الإعاقة حقيقة، والأشخاص المعاقون موجودون في كل المجتمعات وبدون استثناء، وصحيح أن الاهتمام بالإعاقة في تزايد مستمر ـ والحمد لله ـ ولكن يبقى بالامكان تقديم المزيد، إن النقطة الأهم في أبحاث الإعاقة تكمن في دراسة الأسباب المؤدية لحدوثها، وطرق تلافي ذلك، بحيث نبعد شبح الإعاقة قدر المستطاع.
تصنّف الإعاقات بشكل أساسي إلى ثلاثة أنواع: أولها الإعاقات الجسدية، وثانيها الإعاقات العقلية، وثالث الأنواع الإعاقات الحسية التي تشتمل على ضعف أو فقدان للسمع أو النطق أو النظر.
وقد تكون الإعاقات معزولة في عضو أو طرف أو جزء أو وظيفة ما في البدن، وقد تكون مختلطة تشتمل على إعاقتين أو أكثر عند الشخص نفسه، وتدخل الأسباب المتعلقة بالوراثة ضمن العوامل المؤدية لأي نوع من أنواع الإعاقات التي ذكرناها، إن العامل السببي الوراثي قد يكون على شكل مرض وراثي أو خلقي أو على شكل مرض له علاقة بالوراثة بشكل ما، بحيث يحدث خلل أو قصور في أحد أجهزة أو أعضاء الجسم، كما أن الإصابات الوراثية وبسبب طبيعتها المزمنة تؤثر على الإنسان جسدياً ونفسياً، ناهيك عن تأثيرات الإعاقة الناجمة عن الإصابة.
إن النظرة التأملية لواقع الإعاقات تكشف لنا أن العوامل الوراثية ـ أو التي لها علاقة بالوراثة ـ تدخل ضمن أسباب الإعاقات الجسدية، والتي تشكل ثلث حالات الإعاقة في المملكة العربية السعودية، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر أن العديد من الإصابات العصبية أو حالات التشوهات، أو حتى الإصابات الدموية أو العضلية مثل حثل دوشن Dochene العضلي وحثل بيكر Becker، أو الاستقلابية مثل داء بومب Pompe، وداء فان جيرك Von Gierke أو حالات أخرى مثل الضمور العضلي الشوكي Werdnig Hoffmann، وعسر المقوية الذاتية العائلي Riley-Day والوهن العضلي الوخيم، وغير ذلك كثير تؤدي لحصول إعاقة جسدية بشكل أو بآخر.
أما الأسباب العقلية فقد بات من المؤكد أن الأمراض الوراثية وما دار بفلكها تتدخل في إحداثها بشكل صريح أو بشكل لا مباشر، وكمثال على ذلك نذكر الأمراض العصبية الوراثية والكثير من حالات الإعاقة الذهنية وحالات صغر الرأس الوراثي العائلي ذي الوراثة المقهورة والذي يحدث بنسب لا يستهان بها، وهناك حالات قاهرة أندر، وهناك الإعاقات العقلية التي تتعلق بالمتلازمات الصبغية، والحالات المؤدية للإختلاجات وما أكثرها، والكثير من الأمراض الاستقلابية الوراثية وغير ذلك من العلل التي تطول قوائمها، وللذكر نقول إن الإعاقات العقلية تشكل نسبة تقرب من العشر من مجموع الأشخاص المعاقين في المملكة العربية السعودية.
ولو وجهنا البصر صوب الإعاقات البصرية، لرأينا ـ وبلا شك ـ كيف أن الأسباب الوراثية وبعض الأمراض التي تؤثر على أجهزة أخرى في الجسم مثل الوهن العضلي الوخيم وداء ألبورت Alport وداء فابري Fabry ومرض لوي Lowe، وإصابات عدسة العين الوراثية وبعض الإصابات الشبكية والزرق العيني الوراثي، وكذلك بعض حالات سرطان الرتينو بلاستوما الذي يصيب العين،.. إن الإعاقات البصرية تشكل ما يقرب من (30%) من حالات الإعاقة في المملكة العربية السعودية.
أما بالنسبة للإعاقات السمعية والتي تشكل ما ينوف على عشر حالات الإعاقات في المملكة، فالأمر فيها مماثل، حيث أن العلل الوراثية أو الأمراض المرتبطة بالوراثة تدخل ضمن أسبابها. لقد تبين أن (50%) من حالات نقص أو فقد السمع عند الأطفال هي مقررة وراثياً، ويمكن للإصابات أن تترافق بتشوهات أخرى، أو أنها تكون جزءاً من متلازمة سريرية، كما أن نقص السمع قد يحدث مع شذوذات في الأذن الخارجية والعين ومع اضطرابات استقلابية وعضلية هيكلية وكلوية وعصبية، ومن الأمثلة الشائعة متلازمة بندر Pendred وأوشر Usher ووردنبرغ Waardenburg وألبورت Alport، وهناك شذوذات صبغية عديدة يمكن أن تترافق بذلك وتفصيلها يخرج عن نطاق بحثنا.
