منذ نحو خمس سنوات كنت ضمن وفد جامعي في زيارة رسمية إلى الصين. أثناء الزيارة كنت ذات مرة أتناول طعام الغداء مع أستاذ جامعي صيني متقاعد إختصاصي بعلم الإجتماع أشار في معرض حديثه إلى أنه في غضون نهاية جيل قادم فإن لغة التحدث في المدن الصينية سوف تكون اللغة الانكليزية، وأشار إلى أن الشباب الصينيين درجوا على تبادل الرسائل الإلكترونية وكتابة النصوص وكذلك تبادل الآراء عبر الشبكات الإجتماعية مستخدمين اللغة الإنكليزية، وربما يعزى السبب في جانب منه إلى سهولة الكتابة باللغة الإنكليزية عبر الهواتف النقالة.
وأثناء الزيارة حضرت معرضا طلابيا في إحدى الجامعات الصينية جرت سائر مراسيمه باللغة الإنكليزية وأثناء العرض أخبرني أحد الطلبة الصينيين، وهو لم يغادر الصين أبدا إلى بلد آخر، أنه قرأ روايات تشارلز ديكنز Charles Dickens بلغتها الأصلية. وهنا أقول: كم من الطلبة البريطانيين أنفسهم يمكن أن يحققوا مثل هذا الإنجاز؟
إن مصير مختلف اللغات غدا موضوع جدل يثير الإهتمام في عصر أصبحت فيه وسائل التواصل الدولي والثقافي بين مختلف الأمم سهلة للغاية. وفي الوقت الذي تحكم فيه اللغة الإنكليزية قبضتها على الكلام واللغة في سائر أرجاء العالم فإن آثار ذلك يمكن تلمسها في الجامعات أيضاً، ففي أسكتلندا في أيامنا هذه بدأ عدد الطلبة الذين يرغبون بدراسة اللغة الفرنسية في المدارس الثانوية بالتناقص بنحو 10% سنويا أما اللغة الألمانية فتواجه معضلة حقيقية في الجامعات البريطانية فيما تواجه لغات الأقليات صعوبات في الاحتفاظ بموطىء قدم لها في أنحاء مختلفة.
هل يحمل مثل هذا الأمر دلالة ما؟ وهل يعني ذلك ظهور مشاركة لغوية دولية أكبر قوامها المصلحة يغدو بموجبها التواصل أكثر يسراً وسهولة؟ وهل بدأنا نخسر المرتكزات الثقافية الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تمزيق المجتمع وأضعافه؟ أم أن اللغات بدأت في الواقع تستعيد وضعها السابق؟
لاشك أن ما تحققه اللغة الإنكليزية من حركة دؤوبة إلى أمام أمر لا يمكن ايقافه على الأرجح وربما تأخذ أداة التعبير الثقافي اللغوي في المستقبل صيغة تنوع أقليمي غني من حيث اللكنات accents واللهجات dialects ـ وهذا ما درجت عليه اللغة الإنكليزية لفترة طويلة بين أوساط الشعوب السلتية Celtic على تلك الجزر.
غير أن الأمر في النهاية يجعلنا نشعر بالأسى حيال اللغات الفطرية التي تمثل مصدرا لمظاهر الغنى المحلية التي نوهنا إليها لأنها سوف تتلاشى بصفتها أدوات حية للتواصل وفي نقل التقاليد والثقافة في الحد الأدنى. هنا يتعين على الجامعات أن تؤدي دورها في التعاطي مع مثل هذه المعضلات وأن لا تغفل دراسة اللغات عموما أو أية لغات محددة.
بقلم:
البروفيسور فيرديناند فون بروندزنسكي Prof Ferdinand von Prondyznski رئيس جامعة (روبرت غوردن Robert Gordon University)، أبردين، أسكتلندا ـ www.universitydiary.wordpress.com
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.