وإعطاء النموذج والقدوة لهم بالإضافة إلى دور المدرسة في رعاية المراهقين من خلال ايجاد علاقات قوية بينهم وبين الاخصائي الاجتماعي والنفسي مما يساعد على احتوائهم ويؤدي تلقائيا إلى زيادة انتمائهم للأسرة والمدرسة والمجتمع والوطن.
والمراهقة هي مرحلة نمائية يجب على الأهل استثمارها إيجابيا، وذلك بتوظيف وتوجيه طاقات المراهق لصالحه وصالح أهله وبلده والمجتمع عامة، وهذا لا يتم دون منح المراهق الدعم العاطفي والحرية ضمن ضوابط الدين والمجتمع وتعزيز ثقته في نفسه، وتنمية تفكيره الإبداعي وتشجيعه على التعلم والقراءة والمطالعة وممارسة الرياضة والهوايات المفيدة، وأيضا تدريبه على مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات، واستثمار وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع، وعليه يجب تعزيز توعية الوالدين ونشر وترسيخ ثقافة فهم مرحلة المراهقة عند الوالدين والعاملين مع المراهقين سواء في المدرسة أو المرافق التي يتواجدون فيها للحد من المشكلات السلبية التي تتعرض لها فئة المراهقين وضمان استقرار المراحل المستقبلية من حياتهم.