نموذج الاستسهال في الكتابة للفتيان
عندما تقرأ اسم الشاعر عبده وازن على غلاف الكتاب فإن القارئ لا شك سيثق بالكتاب، حتى وإن اختلف في وجهة النظر، أو لم يعجبه أسلوب الكاتب، في النهاية فهو كتاب يفترض أن ينتمي إلى النوع الجيد من الكتب.
وعندما تعرف أن كتاباً ما حصل على جائزة مرموقة في عالم الكتب، فإن القارئ ولا شك أيضاً سيتجه إلى قراءة الكتاب.
وهذا ما يحدث عندما تجد على أرفف المكتبات كتاباً يحمل عنوان: “الفتى الذي أبصر لون الهواء” لكاتب بحجم عبده وازن، والثقة ستكون كبيرة في هذا الكتاب خاصة بحصوله على جائزة الشيخ زايد للكتاب.
قدّم عبده وازن في روايته: (الفتى الذي أبصر لون الهواء) الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون، نموذجاً روائياً محبطاً، لغة ومضموناً، على الرغم ما هدف له الكتاب من رسالة إنسانية ذات بعد تربوي كونها رواية للفتيان، وتوجيهية بشكل مباشر، فالرواية تدور حول “باسم” الطفل الكفيف، ضمن أحد الكليشيهات المعروفة والمعتمدة في شخصية الكفيف.
وكعمل أدبي إبداعي فهو يعتمد على العناصر الثلاثة الرئيسية لأي عمل إبداعي، وهي: “الفكر، الثقافة، الفن” وسأعتمد على هذه العناصر الثلاثة لتحليل رواية “الفتى الذي ابصر لون الهواء”.
الفن… رواية الفتيان الفخ
لا غبار بأهمية عبده وازن الشاعر، فهو صوت شعري يمتاز بحضوره الأدبي الطاغي، وثقافته الواسعة، ودهشة مفرداته، وهو ما كنت أبحث عنه في هذه الرواية، ففن كتابة الرواية يجب أن يقدم دهشة باللغة المكتوبة، وحبكة تامة للرواية.
جاءت الرواية تحمل الحبكة التقليدية حول فتى كفيف يدخل معهداً خاصاً بالمكفوفين ليتخرج بعدها محققاً ما أسمته الرواية إنجازا كبيرا، وتحديا لإعاقته، النموذج المثالي للأديب “طه حسين”، صورة نمطية متكررة للكفيف الذي يصبح قاصا أو روائيا أو شاعرا، وهنا لا بد من السؤال حول طبيعة التحدي الذي عاشه “باسم”، لقد استطاع أن يتعلم ببساطة شديدة لوجود معهد في مكان ما مخصص للأشخاص المكفوفين، إذن فهي مدرسة مهيأة لقدرات بطل الرواية، ونجاحه فيها هو أدنى شيء مطلوب من تلميذ المدرسة، ونجاحه في كتابة القصة القصيرة يحققه آلاف الطلبة كل عام في الوطن العربي، ضمن مسابقات مختلفة، إن خفض مستوى توقعات إبداع الفرد في مجتمعه هي أولى عثرات رواية “للفتيان” أي علينا غرس قيم عليا للنجاح والإبداع، ولا يجوز أن نجعل من أداء الواجبات الأساسية في الحياة إنجازا إبداعيا.
العثرة الأخرى هي الصورة النمطية والمسطحة عن الأشخاص ذوي الاعاقة بشكل عام، وقدرتهم الكبيرة والغريبة على النجاح والتميز بأبسط الإنجازات، فمعرفة القراءة والكتابة تعتبر مهارة أساسية يجب أن يتحلى بها كل شخص وليست تميزا، كما أن تلك الروح الإيجابية والسعادة المطلقة التي يتحلى بها الاشخاص ذوو الاعاقة في معظم الروايات وقصص الأطفال والفتيان لا شك بأنها ضرب من ضروب الخيال، فهم بشر لديهم مشاعر يشعرون بالإحباط والفشل والحزن والتردد.
أما فيما يتعلق باللغة فقد جاءت بأول وأبسط احتمالات الكتابة واللغة، ما يحسب للكاتب أنها جاءت لغة سليمة صحيحة، سهلة التراكيب، ولكن الكتابة للفتيان لا تتطلب استسهالا باللغة المكتوبة، ولا تجاهل سبر أغوار الشخصيات ومكنونات النفس البشرية، في وقت تعد فيه رواية الفتيان إحدى الوسائل والطرق التي يستطيع من خلالها اليافعون تحديد مساراتهم، ومعرفة طبيعة شخصياتهم، طبعاً هذا في حال استطاعت الرواية تحقيق هذا الدور.
الثقافة… الثقافة الحقوقية
أقل ما يمكن عند الكتابة عن الأشخاص ذوي الاعاقة، هو بذل بعض الجهد لكتابة ما يجب حول الإعاقة، واستخدام المصطلحات المناسبة، فكلمة ضرير هي من المصطلحات غير الحقوقية، والتي تعتبر لغة كلمة مهينة للأشخاص ذوي الاعاقة البصرية، فأصل كلمة ضرير لغةً قد جاء من الضرر، بمعنى أن الضرير هو شخص أصابه الضرر، وهي من أولى مخالفات النهج الحقوقي في وصف الإعاقة، باعتبارها شيئا سلبيا وليست جزءاً من التنوع البشري، والصحيح حقوقيا استخدام كلمة كفيف.
أما كلمة الأسوياء في وصف الأشخاص ذوي الإعاقة ففيها وصم واضح لهم باعتبارهم غير أسوياء، وهو ما يعتبر تمييزاً سلبياً واضحاً، بالمقابل هناك تمييز إيجابي مرفوض أيضاً حسب النهج الحقوقي وهو تعظيم المنجزات الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة، فإتقان القراءة والكتابة والتدرج في المراتب العلمية، هو من بديهيات أي شخص يسعى للنجاح في حياته المهنية والاجتماعية، والحصول على دوره الطبيعي، لذا فلا يجوز حقوقياً تعظيم الإنجازات البديهية والأساسية للأشخاص ذوي الاعاقة باعتبارها تمييزا إيجابيا وهو أمر مرفوض.
الفكر… ماذا نريد؟!
إن تكريس نجاح الأشخاص ذوي الإعاقة، واعتبار أن تميزهم نابع من إعاقتهم، يكرس لدى القراء صورة نمطية غير حقيقية عن الأشخاص من ذوي الاعاقة باعتبارهم قادرين على خلق المعجزات، مما قد يجعل البعض يظن أنه الإعاقة هي شرط أساسي في الإبداع والإنجاز، كما أن الأشخاص ذوي الإعاقة ليسوا سعداء في المطلق.
ما يحسب لهذه الرواية:
يحسب للكاتب رغبته العميقة بتقديم رواية ذات رسالة تربوية هادفة، وتسليط الضوء على الأشخاص لذوي الاعاقة وقدرتهم على التقدم والنجاح، والاندماج في المجتمع، وزيادة محتوى كتب اليافعين من جهة والكتب التي تتناول الأشخاص ذوي الاعاقة في المكتبة العربية، ولكنه في الوقت نفسه قد لجأ إلى الاحتمالات الأولى في اللغة والصورة النمطية للأشخاص ذوي الإعاقة، والحبكة الدرامية.
وعلى الرغم من ذلك فلا يستطيع المتتبع لكتب اليافعين والأطفال في المكتبة العربية أن يتجاهل هذا الكتاب، لما يحمله من محاولة حملت في طياتها النية الطيبة، ووقعت في فخ الاستسهال.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”