كنت دوما أتوق إلى ممارسة مهنة التعليم فقد وضعت نصب عيني أهمية (التعامل مع الحياة واختبارها من خلال تعليم الآخرين). وبسبب ذلك لم يخطر في بالي أبدا أن أكون معلما عاديا مملا!
من هنا دأبت على الدوام على طرح السؤال الآتي: ما الذي يجعل المعلّم متميزا في أدائه؟ نحن على وجه العموم نعرف المعلمين المتميزين والسيئين من خلال المشاهدة. لقد كنت أفكر مليا بالمعلمين الذين أحببتهم ودواعي مثل ذلك الحب لتلك القلة القليلة التي تحمل مثل هذه المزايا.
-
الثقة بالنفس.
المعلمون المتميزون يثقون بأنفسهم وقدراتهم رغم العقبات والمشاكل التي تواجههم والتي يصل بعضها حد النكسات، فالتلاميذ الصغار يمكن أن يتصرفوا بقسوة إزاء بعضهم البعض وربما يمتد سلوكهم الفظ إلى المعلمين أو تبدر عنهم مواقف صعبة خاصة المراهقين منهم. لقد صادفت معلمين صفتهم المميزة السلوك العصبي أثناء التدريس وثمة آخرين لم يؤدوا واجباتهم بالمستوى المطلوب بسبب الخجل والتردد. ولم يكترث المعلمون المقتدرون كثيرا للأخطاء التي يقعون فيها والتي ربما تجعلهم يشعرون بالارتباك، فيما لا يظهر التلكؤ على المعلم المتمكن الذي يواصل درسه رغم الهفوات المتوقعة والتي ربما يحولها بذكاء إلى دعابة تسر التلاميذ!
-
الصبر.
سعى بعض أفضل المعلمين الذين تتلمذت على أيديهم إلى تقديم يد العون إلى تلاميذ مروا بفترة انهيار ذهني بفضل صبرهم العالي الذي مكّنهم من مواصلة مساعيهم حتى النهاية. ولم يتردد أولئك المعلمون من ايضاح أو تفسير مفهوم أو فكرة لم أتمكن من استيعابها نظرا لاصرارهم على ايصال الفكرة إلى أذهان التلاميذ بصرف النظر عن الفترة التي يستغرقها مثل ذلك الأمر.
-
التعاطف الحقيقي مع التلاميذ.
لابد أن نكون قد واجهنا، أثناء دراستنا، أحد المعلمين السيئين ممن لم يبد أي اهتمام بالأسباب والتبريرات التي قدمناها! ورغم أن بعض تلك التبريرات كانت واهية دون شك إلا أن الكثير منها كانت صحيحة. من هنا يعمد المعلمون المتميزون إلى إبداء الاهتمام بتلامذتهم بصفتهم أشخاصا والعمل على مساعدتهم. ومثل هؤلاء المعلمين يمتلكون حاسة سادسة حين يلاحظون أن أحد تلامذتهم بحاجة إلى المزيد من الاهتمام، فضلا عن أن مثل هذا الاهتمام يصدر عن طيب خاطر سيما وأنهم يستثمرون الفرص المتاحة للتحاور مع التلاميذ حول مواضيع خارج إطار المواد الدراسية المقررة ويعتبرون ذلك جزءا من عملية التعليم. كما أن لدى النخبة المتميزة من المعلمين الرغبة للتحدث نيابة عنا مع المعلمين الآخرين إذا اقتضى الأمر ذلك لأن اهتمامهم بنا يتعدى جدران المدرسة إلى خارجها.
-
التفهم.
يعي المعلمون المتميزون تماما طرق التعليم الصحيحة، فهم لا يلتزمون بأسلوب تعليمي جامد ويصرون على اتباعه وتطبيقه حيث تراهم خلاف ذلك يبدون المرونة الكافية في أسلوبهم التعليمي ويعمدون إلى تكييفه وتعديله وفق مقتضى الحال. ويصل تفهمهم حد ادراك الأشياء الصغيرة التي تؤثر على قدراتنا في التعلم مثل حالة الجو ودرجة الحرارة داخل قاعة الدرس وغير ذلك. ويبدي أولئك المعلمون تفهما للطبيعة البشرية ومدى نضوج المراهقين على نحو خاص وغيرها من الأمور التي تمس حياة التلاميذ. بوجيز العبارة دأب معلمونا البارزون على التعاطي معنا بصفتنا أناسا حقيقيين وليس مجرد (تلاميذ)!!
-
النظر إلى الحياة على نحو مختلف وشرح المواد الدراسية وفق روحية متجددة.
