يتلقى الطلاب ذوي صعوبات التعلم في المرحلة الثانوية بالمملكة العربية السعودية خدمات التربية الخاصة وذلك من خلال برامج يُشرف عليها مشرفون، ومعلمون متخصصون يقومون بأدوار مهمة لمساعدة الطلبة لرفع مستوى التحصيل الدراسي لديهم (الهديب،2017)، وعلى الرغم من ذلك إلا أن الطالب في هذه المرحلة المهمة والفاصلة بحياته والحساسة من التعليم يحتاج للكثير من الدعم على جميع الأصعدة. ليس على الجانب الأكاديمي فحسب؛ بل في جميع جوانب ومناحي حياته كالجوانب الاجتماعية والسلوكية وتنمية الدافعية لديه، وتعزيز تقديره لذاته ومهارات تقرير المصير والمطالبة بالحقوق، ولا نغفل الجوانب النفسية، ومساعدته للتغلب على كل ما يعترضه ويعيقه، ويقف بطريقه.
ومن أبرز وأهم البرامج المساندة التي ظهرت مؤخرًا -البرامج الانتقالية- وهي خدمات موجهة وفاعلة تساعد الطلاب ذوي الإعاقة في الانتقال من المرحلة الثانوية لما بعدها من مراحل، والتي أصبحت تقدم في المرحلة الثانوية والمتوسطة في الولايات المتحدة الأمريكية، كما تم البدء بها في بعض المدارس في المملكة العربية السعودية. فهي الجسر الآمن المقدم للطلاب ذوي الإعاقة من قِبل المدرسة لانتقالهم لما بعدها (Townsend,n.d).، فهي تساعدهم على تحقيق أهداف ما بعد المدرسة الثانوية من خلال استكشاف وتخطيط مجالات مختلفة تسمح لهم ببناء جسور تقودهم لعالم الكبار، فيتم تدريبهم على العديد من المناشط والمجالات المختلفة منها: الخبرة المجتمعية وأنشطة الحياة اليومية، والتقييم المهني، والوظيفي ونشاطات ما بعد المدرسة بشكل عام Almalky. (2018). وهي بلا أدنى شك ستُحدث نقلة نوعية في حياة الطلاب ذوي الإعاقة كما أنها ستوثر في جودة حياتهم بشكل كلي وإيجابي، إذا ما تم تطبيقها بالشكل الصحيح.
ومما يدل على تميز تعليمنا بالمملكة العربية السعودية وحرصه على مواكبة كل ما يسهم في رفع مستوى التعليم وتقديم الخدمات لجميع فئات طلابنا ذوي الإعاقة للارتقاء بمستواهم، وتقديم أجود وأحدث الممارسات العلمية لهم، ما تم القيام به مؤخرًا وذلك من خلال افتتاح برنامج الماجستير في الخدمات الانتقالية لذوي الإعاقة ببعض الجامعات المتميزة كجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز؛ وذلك لتقديم جرعات تدريبية للمتخصصين في مجال ذوي الإعاقة ، كما أنها أصبحت مادة تُدرّس في جامعة الملك سعود، والإمام محمد بن سعود، وغيرهما؛ نظراً لأهميتها القصوى وسعيًا منهم لإخراج كادر متميز ومتخصص في البرامج الانتقالية قادر على تطبيق أفضل الممارسات العالمية في الخدمات الانتقالية.
ومن خلال قراءاتي للكثير من المفاهيم فأجد أشملها قانون التربية والتعليم للأفراد ذوي الإعاقات المطور IDEA (2004) وقد عرَّف خدمات الانتقال (:(Transition Services بأنها مجموعة من الأنشطة المنسقة للفرد ذي الإعاقة، يتم تصميمها من خلال عملية موجهة تركز على تحسين التحصيل الوظيفي والأكاديمي لدى الفرد المعاق، بغرض تسهيل انتقاله من المدرسة إلى أنشطة ما بعد المدرسة والمشتملة على التعليم ما بعد الثانوي، والتدريب المهني، والوظيفة والحياة المستقلة. وأن يكون أساس كل ذلك حاجة الفرد؛ كما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار اهتمامات الفرد ورغباته (Novak, Murray, Scheuermann, & Curran, 2009).
