إن استخدام الكلام وسيلة اتصال أمر يخص البشر وحدهم، وحين يتعرض الكلام للتشوه أو يختفي تماماً يصبح أثر ذلك عميقاً على كل من الشخص المعني وعائلته، من هنا تصبح الحبسة الكلامية Aphasia أكثر أشكال الإعاقة أذى وتأثيراً لا يسمع غالبية الناس عنها ولا يتعرفون عليها ما لم يصب أحد أفراد العائلة أو صديق بها!
ما الحبسة الكلامية؟
الحبسة الكلامية تتجسد في إلحاق ضرر بالغ باللغة، ما يؤثر على انتاج الكلام، أو استيعاب فحواه، فضلاً عن المقدرة على القراءة أو الكتابة. وعادة ما تحصل الحبسة الكلامية من جراء (إصابة) تؤثر على الدماغ، تنجم، في الغالب عن ضربة ما، وبالذات للأشخاص كبار السن، بيد أن إصابات الدماغ التي تفضي إلى الحبسة الكلامية قد تحدث أيضاً من جراء صدمة أو أورام دماغية أو التهابات.
وقد تكون الحبسة الكلامية من الشدة بحيث يغدو الاتصال مع الشخص المصاب أمراً مستحيلاً تقريباً، أو أنها يمكن أن تكون معتدلة، وقد يشمل تأثير الحبسة الكلامية، بشكل رئيسي، جانباً واحداً من الاستخدام اللغوي مثل المقدرة على تذكر أسماء الأشياء، أو المقدرة على تجميع الكلمات وصياغتها جملاً، أو المقدرة على القراءة. على أنه يلاحظ أيضاً تعرض جوانب اتصال عديدة للضرر، فيما تظل بعض القنوات سالكة لتحقيق تبادل محدود للمعلومات. هنا تبرز مهمة الاختصاصي في تحديد مدى فاعلية كل قناة من القنوات في استيعاب اللغة، وكذلك في تقدير احتمال فاعلية المعالجة في استخدام القنوات المتاحة.
أنواع الحبسة الكلامية ومظاهرها الخاصة
لقد خبرنا الحبسة الكلامية فترة تجاوزت القرن، تعلمنا من خلالها أن مكونات لغوية محددة يمكن أن يلحق بها الضرر بشكل خاص لدى بعض الأشخاص، كما تعلّمنا أيضاً أنماط الحبسة الكلامية المختلفة التي تتوافق مع مكان الضرر الدماغي في حالة الشخص المصاب. أدناه بعض أنواع الحبسة الكلامية الشائعة:
-
الحبسة الكلامية الشاملة Global Aphasia
يمثل هذا النوع أكثر أنواع الحبسة الكلامية شدة، وينطبق على المصابين الذين ينطقون بضعة كلمات يمكن ادراكها ويستطيعون فهم جزء قليل فحسب من اللغة المحكية، وليس بمقدور المصابين بمثل هذه الحبسة الكلامية القراءة أو الكتابة، وغالباً ما يلاحظ هذا النمط من الحبسة الكلامية مباشرة بعد تعرّض المصاب إلى ضربة ما. وقد تتحسن حالة المريض بسرعة إن لم يكن الضرر كبيراً جداً، غير أن حصول ضرر دماغي كبير قد يؤدي إلى حدوث إعاقة شديدة ومستديمة.
-
حبسة بروكا الكلامية Broca’s Aphasia
في هذا النمط من الحبسة الكلامية تتضاءل مخرجات الكلام بشكل حاد وتقتصر على جمل فقيرة لا تتعدى أربع كلمات. وتتسم الحصيلة اللغوية للمصابين بهذا النمط من الحبسة اللغوية بكونها محدودة جداً. وغالباً ما تتصف مقدرتهم على إخراج الأصوات اللغوية بجهد جهيد وعدم الوضوح. وقد يكون بمقدار المصاب أن يفهم الكلام الموجه إليه بشكل جيد نسبياً، وقد يكون قادراً على القراءة، غير أن مقدرته على الكتابة تتصف بالمحدودية. وغالباً ما يشار إلى حبسة بروكا الكلامية على أنها (حبسة فقدان طلاقة اللسان) لأن الكلام يتسم بالتلعثم وبذل المجهود الكبير.
-
حبسة فقدان طلاقة الكلام المختلطة
يطلق هذا التعبير على المرضى الذين يعانون من حالة الكلام القليل والمجهد، وهم بذلك يشبهون أولئك الذين يعانون من حبسة بروكا الكلامية الحادة، بيد أنهم يختلفون عنهم من خلال محدودية استيعابهم للكلام، وكذلك عدم مقدرتهم على القراءة أو الكتابة لأكثر من المستوى الابتدائي. وفي حالة (حبسة فيرنكة الكلامية) Wernicke’s Aphasia تعاق مقدرة المصاب على فهم معاني الكلمات المنطوقة فيما لا تتأثر كثيراً قابليته على التفوه بالكلام المترابط. عليه يشار إلى (حبسة فيرنكة) الكلامية بـ (حبسة الطلاقة الكلامية) Fluent Aphasia. مع ذلك فإن الكلام يبتعد كثيراً عن كونه طبيعياً، فالجمل غير متماسكة والمفردات التي لا علاقة لها بالموضوع تجد طريقها إلى الكلام لدرجة أنها قد تشكل لغة غير مفهومة Jargon في الحالات الشديدة. كما أن كلاً من القراءة والكتابة تتأثران بشكل شديد أيضاً.