هناك أساليب تعليم عديدة ومتنوعة تتباين قدرات المعلمين في تدريسها الأمر الذي يسهّل على الطلبة اجتياز مادة دراسية بنجاح ما أو الإخفاق فيها. تجدر الإشارة إلى أن المعلمين السيئين يدرسون طلبتهم وفق منهج وأسلوب ثابت لا يتغير اعتمادا على الطريقة التي تعلموها في المدارس، وهذا أمر ربما يفلح مع بعض الناس لكنه يفشل مع آخرين. أما المعلمون المتميزون فيعمدون إلى انتهاج طرق واساليب تعليمية مختلفة تتباين أو تتكيف مع مدى فهم التلاميذ للمادة الدراسية وتجاوبهم معها، فهم على سبيل المثال يتحاشون الصيغ المجردة ويتجهون صوب أيضاح ماتمثله تلك الصيغ مستعينين بالصور الذهنية أو الواقعية. وتحقيق مثل هذا الأمر ليس بالأمر الهيّن لأنه يتطلب فهما واسعا لطبيعة المادة الدراسية فضلاعن المقدرة على التعامل مع تلك المادة من أوجه وطرق مختلفة.
-
التفاني بهدف تحقيق التميز.
تسعى الصفوة البارزة من المعلمين المتميزين إلى تحقيق أفضل أداء من جانب التلاميذ ومن جانبهم أيضا، وهم بذلك لن يهدأ لهم بال حين يحصل تلامذتهم على علامات ضعيفة لأن مثل هذا الأمرسوف ينعكس على أدائهم التعليمي وكذلك على مقدرة التلاميذ على التميز. كما يعمد أولئك المعلمون إلى تشجيع التلاميذ على تبادل الأفكار ويقدمون الحوافز المناسبة (اعفائهم من انجاز أحد الواجبات البيتية على سبيل المثال) بهدف دفعهم للتفكير خارج إطار مواضيعهم التي يدرسونها. وهم يشجعون التلاميذ ايضا على تنمية قدراتهم الذهنية وليس مجرد حفظ نصوص جامدة مما يعني أنهم يسعون بكل جد لتعليم التلاميذ واعانتهم على تطبيق ما تعلموه وليس مجرد التفكير بالنجاح في الأختبارات.
-
تقديم الدعم المتواصل.
يعلم المعلمون المقتدرون أن بمقدور التلاميذ جميعا أن يحققوا نتائج متميزة إذا تيسرت لهم الأجواء المناسبة، وهم بذلك لن يتقبلوا فكرة أن الطالب (قضية خاسرة)! إنهم يقفون إلى جانب التلميذ الذي يشعر بالأحباط ويهيئون الأرضية المناسبة لاستيعاب المادة. كما أنهم يجهدون لإشاعة جو دراسي مناسب من خلال التصدي لأية مظاهر تهكم ربما تحصل داخل القاعة الدراسية وربما يمتد مثل ذلك الأمر إلى خارج القاعة الدراسية رغم صعوبة التصدي لمثل هذه المظاهر في أروقة المدرسة.
-
الرغبة في مساعدة التلاميذ على حسن الأداء.
لن يعمد المعلمون من النخبة المتميزة إلى ايقاف عملية التعليم حين يدق الجرس, فتراهم يتواصلون مع التلاميذ بعد انتهاء الحصة الدراسية لأنهم يدركون أن بعض التلاميذ يحتاجون إلى المزيد من الاهتمام والمساعدة وهو أمر يعتبرونه جزءاً لا يتجزا من واجبهم. وهم بذلك ينطلقون من منطلق أن واجبهم لا يقتصر على حصول التلاميذ على درجات عالية في المواد الدراسية فحسب إنما الأخذ بأيديهم للنجاح والتميز في حياتهم المستقبلية. كما أنهم يدركون تماما أن حسن الأداء لا يتعلق بالحصول على درجة عالية في اختبار ما إنما العمل على استيعاب المادة الدراسية والتمكن منها.
-
الشعور بالفخر لدى تحقيق التلاميذ نتائج متميزة.
يشعر المعلمون الأكفاء تلامذتهم أنهم سعداء بسبب ما أحرزه التلاميذ من علامات متميزة أو بسبب تبوأهم مكانة مرموقة في المجتمع. وترى الابتسامة تعلو وجوههم ويخبرونك بالإنجاز الذي تمكنت من تحقيقه مثلما يسعون إلى إخبار المعلمين الآخرين بما تحقق من انجاز. فضلا عن ذلك لا يحتفي أولئك المعلمون بالتلاميذ المتميزين جداً فحسب إنما يحتفلون بأية إنجازات يحققها التلاميذ عموما.
-
الاهتمام بالأمور الحياتية اليومية.
لا يبدي المعلمون المتمرسون اهتماما بيّناً بالمواضيع التي يدرّسونها فحسب إنما يظهرون حماسة واضحة حيال ذلك. كما أن حماستهم تمتد إلى أشياء أخرى كثيرة فهم على سبيل المثال يمتدحون الطقس الجميل ويشعرون بالسعادة وهم يتبادلون الرأي مع التلاميذ حول إحدى المسلسلات التلفزيونية التي عرضت في الليلة السابقة. وبسبب حماستهم العالية فإنهم يسلكون طريق التحدي وليس السلوك اليومي المعتاد فيخلقون بذلك الدافعية والحوافز لدى تلامذتهم.
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.