تعتبر التربية الأسرية من أقوى المؤثرات التربوية والإجتماعية والثقافية على الأبناء باعتبار أن الأسرة هي المسؤول الأول عن الإشراف على النمو الإجتماعي للأبناء وتكوين شخصيتهم وتنشئتهم الصحيحة والمتكاملة من جميع النواحي، وتشكل الأسرة إحدى العوامل الأساسية في بناء الكيان المجتمعي، حيث أن لها الأثر النفسي والمعنوي المباشر في تقويم السلوك الفردي وتشكيل شخصية الطفل وإكسابه العادات والقيم التي تبقى تلازمه طوال حياته حتى يصبح قادراً على الاعتماد على نفسه.
ويعد الآباء والأمهات الموجه المباشر لأطفالهم في اتجاهاتهم وميولاتهم وتميز شخصيتهم، وهم من يحدد التصرفات العامة لأبنائهم، حيث يتعرف الطفل على دينه وعادات مجتمعه ولغة وطنه ومكتسباته وثقافته الإجتماعية من والديه لذلك يعد الوالدان (المسؤول الأول) عن ترسيخ الفضائل والصفات الحسنة عند الأبناء حتى ينشأوون وهم في صحة نفسية وجسدية واجتماعية وأخلاقية مفيدة للمجتمع.
مشاركة الوالدين في تربية الأولاد… تعكس الإستقرار النفسي والإجتماعي للأبناء
فطر الله عز وجل الناس على حب أولادهم وجاء في قوله تعالى: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” ويمكن القول بأن للأسرة دوراً كبيراً في رعاية الأبناء منذ ولادتهم وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، ويؤكد بعض أساتذة علم النفس أن السنوات السبع الأولى للأبناء تشكل ما سيكون عليه هؤلاء الأبناء مستقبلاً وعادة ما تتكون أساليب غير سوية وخاطئة في تربية الأطفال، وذلك إما لجهل الوالدين في تلك الطرق الصحيحة للتربية أو لاتباع أسلوب الآباء والأمهات والجدات أو نتيجة لحرمان الأب أو الأم من اتجاه معين، فالأب مثلا عندما يحرم من الحنان في صغره سيغدق على طفله بهذه العاطفة أو العكس بعض الآباء يريد أن يطبق نفس الأسلوب المتبع في تربية والده له على ابنه، وكذلك الحال بالنسبة للأم.
ومن بين الاتجاهات غير السوية والخاطئة التي ينتهجها الوالدان أو أحدهما في تربية الطفل والتي تترك آثارها السلبية على شخصية الأبناء، التعامل بالتسلط والسيطرة على الطفل ويعني ذلك تحكم الأب أو الأم في نشاط الطفل والوقوف أمام رغباته التلقائية ومنعه من القيام بسلوك معين لتحقيق رغباته التي يريدها حتى ولو كانت مشروعة، أو إلزام الطفل بالقيام بمهام وواجبات تفوق قدراته وإمكانياته ويرافق ذلك استخدام العنف أو العقاب كأن تفرض الأم على الطفل ارتداء ملابس معينة أو طعام معين ظناً من الوالدين أن ذلك في مصلحة الطفل متجاهلين المخاطر التي تنعكس سلبا على صحة الطفل النفسية وعلى شخصيته مستقبلا، ونتيجة لذلك الأسلوب المتبع في التربية ينشأ الطفل ولديه ميل شديد للخضوع واتباع الآخرين ويكون ذا شخصية قلقة خائفة دائما من السلطة تتسم بالخجل، كما يفقد الطفل الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرارات مع شعور دائم بالتقصير وعدم الإنجاز.
ومن الأسالب الخاطئة أيضاً الحماية الزائدة للطفل بمعنى قيام أحد الوالدين أو كلاهما نيابة عن الطفل بالمسؤوليات التي يفترض أن يقوم بها الطفل وحده حيث يحرص الوالدان أو احدهما على حماية الطفل والتدخل في شؤونه فلا يتاح للطفل فرصة اتخاذ قراره بنفسه وعدم إعطائه حرية التصرف في كثير من أموره كحل الواجبات المدرسية نيابة عن الطفل أو الدفاع عنه عندما يعتدي عليه أحد الأطفال، وقد يرجع ذلك إلى خوف الوالدين على الطفل لاسيما اذا كان الطفل الأول أو الوحيد فيبالغان في تربيته، ويؤثر هذا الأسلوب في التربية بلا شك سلبياً على نفسية الطفل وشخصيته فينمو الطفل بشخصية ضعيفة غير مستقلة يعتمد على الغير في أداء واجباته الشخصية ويكون غير قادر على تحمل المسؤولية، أو يعمل على رفضها، إضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس، كذلك نجد هذا النوع من الأطفال الذي تربى على هذا الأسلوب غير واثق بقراراته التي يصدرها، في الوقت الذي يثق فيه بقرارات الآخرين ويعتمد عليهم في كل شيء.
