الشعار الذي يتوج مطبوعات مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويظهر في موقعها الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي يعود استخدامه إلى أكثر من عشر سنوات وتحديداً إلى 28 مارس 2001.
ويمتاز هذا الشعار الذي صممه الفنان الإماراتي هشام المظلوم بالبساطة والسهولة من جهة، وقوة المعنى ودلالته من جهة أخرى.. فحق أن تطلق عليه صفة السهل الممتنع.. وقد اختير هذا الشعار من بين عشرات التصاميم واستطاع ببساطته وألوانه وقوة تعبيره أن يستحوذ على رضا واقتناع كل من عرض عليه رغم اختلاف المستويات الثقافية والعلمية، ومدى القرب أو البعد عن طبيعة العمل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة.
اعتماد هذا الشعار ليس شكلياً وليس مجاراة لأذواق العصر أو عدوى انتقلت إلينا مع دخول الألفية الثالثة.. إنه في نظرنا محصلة طبيعية ونتيجة منطقية لسنوات طويلة من العمل كافحنا فيها من أجل أن نؤسس لعمل يستلزم الكثير من الجهد والاقناع لإزالة المفاهيم الخاطئة التي أحاطت بقضايا ذوي الإعاقة وإحلال المفاهيم العملية والصحيحة محلها، وقد نجحنا كجزء لا ينفصل عن مؤسسات مجتمعنا الفاعلة في إزالة الكثير من التعقيدات التي تحيط بهذه القضايا الواضحة والتأسيس بالتالي لعلاقة جديدة مع المجتمع قائمة على التكامل والانسجام واحقاق الحقوق.
وهذا ما سنوضحه في تحليلنا للشعار الجديد من حيث دلالاته اللونية والشكلية والمعنوية..
الدلالة اللونية:
- كتابة اسم المدينة باللون القرميدي الغامق يرمز إلى القوة والثبات والرسوخ في توجهاتها فهو لون القرميد الصلد المستخدم في البناء من جهة ولون التربة الخصبة من جهة أخرى القادرة على العطاء وانتاج قيم جديدة متجددة وملموسة على أرض الواقع (لون الأرض).
- اللون البنفسجي الذي ينتج عن التقاء لونين الأزرق والأحمر، يتبدى الأول بوضوح ويتخفى الثاني فيذوب في الأول. فالأزرق أكثر وضوحاً هو لون السماء ولون البحار وكلاهما يزخر بالخير والعطاء ويوحي بالاتزان والجدية والرصانة والهدوء فهو من ناحية يعبر عن جدية التوجه وأصالته، ومن ناحية أخرى يعبر عن أسلوب هذا التوجه الهادئ والرصين تجاه قضية تستلزم أكبر قدر من الاقناع أكثر بكثير من الألوان التي توحي بالصدام والصراع.
- أضيف اللون الأحمر إلى الأزرق فتحول إلى البنفسجي ولا تخفى على أحد دلالات هذا اللون المعروفة وما تحمله زهرة البنفسج من ايحاءات جمالية أسطورية فضلاً عن مشاعر الثقة والاعتزاز بالنفس التي يولدها القيام بالأعمال الجليلة.. فإذا كان توجه المجتمع للعمل مع المعاقين توجهاً جدياً ورصيناً فإنه لا يخلو من جماليات عميقة يحس بها صادقاً كل من خاض تجربة حقيقية للخروج من ضيق الذات ومحدوديتها المكانية إلى الفضاء الإنساني الواسع سواء أكان رب أسرة ناجحاً أو أماً متفانية أو قائداً فذاً.
- اللون الأخضر مشهور بدلالاته عن الخير والنماء والحياة، ولا يكاد علم دولة عربية يخلو منه. فإذا كانت كل المشاعر والأقوال قابلة للتأويل والتلوين، إلا أن شجرة الحياة.. أو إرادة الحياة تبقى خضراء اللون.. وهي الإرادة التي ينبغي أن يتحلى بها كل شخص معاق فيمد يديه بحركة عفوية نحو الآخرين ليس فقط للوقوف إلى جانبه بل أيضاً للاعتراف بحقه في الحياة والاقتناع بأهمية العمل مع أقرانه من الأشخاص المعاقين، وهذه العلاقة مع الآخرين ينبغي أن تكون ايجابية وذات جدوى كما هي بين عناصر الطبيعة التي يكمل بعضها بعضاً فتكتمل دورة الحياة.