-
الحبسة الكلامية الخاصة بانتقاء المفردات الكلامية Anomic Aphasia
يطلق هذا التعبير على الأشخاص الذين يعانون من عجز متواصل في المقدرة على اطلاق المفردات على الأشياء الخاصة بها التي يرومون التحدّث عنها، وبالأخص ما يتصل بالأسماء والأفعال. بيد أنه يلاحظ أن كلامهم يتصف بالطلاقة بصيغة القواعدية عموماً، لكنه في الوقت عينه يعج بالاستطرادات المبهمة والتعبيرات التي تنم عن الإحباط. وهم يفهمون الكلام جيداً ويقرؤون بشكل مناسب في غالبية الحالات. هذا ويعاني المصابون بهذه الحبسة الكلامية من صعوبة انتقاء الكلمات المناسبة في كل من الكتابة والكلام.
-
أنماط أخرى من الحبسة الكلامية
إضافة إلى الأعراض المذكورة، التي يلاحظها أطباء الكلام السريريون بشكل متكرر، هناك الكثير من حالات الضعف الشديدة المحتملة التي لا تمت إلى أي من تلك الفئات المذكورة أعلاه. وقد تحدث بعض أعراض مكونات الحبسة الكلامية المعقدة أيضاً بشكل منفرد كما هو الحال في اضطرابات القراءة المسماة (العمى القرائي) Alexia (اضطراب مخّي يتميز بعجز المريض عن القراءة ـ المترجم) أو الاضطرابات التي تؤثر على كل من القراءة والكتابة Agraphia التي تعقب حدوث الضربة. وغالباً ما تكون الحبسة الكلامية مصحوبة بإلحاق ضرر شديد في المقدرة على الحساب. مع ذلك يظل المصابون في بعض الحالات، يتمتعون بمقدرة متميزة على الحساب رغم فقدان اللغة.
الاضطرابات التي تصاحب الحبسة الكلامية أو تختلط معها
هناك أنماط مختلفة من اضطرابات الاتصال التي قد تعزى إلى الشلل أو الضعف أو عدم تناسق جهاز الكلام العضلي أو إلى الإعاقة الإدراكية. مثل هذه الإعاقات قد تصاحب الحبسة الكلامية لكنها تحدث بشكل مستقل؛ مع ذلك فهي تختلط بالحبسة الكلامية. ومن الأهمية بمكان تمييز هذه الاضطرابات عن الحبسة الكلامية بسبب تباين علاج (أو علاجات) كل حالة والتكهن بها.
-
العمه الحركي Apraxia
وهو فقدان المقدرة على القيام بحركات متسقة معقدة (المترجم) وهذا النوع عبارة عن تعبير جمعي يستخدم لوصف حالة الإعاقة أثناء تنفيذ الحركات المقصودة Purposeful، فالناس المصابون بحالات الحبسة الكلامية الحادة يتصفون بالمحدودية الشديدة في التعبير عن أنفسهم عن طريق الإيحاء Pantomime باستثناء حالات التعبير عن الأمور العاطفية. ومن المألوف أن يطلعك المصابون على شيء ما موجود في محفظاتهم، أو يأخذونك إلى مكان ما ليطلعوك على شيء آخر؛ بيد أن هذا الأمر يمثل مدى اتصالهم الذي تعوزه المقدرة اللفظية السوية. وعادة ما يظهر الفحص الخاص بأنهم غير قادرين على الإتيان بإيماءات تعبيرية لدى توجيه الدعوة إليهم مثل التلويح باليد تعبيراً عن الوداع أو الإشارة إلى الشخص عن طريق الإيماء أو إبداء التحية، أو استخدام الإشارات للدلالة على تسرب شيء ما أو تنظيف الأسنان باستخدام الفرشاة، الخ. وهذا يعرف بـ (عمه الأطراف الحركي) Limb Apraxia، وقد يؤثر (العمه الحركي) أيضاً على الحركات الفمية غير الكلامية مثل التظاهر بالعطاس أو إطفاء شمعة، وهو ما يدعى بـ (العمه الحركي الوجهي). وقد يمتد هذا الاضطراب ليشمل عدم المقدرة على التعامل مع الأشياء الحقيقية. وفي الأعم الأغلب، فإن (العمه الحركي) لا يبدو جلياً تماماً ما لم يطلب أحدنا من المريض أن يؤدي أو يقلّد فعالية ترمي لتقليد عمل ما. لذا فإن الأمر هذا لا يطرح على أساس كونه مدعاة للشكوى، سواء من قبل المريض نفسه أو من قبل عائلته. مع ذلك فإن هذه الحالة المرضية قد تشكل الأساس لمحدودية مقدرة الناس المصابين بالحبسة الكلامية في التعويض عن العوق الكلامي باستخدام الإيماءات ذات الدلالة.
