فوران التنور الذي يجتاح العالم من خلال الحروب الطاحنة في معظم أرجائه التي أصبحت مرجلاً يغلي ضاعف الكوارث الإنسانية وضخم أرقام قوائم الأشخاص المعاقين إلى درجة كبيرة! هذا إذا أسقطنا من حساباتنا أرقام المعاقين القديمة والمواليد الجدد منهم وهؤلاء الذين يتعرضون للإعاقات عن طريق حوادث السيارات والمصانع والأمراض وغيرها من الأسباب.
إن قوائم الأشخاص المعاقين تتجدد بصورة يومية بينما جمعيات ومراكز المعاقين تظل على حالها بل وتتناقص يوماً بعد يوم.. وحتى الصامدة منها نجدها تتقوقع حول عدد محدود من الأشخاص المعاقين لضعف امكاناتها وشح مواردها.. مما يجعلنا حائرين بين ثلاث قضايا:
- الأولى ـ كيف نوقف هرولة الإعاقة بين غير المعاقين!
- الثانية ـ سبل دعم الجمعيات والمراكز لتمكينها من القيام بدورها على أكمل وجه.
- الثالثة ـ استيعاب المعاقين ومساعدتهم على الانخراط في الحياة الاجتماعية.
هذه المحاور الشائكة تتناغم في ثلاثية تجبرنا على التوقف عندها طويلاً لأن محاولة تخفيف العبء على الجمعيات المهتمة عن طريق تشغيل الأشخاص المعاقين في بعض الدوائر والهيئات والشركات ـ وإن أصابت شيئاً من النجاح ـ إلا أنها لا زالت تواجه الكثير من المعضلات، ليس بسبب المعاق نفسه، لأن العامل المعاق في كثير من المواقف أثبت كفاءة فاقت غيره من أفراد المجتمع ولكن بسبب الاحجام المرتبط بالميزانيات العامة وبنود التوظيف لمعظم الجهات،.. كل هذا أجبر حركة توظيف الأشخاص المعاقين على السير ببطء واحجام وأصبحت لا تشكل إلا نسبة أقل من واحد بالمائة من جملة العاملين في الدوائر والمؤسسات ـ هذا إن صحت هذه النسبة.
ويبقى البحث عن البدائل مربط الفرس لأن قضية تشغيل المعاق هي المحور الأساسي الذي يقود لحل مشكلة بقاء الجمعيات ووضع برامج لإيقاف هرولة الإعاقة.
البدائل لا تصنعها غير الجمعيات والهيئات المهتمة بالأشخاص المعاقين وهي مطالبة بإيجاد أو خلق موارد ثابتة تتمكن عبرها من كسب معركة الصراع من أجل البقاء بوسائل تتماشى مع ايقاع وحاجات العصر الذي نعيشه والذي يعتمد اعتماداً كلياً على الاقتصاد والتكتلات الاقتصادية والتحالفات التي انتهجتها الدول للمحافظة على البقاء ناهيك عن جمعيات إنسانية تتناثر هنا وهناك في كل دولة.
من الأفكار الجديرة بالنقاش لمواجهة تلك المشكلات قيام جامعة خاصة بالأشخاص المعاقين تؤهلهم لخوض مجالات العمل وإنشاء محطة فضائية خاصة بهم في عصر الغزو الإعلامي الذي يعتمد على الكسب الإعلاني وإنشاء شركات وبيوتات تجارية بمساهمة عامة تطرح أسهمها لكل الأشخاص المعاقين وجمعياتهم وتوفر لهم فرصاً للعمل والاستفادة من عائداتهم بإنشاء بنك المعاق الذي يسهم في دعم الحرف والابداعات التي يقومون بها ويساعدهم على ولوج عالم الاستثمارات الخاصة كل حسب نوع إعاقته، وفي الوقت ذاته تستفيد الجمعيات والهيئات من حصصها في الأرباح لتنفيذ برامجها الطموحة.
الأشخاص المعاقون الآن قوة كبيرة تحتاج للترشيد الصحيح والنظر إليها من زاوية صهرها في الحياة الاجتماعية وتمكينها من أداء دورها في الحياة بدلاً من النظر إليها كمشكلة اجتماعية ترهق الاقتصاد.
أما المشاريع فلو أفردنا لها جانباً من البحث والاهتمام فسنجدها كثيرة وفاعلة وحتمية في وقت آن فيه أوان الاستيقاظ والاعتماد على الذات، ذلك أن الجهات الأخرى التي كانت مقصداً للاعتماد عليها أصبحت تعاني اليوم من مشكلات لا تقل عن مشكلات الجمعيات فانصرفت إلى معالجتها.
ويوماً بعد يوم أصبح العالم مشغولاً أكثر بقضايا كثيرة كالحروب ومشاكل اللاجئين، والمشكلات الاقتصادية كرفع الدعم عن كثير من السلع وإطلاق سياسة التحرر الاقتصادي، والركود الاقتصادي وهزات أسواق الأسهم وغيرها.
إذن، علينا كجمعيات وهيئات أن نضع خططاً قوية تعلن عن نفسها وعنا وتجبر العصر الحالي على حجز مكان بارز لقضايانا التي نذرنا حياتنا من أجلها.