فانتقال الطلبة من مرحلة لأخرى وخصوصًا من المرحلة الثانوية -كما أشار كيرك وغاليفر وأناستايسو(2012)- إلى ما بعدها تمثل مرحلة عصيبة لأي فرد؛ لما يصاحب ذلك من تغيرات نفسية وفسيولوجية وعاطفية، والشعور بعدم الاستقلالية وتشكيل الهوية واختيار الأنماط الحياتية؛ فهي تفرض أمامهم تحديات كبرى.
فهم بهذه المرحلة أشد ما يكونوا بحاجة ماسة للدعم والمساندة من المدرسة، والحاضن الأول الأسرة، وجميع من له علاقة للتغلب على تحدياتهم. ويكون ذلك من خلال مساعدتهم على فهم ذواتهم وتحديد ميولهم ورغباتهم ومعرفتهم لجوانب القوة والضعف لديهم، ولا يكون ذلك إلا كما أورد البتال (2011) من خلال بناء خطة انتقالية مُحكمة وبرامج فعَّالة وتزويدهم بكل ما يلزم. وفق ترتيب مُحكم لإرشادهم لشق طريقهم من المرحلة الثانوية إلى التعليم ما بعد الثانوي أو للحياة العملية فهي حجر زاوية لنجاح برامج صعوبات التعلم في المرحلة الثانوية.
http://www.ouboces.org/SpecialEd.cfm?subpage=2500
فبناءً على نتائج التقييم يصمم لهم خطة انتقالية ويتم توجيههم للتدريب المهني، أو للتدريب الأكاديمي (هلاهان وآخرون، 2012). وفق ما تقتضيه حاجتهم، فذوي صعوبات التعلم مجموعات غير متجانسة؛ فما يناسب أحدهم قد لا يناسب الآخر، فيصمم البرنامج الانتقالي لتلبية الاحتياجات الخاصة والفريدة لكل فرد (الحديدي والخطيب،2005).
فهناك طُلاب من ذوي صعوبات التعلم لديهم صعوبات ومشكلات أكاديمية حادة فمن غير المنطقي أن نتوقع نجاحهم بالجامعة، ومن المحبط لهم الضغط عليهم لإكمال الدراسة هلاهان وآخرون (2005) سواءً الجامعية أو الدبلوم، فيكون الحل لمثل هؤلاء وضع خيار آخر أمامهم ألا وهو التدريب المهني وذلك لإعدادهم لسوق العمل عن طريق صقل مهاراتهم بحسب الوظائف الملائمة لكل فرد، فعلى سبيل المثال: يتم تدريبهم وتعليمهم على المهارات الحسابية الأساسية، والفنون اللغوية، والقراءة، والمهارات الوظيفية الأخرى كمهارات السلوك المهني المناسب والمتضمن على: تعبئة طلبات التوظيف، وتدقيق الحسابات، ونحو ذلك بما يتناسب مع طبيعة الصعوبة لديهم. وبذلك يكون يومهم الدراسي عبارة عن مزيج من الخبرات المهنية والتعليمية.
أو يتم توجيه من لديه الرغبة في إكمال تعليمه إذا كانت لديه القدرة والرغبة لذلك: من خلال دعمهم بالمواد الأكاديمية، ووضع التكييفات والتعديلات المنهجية الموائمة، وتدريبهم على الاستراتيجيات التعلُّمية وممارستها، وتزويدهم بجميع المهارات التنظيمية والتقنية، ومهارة إدارة الوقت وإتاحة الفرص لهم لزيارة الجامعات، وتوضيح متطلبات شروط القبول والمهارات العامة لمساعدتهم على التكيف بالبيئة التعليمية لما بعد الثانوي. بالإضافة للوعي بحقوقهم القانونية والدفاع عن أنفسهم فمن أهم أهداف عملية الانتقال تمكين الطالب من اتخاذ قرارته المصيرية المتصلة بتحمل مسؤوليته (هلاهان وآخرون، 2012).
فوضع برنامج انتقال ملائم لهم يعتبر منقذ لهم ويضمن لهم درجة معينة من القوة، ودافعية للبقاء بالمدرسة (هلاهان وآخرون، 2005) بدل التسرب منها، وما قد يترتب عليه من نتائج خطرة على الطالب ومجتمعه، كالوقوع في الانحرافات السلوكية مثل: السقوط في فخ المخدرات أو السرقة أو غير ذلك. ولقد أشار المالكي (2020) بأن هناك العديد من الدراسات التي أثبتت زيادة في نسبة التوظيف، وزيادة الالتحاق بالتعليم ما بعد الثانوي، للطلاب ذوي الإعاقة الذين كان لديهم خطة وخدمات انتقالية جيدة في المرحلة الثانوية.
