قبل أيام مضت وتحديداً في الثاني من نوفمبر وقبل أقل من عشر سنوات (2004) نستذكر فقدان الأمتين العربية والاسلامية للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله عليه… رجلاً عظيماً نذر حياته ليس فقط لخدمة شعبه بل لخدمة العرب والمسلمين وكل القضايا العادلة في العالم.. ولم يكن حرصه رحمه الله على تأمين وحدة شعبه ورفاهه وسعادته ليشغله عن الاهتمام بأمور أمته العربية وقضاياها إذ لم تكد تمضى عشر سنوات على إعلان دولة الاتحاد في ديسمبر 1971 كنموذج للحلم العربي باقامة دولة الوحدة العربية حتى انطلقت من أبوظبي أيضاً وفي مايو 1981 تجربة وحدوية أخرى تجسدت باقامة مجلس التعاون لدول الخليج العربية…
وطوال عقود من الزمن سجلت للفقيد الغالي مواقف مشرفة في دعم القضايا العربية والاسلامية فكان أقربها إلى الذهن مبادرته (رحمه الله) لتجنيب العراق الشقيق ويلات الحرب والاحتلال وأيضاً ـ وعلى سبيل المثال لا الحصر ـ إزالة الألغام من جنوب لبنان وإعادة بناء مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة وبناء 4000 مسكن في مدينة الشيخ زايد بغزة لاسكان من شردتهم الهجية الصهيونية ومساعدة شعب الصومال الشقيق وشعب البوسنة والهوسك المسلم.
وقد استحق (رحمه الله) إلى جانب محبة شعبه وأمته العربية والاسلامية محبة واحترام العالم فحاز على سبيل المثال في سنة 1985 على الوثيقة الذهبية لجهوده في المجالات الانسانية واختير في سنة 1988 كأبرز شخصية سياسية في العالم لدوره في وقف الحرب العراقية الايرانية وإعادة المياه إلى مجاريها بين الدول العربية وفاز سنة 1995 بلقب الشخصية الإنمائية على مستوى العالم.
وقد أثر عن سموه رحمه الله طوال حياته اهتمامه الكبير بالانسان باعتباره الثروة الأغلى والأهم والأبقى، وكان يقول في هذا المجال: (إن الانسان هو أساس أية عملية حضارية.. اهتمامنا بالإنسان ضروري لأنه محور كل تقدم حقيقي مستمر.. مهما أقمنا من مبان ومنشآت ومدارس ومستشفيات.. ومهما مددنا من جسور وأقمنا من زينات فإن ذلك كله يظل كيانا مادياً لا روح فيه وغير قادر على الاستمرار.. إن روح كل ذلك الإنسان؛ الإنسان القادر بفكره؛ القادر بفنه وإمكانياته على صيانة كل هذه المنشآت والتقدم بها والنمو معها).
ولأن الإنسان هو الغاية في فكره وممارسته (رحمه الله) فقد شمل اهتمامه الأشخاص المعاقين على اختلاف فئاتهم وتنوع اعاقاتهم وقد اتضح هذا من خلال الدور الكبير الذي قامت وتقوم به مؤسسة زايد للأعمال الانسانية وهيئة الهلال الأحمر وغيرها من الهيئات المتخصصة..
وقد عبر (رحمه الله) في أكثر من مناسبة عن اعتزازه بأبنائه جميعاً وكان للمعاقين نصيب كبير من اعتزازه ونذكر في هذا المجال توجيهاته إلى معالي وزير الداخلية (وقتها) بعد الإنجازات التي حققها الأشخاص المعاقون في أكثر من مجال بأن يأخذ العاطلين عن العمل والشباب الذين ابتلوا بالإدمان إلى مراكز المعاقين بالدولة لكي ينظروا بأعينهم كيف يبدع هؤلاء وحتى يأخذوا المثل والقدوة منهم فلا يحملوا الدولة المبالغ الطائلة لإصلاحهم وهدايتهم.
ونحن نستعيد تلك الأيام تنحبس الكلمات في صدورنا وتأبي أن ترددها ألسنتنا ولا شيء محلها إلا الغصة والحسرة والإلم لرحيل هذا القائد الفذ الذي قل أن يجود الزمان بمثله.. وعزاؤنا أن نرى اليوم في أرض الامارات ما آراده زايد وخطط له دولة عصرية نهضت من قلب الصحراء قلعة عربية وحصناً إسلامياً منيعاً.. عزاؤنا أن نرى في كل فرد من أفراد هذا الشعب الاماراتي الطيب خصلة من خصال زايد..
وخير ما نستذكره في هذا المجال قول رسول الله عليه وسلم بوفاة ابنه إبراهيم رضي الله عنه: (إن العين تدمع، والقلب بحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم محزنون)…
والله إنا بفراقك يا زايد محزنون ومكلومون .. ولا حول ولا قوة إلا بالله..