وتأثيرها على ذوي صعوبات التعلم وبعض الفئات الأخرى من ذوي الإعاقة
تعد الاختبارات بكل أنواعها أحد المعايير والمقاييس الهامة التي يُعرف بها أداء الفرد في مجال معين مقارنة بالآخرين في ذات المجال، وهذه الطريقة في القياس تكشف نقاط الضعف والخلل ليتم معالجتها قدر الإمكان، أو الاستفادة منها وتوظيفها فيما يلائمها إن كانت مواطن قوة، وتتنوع الاختبارات بين مقننة ومحكمة وغير مقننة أو محكمة، وتتعدد طرائقها، وتختلف أهدافها بحسب ما وضعت له، وسوف أعرض في السطور التالية عدداً من مميزات الاختبارات والمقاييس وعيوبها، مع مناقشة بعض المواقف والأمثلة الفارقة مع فئة ذوي صعوبات التعلم من طلابنا الأعزاء.
من مميزات الاختبارات أنها تعطي مقياساً رقمياً يساهم في تكوين صورة ذهنية مرتبطة بهذا الرقم؛ حيث ارتبط الرقم مائة بالكمال التام عندما يكون الحد الرقمي الأعلى للاختبار هو مائة، وإن لم يكن الرقم مئوياً فسرعان ما يتم تحويله إلى رقم نسبي من مائة لإصدار حكم على هذا الناتج الذي أراد التمرد والخروج عن المألوف، ومن مميزات الاختبارات أيضا أنها تبين للفرد مكان تواجده مقارنة بالآخرين، هل هو متقدم أم متأخر؟ وهذا له مدلول مباشر بأنه إذا كانت الدرجة متقدمة فأنت أفضل من الآخرين والعكس صحيح في اختبارات الذكاء كمثال، كما أنه من السمات الإضافية لها هي وضع النتائج على منحنى الاعتدال الطبيعي لمقارنة الأداء، وملاحظة أي خروج عن الإطار المحدد ضمن هذا المنحنى؛ مما يتيح فرصة للبحث عن تفسير سبب الخروج عن التوزيع الطبيعي في حال حدوث ذلك، ومعالجته إن أمكن.
بالمقابل هناك عدة عيوب للاختبارات ومن ضمنها: أنها قد لا تعكس الواقع الصحيح أحياناً لعدة اعتبارات تختلف باختلاف نوع الاختبار، على سبيل المثال: بعض الاختبارات قد لا تكون مناسبة لبعض البيئات وهذا يعرف باسم التحيز الثقافي؛ حيث أنه عند تطبيق بعض الاختبارات والمقاييس في الولايات المتحدة على فئات متنوعة من الأشخاص ذوي الإعاقة اتضح وجود فارق في النتائج بين أطياف المجتمع، وتعرف هذه الظاهرة بما يسمى (Overidentification) أو (Overrepresentation).
عند الترجمة الحرفية لهذه المصطلحات فإنها تترجم إلى التمثيل الزائد، وهذا قريب من المعنى المقصود بها في نتائج الاختبارات؛ حيث تعني أنه بعد تطبيق هذا الاختبار على فئات متنوعة من الناس يتضح وجود فئة هي الأكثر تضررا بنتائج هذا الاختبار، على سبيل المثال أشارت دراسة كيرن وآخرين إلى أن هناك احتمال أن يتم تشخيص طفل من الأقلية ذات الأصول الأفريقية بنسبة أعلى بثلاث مرات من الطفل الأبيض عند تطبيق اختبارات ومقاييس التربية الخاصة في الولايات المتحدة، كما أشارت دراسة زانج وآخرين والتي فحصت نتائج خمس سنوات متتالية أنه يوجد زيادة بارزة ومثبتة بالأرقام في عدد الأطفال الذين يتم تشخيصهم بصعوبات التعلم من ذوي الثقافة اللاتينية أكثر من غيرهم من الفئات الأخرى بالمجتمع الأمريكي في دراسة شملت كل الولايات بذلك البلد، وهذا يعتبر مؤشراً على وجود خطأ كبير بالاختبار ويسمى بالتحيز العرقي لفئة معينة من الناس تم بناء وتجريب الاختبار عليهم واستثناء الفئات الأخرى من المجتمع؛ ما جعل هذا الموضوع يتطور ويأخذ منحى أبعد من مجرد نتائج اختبار أو دراسة حيث تحول الموضوع إلى شاهد علمي في قضية العنصرية بالتاريخ الأمريكي؛ حيث أن معظم من يتم مناقشة هذه النتائج معهم في المجال الأكاديمي بالولايات المتحدة يربطون هذه النتائج بالتحيز للعرق الأبيض وعنصريته ضد الأعراق الأخرى في ذلك البلد.