أضف إلى أن عدم وجود برامج الانتقال الجيدة ستهيئ للطالب ذوي صعوبات التعلم الأسباب لنموه تحت الضغوطات العالية والإحباطات والتوترات النفسية المستمرة (الزيات، 1998)، وما قد يخلف ذلك من آثار سيئة للطالب ومجتمعه. ومشاكل التسرب الدراسي الذي سينتج عنه عدم التوظيف أو الحصول على أجور متدنية(2005 ,Levinson) ، وعدم الرضا الوظيفي والاستقلال المالي، بالإضافة لتأثيره على كافة جوانب حياته الاجتماعية.
وختامًا..
بهذا المقال -وكوني باحثة بمجال الخدمات الانتقالية لذوي صعوبات التعلم- أرى أهمية الاهتمام أكثر بالطلبة ذوي صعوبات التعلم في المرحلة الثانوية وما بعدها ، فهم فئة لا يستهان بعددها ولا بطبيعة إعاقتها، لذا من المهم تفعيل البرامج الانتقالية بشكل فعّال في كافة المدارس الثانوية بالمملكة، متأملةً تعاون المؤسسات الخاصة من منطلق الخدمات المجتمعية مع المدارس، وذلك بتوفير تأهيل مهني للطلاب ذوي صعوبات التعلم؛ بغرض مساعدتهم على اكتشاف المهنة الملائمة، وتشجيعهم على الانخراط بأعمال مدفوعة الثمن لتحسين إمكانية نجاحهم المستقبلي بعد تخرجهم من المدرسة الثانوية والاعتماد على أنفسهم والاستقلال بها. ومن المهم أيضا القيام بوضع تسهيلات لهم ومراعاتهم باختبارات القياس والقبول بالجامعات، أسوة بغيرهم من ذوي الإعاقات الأخرى، كالصم وكفيفي البصر، اللذين تُقدَم لهم خدمات رائعة بمكاتب خدمات التربية الخاصة بالجامعات، ويمكن أن تشمل الخدمات في الجامعات للطلاب ذوي صعوبات التعلم:
- مراكز صحية للطلاب.
- مراكز للاستشارات: ويتم فيه تقديم الدعم للطلاب الذين يحتاجون المساعدة فيما يتعلق بمشاكل القلق أو اضطرابات المزاج، أو فشل تكوين علاقات، أو مشكلات الاكتئاب أو دعم الأزمات النفسية، والشخصية الأخرى.
- مراكز أكاديمية: تدعم مشاريع الطلاب، وتقدم لهم دورات تسهم في تخطي صعوباتهم كتعليمهم تقنيات تساعدهم على التعلم والوفاء بمتطلباتهم الأكاديمية، أو تعليمهم الاستراتيجيات الملائمة لهم والتي تناسب مرحلتهم التعلُّمية، وكل ما يلبي احتياجاتهم.
- ورش عمل للمكتبات والمراجع: يقدم فيها برامج لكيفية العثور على الموارد والوصول إليها بأسهل الطرق، والتدريب على عمل البحوث أو المشاريع لاستكمال متطلباتهم الجامعية، وتعليميهم كيفية الاستشهاد بها، وكتابتها بالشكل المطلوب.
- وأخيرًا الإرشاد الأكاديمي: حيث يمكن للمستشارين الأكاديميين مساعدة الطلاب ذوي صعوبات التعلم على اختيار مناهجهم الأكاديمية، وخططهم التعلُّمية.
Transition Resource Guide,2020)).
المراجع:
المالكي، حسين. (2020). عناصر الخدمات الانتقالية في البرنامج التربوي الفردي للطالب ذوي الإعاقة الفكرية. جامعة الملك سعود / المجلة السعودية للتربية الخاصة،. 13.
البتال، زيد. (2011). الاعتبارات الأكاديمية للطلاب ذوي صعوبات التعلم في المرحلة الجامعية. رسالة جامعة الملك سعود، ص41.