إن الطفل الذي يكون أحد أبويه مصاباً بالصمم العائلي معرض لخطر حدوث الإصابة، والوراثات التي تنتقل عبرها الإصابة مختلفة. إن نقص السمع العائلي من النمط المقهور يشكل (70% ـ 80%) من حالات نقص السمع الحسي العصبي الوراثي، وهذا النمط تمكن الوقاية منه إلى حد كبير والحمد لله.
وأخيراً فإن الأسباب الوراثية موجودة أيضاً كعوامل مؤدية لحدوث الإعاقة النطقية، وحالات الإعاقة بالنطق تشكل ما لا يقل عن (13%) من مجموع حالات الأشخاص المعاقين في السعودية، ومن الأمثلة نذكر العديد من الأمراض الوراثية التي قد تؤدي لصعوبات كلامية.
إن التعامل مع الإعاقة يختلف حسب الزمان والمكان، وبالتالي حسب المجتمعات، وكلما ازداد اهتمام المجتمع بفئة الأشخاص المعاقين وأولاهم رعايته كان ذلك المجتمع ذا مكانة عالية في سلم الرقي الحضاري، أقول ذلك لأنه لا يكفي أن نتعامل مع الواقع الذي تمثله الإعاقة الآن في مجتمعاتنا، بل النظرة وما يتبعها من عمل يجب أن يكونا بشمولية مع استشراف لآفاق المستقبل بحيث نجعل الأجيال القادمة تنعم بنقص نسب ومعدلات حالات الإعاقة ـ بإذن الله، وفي الوقت نفسه نرسخ الأسس والقواعد المتينة التي تخدم الشخص المعاق الآن وغداً، وبحيث يعيش هذا الشخص وذووه في جو تفاؤلي أكبر.
إن علوم الوراثة ستقدم ـ إن شاء الله ـ الكثير في مجال خدمة الأشخاص المعاقين، وقاية وعلاجاً، لا بل إنها وعبر الدراسات العديدة والقوية قد قدّمت بالفعل إرشادات قابلة للتطبيق في سبيل تلافي الكثير من الإعاقات، وربما تكون الخدمة الأكبر التي تنتظر التنفيذ هي الحد من حالات زواج الأقارب التي تحتمل الخطورة، أو حتى من حالات الزواج بين أشخاص ليسوا بأقارب ولكنهم يحملون مورثات متشابهة قد تؤدي لظهور المرض عند الأبناء، سيما إذا علمنا أن الكثير من الأمراض الوراثية التي تؤدي لإعاقات تنتقل بأنماط وراثية تمكن الوقاية منها.
إن الأمراض الوراثية وأشباهها تشكل مصدراً خصباً لحالات الإعاقة، والترابط وثيق بين الأمرين، والجهود المبذولة في سبيل معرفة الأسرار الوراثية، وفي سبيل تحقيق الوقاية من الأمراض الوراثية، لابد وأن تصب في النهاية في خدمة قضية الإعاقة ـ بإذن الله.
من مواليد صماخ ـ حماة في سورية عام .1965
حائز على شهادة الطب البشري MBBCH، وعلى شهادة الماجستير MA في طب الأطفال من جامعة دمشق، وعلى شهادة البورد العربي (الدكتوراه Ph) في طب الأطفال من المجلس العربي للإختصاصات الطبية، وعلى الزمالة البريطانية في طب الأطفال AMRCPCH من لندن.
يتمتع بعضوية العديد من الهيئات والجمعيات العلمية والطبية والمهنية والإنسانية العالمية.
حاضر في العشرات من المؤتمرات والندوات والمحاضرات العلمية والطبية والأدبية في العديد من البلدان، وساهم بتقديم دورات تدريبية للأطباء.
له العشرات من الكتب والأبحاث والدراسات والمؤلفات والقصص.
حاز على براءة اختراع لتصميمه تقنية جديدة تمكن الشخص الأعمى من استخدام الحاسوب (الكمبيوتر) وما يتبعه من نظم.
نال العديد (15) من الجوائز وشهادات التقدير والشكر والثناء من جهات رسمية ومهنية وعلمية وطبية عديدة.
له أكثر من (1200) مقالة منشورة في أكثر من ستين من المجلات والصحف والدوريات في الدول العربية والدول الأوروبية، بالإضافة إلى مئات المقالات على العشرات من مواقع الإنترنت.
له سبق في مجال إدخال خدمات الطب عبر الإنترنت إلى المنطقة العربية.
عمل سابقاً كمدير لأحد مراكز الأبحاث.
يعمل حالياً كاستشاري في طب الأطفال وحديثي الولادة وأمراض الوراثة عند الأطفال في مجمع الأسد الطبي في مدينة حماة.