-
عمه الكلام الحركي Apraxia of Speech
غالباً ما يستخدم الاختصاصيون في علم الأمراض هذا التعبير للدلالة على الحاق ضرر بالأداء الإرادي لنطق الكلام وايقاعه. ويتصف هذا النمط من العمه الحركي بحصول أخطاء متنافرة إلى حد كبير.
-
الاضطرابات الكلامية غير المتسّقة Dysarthria
تشير حالة الإعاقة هذه إلى مجموعة من الاضطرابات الكلامية الناجمة عن الضعف والبطء أو عدم تناسق آلية الكلام بسبب الضرر الذي لحق بجزء من أجزاء الجهاز العصبي، وهو أمر قد يفضي إلى حدوث اضطرابات لبعض عمليات الكلام الأساسية أو جميعها مثل: النطق التنفسّي والرنين واللفظ والايقاع. إذن فهذا الشكل من الإعاقة يعتبر بمثابة اضطراب يتصل بالتفوه بالكلام وليس اضطراباً متصلاً بشكل مباشر باللغة مثل استخدام مفردات اللغة أو القواعد. إن الأخطاء الكلامية الناجمة عن هذه الإعاقة تتصف بكونها متناسقة إلى حد كبير من حالة لأخرى، وبذا تختلف عن عمه الكلام الحركي.
-
فقدان الذاكرة Dementia
فقدان الذاكرة حالة يتم بموجبها الحاق الضرر بالذاكرة والتفكير والشخصية والتبصّر Insight. وتنجم هذه الحالة عن ضرر أو مرض يلحق بالدماغ وتتصف بعض أنواع هذا النمط من الإعاقة بكونها مستفحلة مثل مرض الزهايمر ومرض بيكس Picks، وبعض أنواع مرض باركنسون. إن ما يلحق باللغة من أضرار يعتبر أمراً بارزاً في مختلف أشكال فقدان الذاكرة. بيد أن تلك الأضرار تغدو أمراً ثانوياً إذا ما أخذنا بالحسبان الخسارة الذهنية الأكثر اتساعاً. ولأن فقدان الذاكرة يمثل في الغالب اعتلالاً مستفحلاً فإن التكهّن به يختلف تماماً عن التكهن بالحبسة الكلامية.
ما عدد الناس المصابين بالحبسة الكلامية؟
تشير الاحصاءات إلى أن حوالي مليون شخص أمريكي مصابون بالحبسة الكلامية الناجمة في أغلبها عن تلقي ضربة، كما تصيب الحبسة الكلامية حوالي ثلث الأشخاص المصابين بأضرار بالغة في الرأس.
مَنْ هم الأشخاص الذين تصيبهم الحبسة الكلامية؟
يمكن أن تصيب الحبسة الكلامية الأشخاص في أي عمر أو جنس أو عرف أو قومية؛ ولا تعتبر المهنة أو الثقافة عوامل جوهرية في هذا الشأن.
هل يمكن أن تكون الحبسة الكلامية مؤقتة؟
نعم، فالحبسة الكلامية المؤقتة التي تدعى (الحبسة الكلامية الزائلة) Transient Aphasia تشير إلى مشكلة اتصال مستمر فترة لا تتجاوز ساعات أو أيام معدودة فحسب. إن أكثر من نصف أولئك الذين يظهرون أعراض الحبسة الكلامية، بشكل أوّلي، يتعافون تماماً في غضون الأيام القليلة اللاحقة.
هل يمكن منع الحبسة الكلامية؟
لا توجد ثمة خطوات محددة يمكن اتخاذها لمنع حصول الحبسة الكلامية في حال حصول ضربة أو صدمة للرأس، حيث تتقرر الحالة وفق موقع منطقة الضرر في الدماغ وحجمها.
هل يمكن معالجة الحبسة الكلامية؟
لا يوجد حتى الآن علاج أو أدوية معروفة لمعالجة الحبسة الكلامية، وتغدو الجراحة عملية ناجحة في تلك الحالات التي يؤثر فيها الضغط الناجم عن ورم دماغي أو ورم دموي على مركز الكلام. غير أن الجراحة تعتبر غير نافعة في حالات الحبسة الكلامية التي تعقب حدوث الضربة، وهو ما يمثل الغالبية العظمى للحالات. وغالباً ما يقدم العلاج النفسي للأشخاص المصابين بالحبسة الكلامية، غير أن ذلك لا يضمن (علاجاً) حيث ينصب غرض العلاج النفسي الكلامي على مساعدة المريض على استخدام المهارات الباقية بشكل تام وكذلك في تعلّم وسائل اتصال تعويضية.
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.