إعداد : أ. صالح سعيد باحشوان
sbahashwan31@gmail.com
لم يكن لدى والد آدم أدنى شك أن نتيجة التقييم التي أوصت بها إدارة المدرسة لابنه آدم، نظراً لتكرر سلوكه السيء المتمثل في عدم طاعة آدم لأوامر المعلمة، أنها ستشير إلى أن ابنه موهوب ويجب أن يتلقى الخدمات التي تقدم عادة للموهوبين لرعايتهم والاستفادة من مواهبهم وتنميتها حيث أن ابنه، وإن كان في الصف الثالث الابتدائي، إلا أن مهارات القراءة عنده كانت عالية جداً ويعادل مستواه في القراءة مستوى طالب في الصف الثالث الثانوي. ولكن الأب فوجئ أن نتيجة التقييم كانت أن ابنه مصاب باضطراب “صعوبات التعلم غير اللفظية” Nonverbal Learning Disability. لم يسمع الأب، وكذلك بعض المعلمين، بهذا الاضطراب من قبل (Whitney, R., V., 2002). فما هي صعوبات التعلم غير اللفظية؟
الكثير منا ربما سمع باضطراب “صعوبات التعلم” والتي سوف نطلق عليها هنا صعوبات التعلم اللفظية والتي تشير ببساطة إلى طفل متوسط الذكاء ولكنه يعاني من صعوبات شديدة في اكتساب أو استخدام مهارات القراءة أو الكتابة أو الحساب. أما صعوبات التعلم غير اللفظية فهي مختلفة تماماً وقد تكون أقرب إلى صعوبات التعلم النمائية.
إن الطفل المصاب بهذا الاضطراب قد يبدو في مرحلة ما قبل المدرسة بأنه عالِم صغير فهو يعرف العديد من الكلمات، ويتكلم في مواضيع قد تكون أكبر من عمره، ويحفظ الكثير من القصص والأمثال التي يسمعها من الكبار من حوله. لذلك يعتقد والداه والآخرون من حوله بأن مستقبلاً باهراً ينتظر هذا الطفل عندما ينخرط في الصفوف الدراسية. ولكن مع تقدمه في العمر يلاحظ الوالدان والمعلمون بعض جوانب القصور والتي تتمثل غالباً في المهارات البصرية الحركية، وفي ضعف المهارات الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين، وفي حل المشكلات في مواقف الحياة اليومية (محمد، أمل حسين، 2018).
يعرف محمود الطنطاوي (مجلة الطفولة العربية، 2015، العدد 62) صعوبات التعلم غير اللفظية بأنها ” اضطراب عصبي ناتج عن أوجه القصور المختلفة المرتبطة باختلال التوظيف في نصف الكرة الأيمن من المخ وتظهر في شكل مجموعة منوعة من القصور تؤثر في توظيف الجوانب غير اللفظية للفرد التي تتمثل في المهارات البصرية المكانية، والتآزر النفسي الحركي، والإدراك اللمسي، وحل المشكلات غير اللفظية، والمهارات الاجتماعية. ويمتلك الأفراد ذوو صعوبات التعلم غير اللفظية نسبة ذكاء متوسطة أو فوق المتوسطة وقد يظهر القصور المعرفي في شكل قصور في الوظائف التنفيذية، والانتباه البصري، والذاكرة، وحل المشكلات الجديدة، وتكوين المفهوم، كما يحدث القصور الأكاديمي وهو أمر شائع في الكتابة، والفهم القرائي، والتعبير الكتابي، كما تنتشر المشكلات النفس اجتماعية بينهم والتي تتضمن: قصور المهارات الاجتماعية، ومشكلات استخدام اللغة البراغماتية، ومشكلات التوافق مع المواقف الجديدة. ومن هذا التعريف ومن غيره من التعريفات يمكن استنتاج أن العلماء لا يتفقون على تعريف محدد لصعوبات التعلم غير اللفظية ولكن معظمهم يقولون أنه لابد من توفر هذه السمات التالية:
- فارق كبير “في اختبارات الذكاء” يقدر بعشر درجات على الأقل، بين القدرات اللفظية المتطورة والقدرات غير اللفظية الضعيفة (Spreen, 2011)
- ضعف واضح في المهارات البصرية المكانية والتي تؤثر بدورها على وجود ضعف واضح في مهارات الرياضيات وفي تطور المهارات الحركية (المصدر السابق).
- تأخر في المهارات الاجتماعية وفي استخدام مهارات اللغة اليومية (محمود الطنطاوي في مجلة الطفولة العربية العدد 62).
ترى (محمد، أمل حسين، 2018) أن صعوبات التعلم غير اللفظية تتمثل في قصور مهارات عديدة مثل القدرات الإدراكية اللمسية، التوازن النفس حركي، والتنظيم الإدراكي البصري. كذلك يرى (Ramona Cardillo, 2020) أن الأفراد من ذوي صعوبات التعلم غير اللفظية يعانون من قصور واضح في المهارات البصرية المكانية. لذا فهم يواجهون تحديات ذهنية عند أداء المهام التي تتطلب استخدام القدرات البصرية المكانية مثل مواد الهندسة والعلوم والرياضيات والجغرافيا.
