إعداد: علا محمود محمد
إن فهم العلاقة القائمة بين النمو اللغوي والعوامل التي تؤثر فيه يتيح ويسهل لنا إمكانية التعرف على هذا النمو تقويمًا وضبطًا وتوجيهًا.
بل إن التعرف على هذه العوامل يتيح لنا معرفة الأسباب الكامنة وراء اختلاف النمو اللغوي بين الأفراد بعضهم البعض أو بين جماعات مختلفة أو بين جنس وجنس، كما يفيد ذلك في إمكانية التعرف على أهم أسباب القصور في النمو اللغوي (في حالات الاضطراب) ومعالجة تلك الأسباب وكذلك أسباب التفوق مما يساعد على إثرائها والمحافظة عليها.
ثمة عوامل عدة تؤثر في النمو اللغوي للطفل يمكن تقسيمها إلى مجموعتين:
- العوامل الذاتية (الخاصة بالطفل).
- العوامل البيئية (الخاصة بمجتمع وثقافة الطفل).
وقبل أن نتناول هذه العوامل بشيء من التفصيل يجب أن نشير إلى ضرورة توفر شرطٍ من الأهمية بمكان وهو سلامة أعضاء النطق والكلام والجهاز العصبي والحواس لدى الطفل.
أولاً – العوامل الذاتية:
النضج والعمر الزمني:
يتهيأ الطفل للكلام عندما تبلغ أعضاء الكلام والمراكز العصبية لديه درجة كافية من النضج، فالطفل لا يستطيع تعلم الاستجابات اللغوية إلا بعد أن يصل من الكبر والنضج إلى حد كافٍ يسمح له بتعلمها، فالنضج هو الذي يحدد معدل التقدم، كما يزداد المحصول اللفظي للطفل كلما تقدم في السن، ويكون فهمه دقيقًا، وتتحدد معاني الكلمات في ذهنه. ويعود الارتباط بين العمر والنضج لدى الطفل إلى نضج الجهاز الكلامي والنضج العقلي.
وقد أثبت العديد من العلماء “سايلر” و”سيجنايزرمان” و”أودنيل” أن عدد الأخطاء في الكلام يتناقص تدريجيًا تبعًا لدرجة النضج التي يصلها الطفل، كما أن عدد المفردات وطول الجملة يزداد وفقًا لنموه العقلي والزمني، كما أن تعقيد التراكيب اللغوية (وهو مؤشر من مؤشرات النمو اللغوي) يزداد بازدياد العمر.
يمكن تلخيص المؤشرات المستخرجة من العديد من الدراسات في هذا المجال كالتالي:
- ازدياد عدد الكلمات التي يستخدمها الأطفال بتقدم العمر.
- بطء وقلة المحصول اللفظي للطفل في أول سنتين، ثم الإسراع والتزايد فيما بعد نظرًا لعمر الطفل وتقدم نموه في النواحي الأخرى.
- كلما تقدم الطفل في العمر يزداد طول الجملة لديه.
- هناك علاقة بين نمو المفاهيم عامة وتقدم الطفل في العمر.
الذكاء والنمو اللغوي:
مهما اختلفت تعريفات الذكاء، فإن المتفق عليه بين علماء النفس أن مفهوم الذكاء يرتبط بطريقة أو بأخرى “بالقدرة على حل المشكلات”، والقدرة على تناول المجردات.
والملاحظ أن الأطفال الذين يجيدون التعامل مع المشكلات وتناول المجردات هم الأطفال الذين لديهم قدرة لغوية وعددية عالية.
وقد أثبتت غالبية الدراسات وجود علاقة بين اللغة والذكاء، فالأطفال المتفوقون يبدأون الكلام قبل غيرهم.
وقد أوضحت الدراسات العديدة التي قام بها كثير من العلماء أن الأطفال الأذكياء جداً (درجة الذكاء 140 فما فوق) يتكلمون قبل الأطفال ذوي الذكاء العادي، ويتمكن ذوو الذكاء العادي من الكلام قبل ذوي الذكاء المنخفض، وهكذا نجد أن البحوث التي درست العلاقة بين التطور اللغوي وعامل الذكاء كشفت عن علاقة ارتباط قوية وموجبة بين المتغيرين.
كما أن الأطفال الأذكياء يميزون كلمات أكثر من الأطفال متوسطي نسبة الذكاء، وهؤلاء بدورهم يميزون كلمات أكثر من ذوي نسبة الذكاء المنخفضة، إلى جانب تأخر الأطفال الأقل ذكاء في القدرة على التمكن من الكلمات والتراكيب، وحجم المفردات وطول الجملة واستخدام المعاني المجردة وإدراك الفروق بين المعاني المختلفة.
الصحة العامة:
إن الحالة الصحية للطفل تؤثر في عمليات نموه المختلفة، فكلما كان الطفل سليمًا من الناحية الجسمية كان أكثر نشاطًا، ومن ثم يكون أكثر قدرة على اكتساب اللغة.
ووجد أن أي تأخير في النمو الحركي Motor Development في مرحلة الطفولة المبكرة بسبب المرض ينتج عنه قلة اللعب بالأصوات في المرحلة الخاصة به.