ومن أساليب التربية الخاطئة كذلك أسلوب الإهمال الذي يؤثر على شخصية الطفل مستقبلا وذلك عندما يترك الوالدان الطفل دون تشجيع على سلوك مرغوب فيه أو الاستجابة له وتركه دون محاسبة على قيامه بسلوك غير مرغوب، وقد ينتهج الوالدان أو أحدهما هذا الأسلوب بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر لهم، فقد يمضي الأب معظم وقته في العمل ويعود لينام ثم يخرج ولا يأتي إلا بعد أن ينام الأولاد، وأيضا قد تنشغل الأم بكثرة الزيارات والحفلات أو التحدث على الهاتف أو تمضية الوقت باستخدام الانترنت أو متابعة البرامج التلفزيونية فتهمل أبناءها، ومن نتائج اتباع هذا الأسلوب في التربية ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل كالعدوان والعنف او الاعتداء على الآخرين أو العناد أو السرقة أو إصابة الطفل بالتبلد الانفعالي وعدم الاكتراث بالأوامر والنواهي التي يصدرها الوالدان .
الصراخ… أسوء وأخطر أسلوب على الاطلاق في تربية الأبناء!
ومن بين الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء ظاهرة الصراخ المستمر للزوجة “الأم” في البيت مع أبنائها طوال اليوم، وقد يكون هذا الصراخ نتيجة للضغوطات المتزايدة على الأم بسبب العمل أو عدم القدرة على تحمل المسؤولية المصاحبة بصعوبة الحياة ومشاكلها الاجتماعية بالإضافة إلى الضغوط النفسية للأم، ومسؤوليتها عن مساعدة أطفالها في كافة أمور حياتهم اليومية، وبالتالي ينعكس غضب الأم في الغالب على أطفالها بالصراخ الدائم كنوع من التفريغ لضغوطاتها النفسية وهذا السلوك يترك آثاراً سلبية على تربية وتنشئة الأطفال، وقد يصبح الصراخ أمراً عادياً بالنسبة لهم.
ويعد الصراخ من أخطر (الأساليب الخاطئة) على نفسية الطفل من أي أسلوب عقابي آخر فهو أسلوب لإهانة الطفل والمس بكرامته وتحطيم معنوياته، والصراخ يفقد الطفل ثقته بنفسه ويشككه في قدراته، كما يدمر العلاقة بين الطرفين سواء الأب أو الأم والطفل، وفي الغالب تكون حالة الطفل سيئة جداً، وتتأثر نفسيته نتيجة للصراخ في وجهه لأن أسلوب الصراخ الذي تمارسه الأم أو الأب هو أسوأ وأخطر أسلوب على الاطلاق في تربية الأبناء، وهذا ممكن أن يجعل الكثير من الأطفال يفضلون وسيلة الضرب على الصراخ، لأنها تعتبر وسيلة أخف في شدتها على الطفل، لذلك يجب الحذر من اللجوء إلى الصراخ المستمر على الأبناء لما له من آثار سلبية خطيرة على شخصيتهم وعلى مستقبلهم.
ويجب على الأم القيام بعدة أمور تجنبها عادة الصراخ على أبنائها وعليها أن تتذكر دائماً أن أبناءها لا دخل لهم في الظروف الخارجية التي تؤثر سلبياً على أعصابها فتجعلها دائمة الصراخ ، كما يجب أن يعي الآباء أن مسؤولية تربية الأبناء ليست حكراً على الأم فقط وإنما مشاركة الآباء في تربية وتتشئة أبنائهم بشكل فعال مهمة جداً ولها دور كبير في الإستقرار النفسي والإجتماعي للأبناء الأمر الذي ينعكس إيجابيا على شخصيتهم المستقبلية.