مظاهر صعوبات التعلم غير اللفظية تأخذ عدة صور في مراحل العمر المختلفة ففي مرحلة الطفولة Toddler نجد أن الطفل يضيع عن أهله بسهولة، ويتميز بكلمات وألفاظ أفضل من أقرانه، ولا يبذل جهداً في اكتشاف البيئة أو الأشياء من حوله (الطنطاوي، 2015)، أو قد يبدو مستهتراً في تحركاته مثل أن يصطدم بالناس أو الأشياء من حوله (Whitney, 2002). في مرحلة ما قبل المدرسة يتمكن الطفل بسرعة وبسهولة من تعلم مهارات القراءة والتهجي، ويسأل أسئلة كثيرة، وينجذب إلى البالغين أكثر من تفاعله مع أقرانه (Rosenblum, S. et al. 2018)، ولا يتأقلم بسهولة مع المتغيرات (Molenaar-Klumper, M., 2002).
أما في مرحلة الدراسة الابتدائية فإنه قد يجد صعوبة في فهم مقاطع القراءة، في الوقت الذي يستطيع فيه أن يحفظ الكثير من الحقائق التي يستخدمها في الحديث مع الآخرين، كما يجد صعوبة في الرياضيات خصوصاً في المسائل الحسابية التي يتوجب فيها الانتباه إلى خانات الأرقام. كذلك قد يخطئ هذا الطفل في فهم الإشارات الاجتماعية ذات الدلالات المختلفة والتي لا تدل على المعنى الحرفي لها مثل أحاديث التهكم والسخرية، ويتكلم مع الكبار بنفس الطريقة التي يتكلم بها مع أقرانه الصغار (Connell, D., 2003).
أما في مرحلة الدراسة المتوسطة فإن هذا الطفل يجد صعوبة في تنظيم أفكاره عند الكتابة، ويجد صعوبة في كتابة ملاحظاته أثناء شرح المعلمين، ويبدو أنه غير مستعد عندما يشرح المعلمون الدروس، ولا يستطيع استيعاب أو تصور الأفكار المجردة، وتبدأ متاعبه الاجتماعية والعاطفية عندما يجد أنه لا يفهم لماذا يتجنبه أقرانه (Rourke, B., P., et. Al., 2002).
في مرحلة الدراسة الثانوية نجد أنه قد يطور بعض العادات أو السلوكيات القهرية ليتغلب على مشاعر القلق التي تنتابه عند التفاعل مع الآخرين، كما تزداد معاناته من الاكتئاب والقلق، نظراً لما يجده من صعوبة في تكوين الأصدقاء والمحافظة عليهم (الموقع السابق).
في مرحلة ما بعد البلوغ يجد هذا الشاب صعوبة في إكمال المتطلبات الجامعية أو أداء الأعمال المطلوبة منه في العمل، كما يجد صعوبة في إقامة وتكوين العلاقات الاجتماعية أو الارتباط بالآخرين من حوله، ويجد صعوبة في حل المشكلات التي تواجهه أو التأقلم مع المتغيرات من حوله، كما أنه لا يترك أثراً إيجابياً عن نفسه عند اللقاء مع آخرين للمرة الأولى وكذلك عند إجراء المقابلات الوظيفية (الموقع السابق).
تتشابه أعراض صعوبات التعلم غير اللفظية مع بعض أعراض الاضطرابات الأخرى مثل اضطراب الاسبرجر ، واضطراب المادة البيضاء الدماغي، اضطراب ص ت النمائي للجانب الأيمن من الدماغ (Spreen, 2011)، ولذلك ولتشخيص صعوبات التعلم غير اللفظية فإنه يفضل استخدام العديد من أساليب التقييم المعروفة مثل تقييم طبي ونمائي لكل طفل، اختبارات الذكاء (وكسلر Wechsler للأطفال أو وكسلر لما قبل المدرسة)، اختبار بيندر Bender للتآزر الحركي البصري، دراسة حالة وتشمل التاريخ الأسري والتعليمي، مقابلات للوالدين والمعلمين، اختبار كونورز Conner’s لتقييم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (للوالدين والمعلمين)، تقييم تحصيلي للطلاب في مواد القراءة والكتابة والحساب، تقييم عصبي (خصوصاً للعضلات الدقيقة)، تقييم مهارات التخاطب، تقييم مهارات التواصل (خصوصاً التواصل البصري) (Mammarella & Cornoldi, 2014).
يقولByron Rourke (Rourke, et al., 2002) العالِم الكندي الذي قضى أكثر من أربعين عاماً من عمره وهو يدرس هذا الاضطراب، إنه إذا لم يتم التدخل المناسب للتغلب على الصعوبات التي يعاني منها هؤلاء الأفراد من جراء هذا الاضطراب فإنهم سيتعرضون لمجموعة من التأثيرات السلبية على حياتهم.