كما وجد أن الطفل ذا الصحة السليمة يمتلك في سن معينة الطاقة التي تؤهله لفعاليات تجعل كلامه ممكنًا. هذا بالإضافة إلى أن سلامة أعصابه وأعضائه السمعية تمكنه من فهم معاني الكلمات، ويمتلك القدرة على إحداث الأصوات والكلمات بصورة واقعية ومناسبة.
وأثبتت الأبحاث أن هناك علاقة إيجابية كبيرة بين نشاط الطفل والنمو الكلامي. ومما لا شك فيه أن أي عجز في أجهزة الكلام والسمع يؤثر على النمو اللغوي للطفل، والدليل على ذلك حالات الصمم وما يتبعه من صعوبة في الكلام، وكذلك الزوائد الأنفية وأمراض اللوزتين وعيوب الفم واللسان إلى جانب مشكلات المراكز العصبية.
والسمع الجيد ضروري لنمو الكلام، فالطفل الأصم تمامًا يكون غير قادر على التكلم، كما أن المرض الشديد والطويل خلال أول سنتين من العمر يجعل الطفل متأخرًا في بدء الكلام واستخدام الجمل، وقد يرجع ذلك إلى عزلة الطفل وقلة اتصاله وتفاعله مع الآخرين، مما يقلل الفرص المتاحة أمامه لتعلم الكلام، فالملاحظ أن الأطفال الأصحاء يتعلمون الكلام أسرع نظرًا لدافعيتهم العالية القوية للاتصال بالآخرين.
الجنس:
تؤكد أغلب الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن النمو اللغوي عند البنات أسرع مما هو لدى البنين، وخاصة في السنوات الأولى من العمر، وقد لوحظ أن البنات عامة يبدأن المناغاة قبل البنين، وأن لديهن قدرة على تنويع الأصوات أثناء المناغاة أكبر من البنين.
ويستمر تفوق البنات خلال مرحلة الرضاعة على البنين في كل جوانب اللغة (بداية الكلام، عدد المفردات اللغوية، طول الجملة ودرجتها في التعقيد، وعدد الألفاظ الصوتية المستخدم).. وكلها مؤشرات هامة للنمو اللغوي، غير أن هذه الفروق تقل وضوحًا مع التقدم العمر.
كما أشارت الدراسات إلى تفوق البنات على البنين في الطلاقة اللغوية وسهولة الكتابة والتهجي والقواعد وصياغة الألفاظ، إلا أن هذا الفرق سرعان ما يقل حتى يوشك على الاختفاء عند سن (72) شهرًا.
أما فيما يتعلق باضطرابات الكلام وعيوبه، فيبدو واضحًا أنها مألوفة أكثر لدى البنين مما لدى البنات، فقد تبين أن نسبة البنين ممن لديهم عيوب كلامية كالتلعثم تبلغ أربعة أو خمسة أضعاف نسبة البنات اللائي لديهن مثل هذه العيوب.
ويشير ميللر إلى أنه في معظم مستويات الأعمار كان كلام البنين أقل وضوحًا، وتكون نسبة الكلام المفهوم في سن سنة ونصف 38 % لدى البنات، في حين تبلغ 14 % لدى البنين ولعل ذلك يفسر لنا شيوع الفكرة المتعلقة بكون المرأة كثيرة الكلام.
وقد فسرت “مكارثي” تفوق البنات على البنين، بأن البنات في بداية تعلم اللغة يبدأن التوحد بالأم، بينما يتوحد البنين بالأب، ونظرًا لأن الأب في الغالب يكون بعيدًا عن المنزل أكثر من الأم، فإن البنين يحصلون على اتصال أقل مع الأب، فالعلاقة الوطيدة مع الأم وابنتها في المنزل (وهي لا تتوفر للطفل الذكر بنفس الدرجة) تساعد البنت على تعلم الكلام في وقت مبكر وبصورة أفضل.
يتبع في العدد القادم عن العوامل البيئية
المراجع:
- https://www.hopkinsallchildrens.org/Patients-Families/Health-Library/HealthDocNew/Delayed-Speech-or-Language-Development
- https://www.asha.org/public/speech/disorders/Late-Blooming-or-Language-Problem/
- https://www.aafp.org/afp/1999/0601/p3121.html
- https://www.asha.org/practice-portal/clinical-topics/late-language-emergence/
علا محمود محمد ـ السيرة الذاتية
- اسمي علا محمود محمد، ولدت في مصر وتخرجت من كلية الآداب في جامعة عين شمس سنة 1999 وحصلت على ليسانس في علم النفس واجتزت دورة التأهيل التخاطبي بوحدة أمراض التخاطب بقسم الأذن والأنف والحنجرة بكلية الطب جامعة عين شمس من 1-9-2007 وحتى 1-11-2010.
- أعمل بوظيفة اختصاصي تخاطب في مدرسة الوفاء لتنمية القدرات التابعة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو في مجلس التخاطب في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- لدي العديد من النشاطات العلمية على مستوى مجلس التخاطب وعلى مستوى تدريب الأسر على فنيات العمل مع الأبناء.
- شاركت في التنسيق والمتابعة لعقد جلسات العلاج بالموسيقي للاختصاصيات من جامعة ايوا من كوريا الجنوبية خلال الفترة من 19 يناير إلى 15 ابريل 2015.