ومن عيوب الاختبارات أيضاً هي اللغة المستخدمة في هذا الاختبار وترجمتها إلى لغة أخرى؛ مما يغير من المعنى الأصلي للفكرة أو السؤال، أو عدم وجود هذا المعنى بشكل مباشر في الثقافة الأخرى، على سبيل المثال: أخبرني زميلي أثناء مرحلة الدكتوراه أنه تم تشخيصه ووضعه مع فئة الإعاقة العقلية البسيطة في معهد خاص بالإعاقة الفكرية إلى أن وصل إلى الصف الثالث المتوسط؛ وذلك بسبب عدم إجادته للغة الإنجليزية عندما انتقل والداه من دولة كولومبيا التي تتحدث الإسبانية إلى نيويورك التي تتحدث الإنجليزية؛ لأنه عندما تم تطبيق الاختبار عليه لم يتمكن من الإجابة على الأسئلة المطروحة بسبب عدم فهمه للسؤال المقصود وأيضاً عدم إجادته للغة الإنجليزية مما جعله عرضة للتشخيص الخاطئ الذي صيره لعدة سنوات في مكان غير ملائم لقدراته إلى أن تم اكتشاف قدراته بالصدفة عن طريق معلم يعمل في المركز.
وبالإضافة إلى التحيز اللغوي فإن عدم مراعاة اللهجات المحلية المتنوعة للبلد الواحد يعتبر من العوامل المؤثرة سلباً على نتائج الاختبار والتشخيص. أيضاً من الأخطاء التي تحدث في بعض الدول العربية هي ترجمة المقاييس إلى اللغة العربية، وتطبيقها على البيئة العربية، حتى وإن تم عمل مراجعة لها وتكييف لأبعاد المقاييس المختلفة على البيئة العربية يبقى تصميم وبناء مقاييس مبنية على الثقافة الأصلية أفضل من خيار الترجمة، وإن كان خيار الترجمة حل رائع مؤقت لا ينبغي أن يدوم طويلاً في ظل وجود متخصصين بكافة أفرع هذا العلم في شتى أقطار الوطن العربي.
من العوامل المؤثرة كذلك أن يطبق الاختبار شخص غير متخصص في الاختبارات والمقاييس أو مدرَّب تدريبا كافياً ليقوم بهذه المهمة؛ حيث أن الكثير من الأخطاء تقع بسبب عدم التخصص والخبرة الكافية والتدريب الجيد، وبالتالي فإن نتائج هذا التشخيص تؤثر على الطفل مباشرة وترسم له مستقبلاً متوقعا مشابهاً لكل من حصل على هذا التشخيص في الغالب، مما يعني أن وقوع أي خطأ في التشخيص سيؤدي إلى نتائج وخيمة على الطفل في حال عدم اكتشافها ومعالجتها مبكراً.
ومن الأخطاء التي تحدث مع الأطفال ذوي صعوبات التعلم في بعض الدول العربية هي أن يقوم المعلم وحيداً بتقديم خدمة القياس والتشخيص، وكتابة التقرير، وإصدار حكم نهائي على الطفل، فالمعلم غير متخصص ومؤهل تأهيلاً كافيا لتقديم هذه الخدمة والتي لابد أن تقدم من قبل متخصص وممارس في هذا المجال، بالإضافة إلى أن تقديم المعلم خدمة القياس والتشخيص فهو يقوم بتدريس الطفل وتقييمه وتحديد أهلية استمراره من عدمه بالبرنامج؛ مما يجعل اكتشاف وجود خطأ في مرحلة القياس صعباً نوعاً ما.
ومن الأخطاء في تطبيق الاختبارات والمقاييس هي عدم المراجعة الدورية للاختبار أو نتائجه؛ حيث يجب تطبيق الاختبار مجدداً كل فترة زمنية محددة لملاحظة وتسجيل النتائج ومقارنتها وفق التقدم الزمني للفرد، كما أن غياب فريق العمل أو فريق المراجعة للتقرير النهائي يزيد من نسبة وقوع أخطاء والعكس صحيح، يضاف إلى ذلك أن عدم تطبيق أكثر من اختبار لملاحظة تطابق أو اختلاف النتائج يعتبر عاملاً سلبياً آخر، فنتيجة اختبار واحد تعتبر غير كافية لإصدار حكم نهائي بينما تطبيق عدد أكبر من الاختبارات واستخدام مقاييس متنوعة يجعل من الحكم والتقرير النهائي أكثر مصداقية.