الدلالة الشكلية:
القسم الأعظم من الشعار المقسوم إلى لونين يمثل بكل بساطة القلب الذي يعني الحياة للجسم البشري بكل ما فيها من عواطف ومشاعر، وتشكل هذا القلب الشعار الأيدي التي هي أداة العمل والانتاج، يعلوها الرأس الذي هو أداة التفكير والابتكار، وهذه العناصر متقابلة وتكمل بعضها بعضاً في دلالة على الانسجام والتكامل في التفكير وتطابق الإرادة والعمل في المحصلة الأخيرة بغض النظر عن الأكثر تركيزاً وعطاء.. فالعلاقة بين مانح الخدمة الذي هو المجتمع بوجه عام والمدينة على وجه الخصوص (من جهة) ومتلقي الخدمة الذين هم أصحاب القضية (من جهة أخرى) علاقة ايجابية فاعلة ومتفاعلة تكمل بعضها بعضا ويغذي بعضها بعضاً وبدون هذه العلاقة التي لا يمكن فصمها لا أحد يستطيع أن يتخيل قلباً بنصف واحد أو بلغة أقل رمزية مؤسسة خدمة بدون مستفيدين لم يعودوا اليوم مجرد متلقين سلبيين بل أصبحت لهم آراؤهم ووجهات نظرهم في كل شيء وهم جزء من قلب واحد ومجتمع واحد.. وحتى قبلها أي قبل أن تتبلور آراؤهم ويشتد عودهم ويعوا حقوقهم ومطالبهم لم يكونوا غريبين عن هذا التكامل الفاعل بين المدينة مانحة الخدمة وأصحاب القضية لأن كل ما وصلنا إليه حتى يومنا هذا هو نتاج طيب لهذا التواصل بين الطرفين ولن يكتمل عملنا ويؤتي أكله بإذن الله إلا بتفاعل هذين الطرفين وتكامل شكل القلب الذي يعني الحياة لكل الكائنات الحية.
الدلالة المعنوية:
- إن مضي أكثر من عقدين من الزمن على بدء العمل في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية (زمن إطلاق الشعار) واستمرارها في أداء رسالتها مؤشر واضح على تصميمها على الدخول إلى المرحلة المقبلة من عملها وهي أكثر تصميماً وثباتاً على مبادئها التي نشأت عليها وأكثر قدرة على التعامل مع قضايا المعاقين برؤية جديدة متطورة متسلحة في هذا بالخبرة الطويلة والتجربة العميقة والعلم الوفير الذي استطاعت أن تراكمه طوال هذه المدة..
- إن تجارب ودروس السنوات الطويلة الماضية كانت كافية إلى حد كبير لاستيعاب زخم الاندفاعة الأولى وحماس البدايات وحدتها في بعض الأحيان ومن ثم الانتقال بهدوء وروية إلى المرحلة القادمة في عملها المتسمة حكماً بالاتزان والجدية والرصانة تجاه قضية تستلزم أكبر قدر من التأييد والدعم وأكبر قدر من المحبة والتفهم بعيداً عن الأساليب والمفاهيم الخاطئة التي ألصقت خطأً بهذا النوع من الأعمال كتغليب مشاعر الشفقة والعطف والإحسان على الحس الاجتماعي الواعي لمسؤولياته والقادر على القيام بواجباته كاملة تجاه فئة أحوج ما تكون إلى تثبيت حقوقها في التعليم والتدريب والتأهيل وكل ما يستتبع ذلك للحصول على استقلاليتها والقيام بدورها كأي فئة اجتماعية أخرى.
- إن انتقالتنا هذه ليست مفتعلة أو مرتجلة ولم تملها رغبة ذاتية في التجديد لمجرد التجديد، بل فرضتها ظروف نعتقد أنها نضجت إلى الحد الكافي الذي يحتم هذا الانتقال، والدلائل على هذا كثيرة أهمها ازدياد الوعي بقضايا الأشخاص المعاقين لدى الأهالي والمعاقين أنفسهم وتنامي الاهتمام بهم رسمياً وشعبياً، وقد تجلى هذا في إنشاء المراكز المتخصصة والنوادي والجمعيات واصدار قانون لحقوق الأشخاص المعاقين والمصادقة على الاتفاقية الدولية وطرح قضاياهم ومناقشتها على أعلى المستويات وفي مختلف وسائل التعبير والإعلام المتاحة.
- إذن كل الدلائل تشير إلى أن قضايا الأشخاص المعاقين احتلت حيزاً كبيراً في اهتمامات المجتمع الأكبر الذي هو القلب النابض بالخير لكل أبنائه القادر على احتوائهم وتأمين كل متطلباتهم في إطار من التكامل والتفاعل الايجابي والواعي بين جميع أفراده، القادر على التخطيط معهم ومن أجلهم لضمان حقوقهم وترجمة هذا التخطيط إلى إرادة وعمل.