الهديب، منيرة. (2017). تقييم الاحتياجات التدريبية لخدمات الانتقال لدى معلمات الطالبات ذوات صعوبات التعلم للمرحلة الثانوية بالسعودية. رسالة ماجستير منشورة في إطار المؤتمر الدولي الثالث للتربية، ماليزيا، كوالالمبور. متاح من
http://www.tiikm.com/publication/Conference_Proceedings_ICEDU_2017.pdf
كيرك، صامويل وغالفير، جيمس وكولمان، ماري وأناستايو، نيك. (2013). تعليم الأطفال ذوي الحاجات الخاصة. (ترجمة: أماني محمود وليد). عمان: دار الفكر. (الكتاب الأصلي منشور 2012).
هلاهان، دانيال وجيمس، كوفمان وبيجي، بولين. (2013) .الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة: مقدمة في التربية الخاصة.(ترجمة: فتحي جروان وموسى العمايرة وغالب الحياري وحاتم الخمرة وقيس مقداد وعمر فواز و محمد الجابري)عمان: دار الفكر. (الكتاب الأصلي منشور 2012).
هلاهان، دانيال وكوفمان، جيمس ولويد، جون وويس، ماجريت ومارتينز، إليزا بيث. )2007). صعوبات التعلم مفهومها: طبيعتها – التعلم العلاجي. (ترجمة: عادل عبدالله محمد). عمان: دار الفكر. (الكتاب الأصلي منشور 2005).
الحديدي، منى والخطيب، جمال. ((2005. استراتيجيات تعليم الطلبة ذوي الحاجات الخاصة. عمان: دار الفكر.
الزيات، فتحي، (1998)، صعوبات التعلم الأسس النظرية والتشخيصية والعلاجية، القاهرة: دار النشر للجامعات المصرية.
Almalky, H. A. (2018). Investigating components, benefits, and barriers of implementing community-based vocational instruction for students with intellectual disability in Saudi Arabia. Education and Training in Autism and Developmental Disabilities, 53(4), 415–427.
Levinson, E. M., & Palmer, E. J. (2005). Preparing students with disabilities for school-to-work transition and post school life. Counseling 101, 11-15, provided by the National Association of School Psychologists Available from www.nasponline.org
Townsend, S. (wu.d).Transition and your adolescent with learning disabilities: moving from high school to postsecondary education, training, and employment. Parent Handbook. This document is supported by the Kansas Transition Systems Change Project, a collaborative effort of: Kansas State Board of Education.
Novak, J., Murray, M., Scheuermann, A., & Curran, E. (2009). Enhancing the Preparation of special educators through service learning: Evidence from two pre-service courses. International Journal of Special Education, 24(1), 32-44.
Transition resource guide, (2020). FROM: https://www.transitionresourceguide.ca/resources/support-services-available-at-post-secondary
منيرة بنت سليمان بن عبد العزيز الهديب.
- ماجستير صعوبات تعلم من جامعة الخليج العربي بالبحرين 2017.
- دبلوم عالٍ في التربية الخاصة تخصص صعوبات تعلم من جامعة الخليج العربي بالبحرين 2015.
- دبلوم عالٍ تربوي من الجامعة العربية المفتوحة 2014.
- مهتمة بمجال الخدمات الانتقالية لذوي الإعاقة ومتلازمة إرلن.
- حاصلة على شهادة فاحصة دولية معتمدة لمتلازمة إرلن من مركز هيلين إرلن بأمريكا 2020، والتدريب بمركز ألف إرلن الإمارات.
- ناشطة في مواقع التواصل الاجتماعي.
- حاصلة على العديد من الدورات في مجال التربية الخاصة.
- ملتحقة ببرنامج مساعد الباحث التأهيلي بجامعة الملك سعود 2019 وحتى الآن.
- العمل في مشروع جائزة التميز للتعليم في لجنة تطوير الخدمات التعليمية بوزارة التعليم بالتعاون مع جمعية جستن بجامعة الملك سعود 2018.
- بحث منشور بعنوان Assessing Training Needs of Transition Services for Teachers of Learning-Disabled Students in the Secondary Stage in Saudi Arabia. في المجلة التابعة للمؤتمر الدولي الثالث للتربية، في كوالالمبور ماليزيا عام 2017.
للتواصل:
- [email protected]
- تويتر: @monirah140