فعلى سبيل المثال فإن الصعوبات الأكاديمية مثل صعوبة فهم المادة المقروءة سوف تجعل من الصعب على الفرد المصاب بهذا الاضطراب أن يحصل على أو يحتفظ بوظيفة مناسبة. كما أن الصعوبات التي يلاقيها في فهم وتفسير المثيرات غير اللفظية وتعابير الوجه سوف تجعل من الصعب عليه إقامة علاقات قريبة وقوية مع الآخرين، وقد يصعب عليه إيجاد شريك الحياة المناسب مما قد يدخله في موجة من الاضطرابات النفسية والعاطفية التي تشمل الاكتئاب والقلق أو العديد من الاضطرابات النفسية الأخرى (Whitney, R. V., 2002).
لذلك ينصح باستخدام طرق التدخل والعلاج المناسبة والتي تشمل تطوير خطة مناسبة لحالة كل فرد حسب نقاط القوة والضعف التي لديه، هذه الخطة يجب مراجعتها وتقييمها بعد كل فترة لأن احتياجات الفرد تتغير حسب كل مرحلة زمنية يمر بها.
الخطة يجب أن تشمل تطوير المهارات الاجتماعية، ومهارات الانتباه، ومهارة التنظيم، والتخطيط، والتغلب على ضعف المهارات الحسابية (Whitney, R. V., 2002 ). طلاب صعوبات التعلم غير اللفظية يجدون صعوبة في توقع مستوى الأداء المطلوب منهم في المدرسة، لذا يجب تزويدهم بنماذج ومعايير الأداء المطلوبة من التكليفات والواجبات التي يطلبها المعلمون (Rubrics) (Tanguay, P. B., 2002). كذلك ترى Tanguay, 2002 أن طالب صعوبات التعلم غير اللفظية لديه أسلوب أحادي في التعلم بمعنى أنه يجد صعوبة في فهم وهضم المعلومات التي يتلقاها من أكثر من حاسة في وقت واحد (Simultaneously). لذلك فهي ترى أن أسلوب التعلم المعتمد على دمج الحواس غير مجدٍ لهؤلاء الطلاب، وأن استخدام الحواس المتعددة في التعلم لا ينبغي أن ينافس قدرة الطالب على الاستماع إلى شرح المعلمين فهي من نقاط قوة الطالب. ولأنهم يجدون صعوبة في دمج القطع الصغيرة وتحويلها إلى كل متكامل فإن هؤلاء الطلاب يحتاجون إلى تحديد ومعرفة السياقات المناسبة، أو دمج المعلومات في مفهوم واحد ليكتمل البناء المعرفي لديهم (Tanguay, 2002).
المراجع
- الطنطاوي، محمود محمد، صعوبات التعلم غير اللفظية: توجهات وقضايا حديثة. مجلة الطفولة العربية، مج. 16، ع. 62، مارس 2015.
- محمد، أمل حسين، (2018)، برنامج تدريبي لتحسين بعض المهارات الأكاديمية والسلوك التكيفي لدى الأطفال ذوي صعوبات التعلم غير اللفظية. رسالة ماجستير غير منشورة، قسم التربية الخاصة، كلية التربية، جامعة عين شمس.
- Cardillo, R., Vio, C., & Mammarella, I., C., (2020), A comparison of local-global visuospatial processing in autism spectrum disorder, nonverbal learning disability, ADHD, and typical development, Research in Developmental Disabilities 103, 103682
- Connell, D. (2003) The Invisible Disability, The Instructor Magazine, September, Vol. 113, Issue 2
- Mammarella, I., C., & Cornoldi, C., (2014), An analysis of the Criteria used to Diagnose Children with Nonverbal Learning Disability. Child Neuropsychology, Vol. 20, N0. 3, 255-280
- Molenaar-Klumper, M., (2002), Non-Verbal Learning Disabilities: Characteristics, Diagnosis and Treatment within an Educational Setting. Jessica Kingsley Publishers, London: UK
- Rosenblum, S., Piran, M., Meyer, S., & Sachs, D. (2018), Normative or Heavy Clouds? Early Indicators of Nonverbal Learning Disability Based on Mothers’ Reports. The Open Journal of Occupational Therapy, 6 (2).
- Rourke, et al., (2002), Child Clinical/Pediatric Neuropsychology: Some recent Advances, Annu. Rev. Psychol, 53: 309-39).
- Spreen, O., (2011), Nonverbal Learning Disabilities: A critical review, Child Neuropsychology, 17 (5), 418-443.
- Tanguay, P. T., (2002), Nonverbal Learning Disabilities at School: Educating Students with NLD, Asperger Syndrome, and Related Conditions. Jessica Kingsley Publishers, London and Philadelphia
- Whitney, R. V., (2002), Bridging the Gap: Raising a Child with Nonverbal Learning Disorder. The Berkley Publishing Group, NY New York 10014
