كما أن دور الأسرة يلعب دوراً محورياً في قبول أو رفض نتائج التشخيص، فالأسرة هي أكثر الناس إلماماً بحالة الطفل أو الفرد؛ وذلك بسبب القرب الدائم منه أو البقاء معه لفترة طويلة، ويعتبر حكم الأسرة أكثر صدقاً عندما يتم تحييد العاطفة جانباً؛ لذلك لابد من مناقشة واستشارة الأسرة في نتائج الاختبار بما يناسب الحالة، وأخذ آرائهم بعين الاعتبار، ومن العوامل المهمة أيضا عند القياس والتشخيص وضوح الحقوق والواجبات والإجراءات كاملة من البداية إلى النهاية.
وسأسرد القصة التالية التي تبين جزءاً من الإجراءات الصحيحة للتطبيق والتعامل الاحترافي مع الأسرة:
في بداية الأمر تم الاتصال والتنسيق مع الأسرة لأخذ الموعد المناسب، وتحديد المركز المناسب الأقرب لسكن الأسرة التي حضرت في الموعد المحدد مع وجود مترجم جاهز لمساعدة الطفل والأهل في حال لم يتمكنوا من فهم الأسئلة المطروحة لأنهم من لغة وثقافة مختلفة، تمت المقابلة في غرفة مغلقة ويوجد تنبيه بالخارج لمنع الإزعاج أو الدخول؛ وذلك حفاظاً على الخصوصية التامة للأسرة، وأيضاً لأن الأشخاص العاملين بالداخل في طور تقديم خدمة تستلزم الهدوء وتجنب المثيرات التي قد تؤثر سلباً على نتائج العمل. العمل هو تقديم خدمة قياس وتشخيص ولكنها غير مكتوبة طبعاً، فبعد دخول الأسرة والترحيب بهم، تم شرح الإجراءات التي ستتم وكانت عبارة عن تطبيق لاختبار ومناقشة الأسرة حول وضع الطفل مع إعطائهم كتيباً يتضمن الحقوق والواجبات بالتفصيل موثق ومعتمد من قبل الجهة التابع لها المركز، وبعد انتهاء فترة القياس والتشخيص تم تحديد موعد مباشرة مع الأسرة للقاء آخر من أجل عرض ومناقشة النتائج والقرارات المترتبة إن وجدت، وفي اللقاء الثاني تم عرض النتائج على الأسرة وإيضاح مقاصد الأرقام والرموز وتحويلهم إلى المكان الملائم لقدرات الطفل بناء على نتائج القياس والتشخيص، هذه الإجراءات تقريباً مرت بثلاث مراحل: مرحلة ما قبل التشخيص، ومرحلة التشخيص، ومرحلة ما بعد التشخيص مع إعطاء كل مرحلة حقها مما يلزم من خطوات العمل الصحيح المتقن؛ وذلك تجنبا لوقوع أخطاء قد تؤثر على النتائج، والتي يكون الضحية الأولى فيها هو الطفل ومستقبله.
وختاماً، تعددت إيجابيات وسلبيات الاختبارات والمقاييس ولكن تبقى المرونة في التطبيق، ومراعاة العوامل الثقافية، والتدريب والتأهيل الصحيح، والتطوير المستمر هي العوامل المرجحة لصحة ودقة نتائج الاختبارات والمقاييس.
المراجع
- Kearns Tori, Ford Laurie, & Linney Jean Ann. (2005). African American Student
- Representation in Special Education Programs. The Journal of Negro Education, 74(4), 297-310.
- Zhang, D., Katsiyannis, A., Ju, et al. Minority Representation in Special Education:5-Year Trends. J Child fam stud 23, 118-127 (2014).
د. عبد الله الغامدي
[email protected]
[email protected]
00966561999039
أستاذ التربية الخاصة المساعد في جامعة الطائف.
متخصص في صعوبات التعلم، مهارات القراءة، الاختبارات الدولية، تطوير التعليم.
حاصل على الدكتوراه من جامعة ولاية تينيسي الأمريكية.
لدي بحث منشور بعنوان: الصعوبات التي تواجه معلمي القراءة للتلاميذ العاديين وذوي صعوبات التعلم بالمرحلة الابتدائية.
لدي بحث اخر منشور:
Developing service-Learning skills to serve the international PK-12 students.
شاركت في مؤتمر الأطفال الاستثنائيين Council of Exceptional Children
في حلقة علمية بعنوان: Disabilities in Global Context
عضو في المنظمة منذ عام 2013 حتى تاريخه.