شغلت مشكلات صعوبات التعلم بال الآباء والمربين والباحثين في ميدان التربية الخاصة أمداً طويلاً، وبدأ التفكير منذ عقود من الزمن في أنسب الاستراتيجيات وأساليب التدخل العلاجي المناسبة للتخفيف من حدة تلك الصعوبات قدر الإمكان.
وقد تكون تلك الصعوبات نوعية، تظهر عندما يفشل الطفل في أداء المهارات المرتبطة بالنجاح في مادة دراسية بعينها كالقراءة والكتابة، وقد تكون عامة كالتي تظهر عندما يفشل الطفل في أداء المهارات المرتبطة بالنجاح في أكثر من مادة دراسية، وهنا يكون معدل أداء الطفل للمهارات والمهام أقل من المعدل الطبيعي أو المعدل المتوقع أداءه من التلميذ، وهذه الصعوبات غير متجانسة، فقد تكون خفيفة أو متوسطة أو حادة، وقد تكون خاصة أو عامة أو قصيرة وبعيدة المدى. وتتطلب هذه الصعوبات على المستوى التطبيقي التقييم والتدخل العلاجي، أما على المستوى النظري فتتطلب توضيح المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالعمليات المعرفية.
وصعوبات الكتابة والقراءة أحد أنماط صعوبات التعلم الأكاديمية التي يعاني منها طفل المرحلة الابتدائية، ونظراً للأهمية القصوى لهاتين العمليتين في العملية التعليمية (إضافة إلى كونهما عنصراً هاماً من عناصر الفكر والثقافة، ووسيلة من وسائل الاتصال بين الأفراد، كان من الضروري أن يتعرض الباحثون لدراسة مشكلات الكتابة والقراءة وأخطاء التلاميذ فيها وتقديم برامج التدخل العلاجي الملائمة للتغلب عليها.
ولعل من أهم أسباب صعوبات التعلم ما يمكن تلخيصه بالتالي:
- الاضطرابات العصبية: اضطرابات النظام السمعي في الدماغ تؤثر على الإدراك وبالتالي إدراك الأصوات بشكل مشوش، وهذا يؤدي إلى اضطراب التمييز السمعي فيما بين أصوات الحروف المتشابهة مما يؤدي إلى كتابة تلك الأحرف بشكل غير صحيح. وتتأثر بسهولة كتابة الأحرف عند إصابة الجزء المسؤول عن الحركة في الدماغ، على الرغم من سلامة التهجئة واختيار الكلمات المناسبة، ويؤدي تلف الفص الصدغي الأيسر إلى اضطراب تحليل وتركيب الأصوات والكتابة وحفظ الكلمات واسترجاعها بشكل غير متسلسل.
- اضطرابات الضبط الحركي: أرجع بعض المربين عدم القدرة الجزئية للكتابة الناجم عن العجز الوظيفي للمخ إلى ما يعرف بعجز الكتابة، فالطفل غير قادر على تذكر التسلسل الحركي لكتابة الحروف والكلمات، على الرغم من معرفته للكلمة التي يرغب كتابتها ويستطيع نطقها وكذلك تحديدها عند مشاهدته لها.
- اضطرابات الذاكرة البصرية: إن الأطفال الذين يفشلون في تذكر أشكال الحروف والكلمات بصرياً قد تكون لديهم صعوبة في تعلم الكتابة، ولا يستطيع الأطفال الذين يعانون من مشكلات في الذاكرة والكلام والقراءة والنسخ من استدعاء أو إعادة إنتاج الحروف والكلمات من الذاكرة.
لقد تعددت مناهج واستراتيجيات معالجة مثل تلك الصعوبات، وكانت تقنية الرموز اللونية من أشهر تلك المناهج، نظراً لما تتمتع به من مرونة تمكنها من التكيف مع نماذج الصعوبات المختلفة، والبيئات المتعددة، إضافة إلى امكانية تطبيقها على الفئات العمرية المختلفة مما ساهم بشكل أساسي في استخدامها كتقنية في محو الأمية لبعض فئات ذوي الحاجات الخاصة من الكبار. ومن أشهر هذه المناهج:
المناهج الصوتية ذات الرموز الملونة
يقوم عدد من مناهج القراءة باستخدام كلمات ملونة لمساعدة القارىء على تحديد العناصر الصوتية في الكلمات، ومن هذه المناهج (الكلمات الملونة) ذلك المنهج الذي حظي باهتمام دولي كبير منذ نشوئه على يد (كليب جاتينو) عام 1962، وسنقوم بعرض هذا المنهج إلى جانب غيره من المناهج الحديثة التي أثبتت فعاليتها في هذا المجال.
الكلمات الملونة
حظيت الكلمات الملونة باعتراف فوري بعد نجاح غير عادي، ورد بتقرير له صلة بمشروع من مشاريع اليونسكو في أثيوبيا، وفي هذا المشروع ذكر التقرير أن الطلاب الكبار تمّ تعلميهم الأمهرية (اللغة الرسمية في أثيوبيا) في عشر ساعات من التعلم، بينما تتطلب هذه اللغة في العادة ثمانية عشر شهراً لتعليمها، وظلّ قدر كبير من هذا البحث محل السؤال والاستفسار، بيد أن التقارير الفردية للنجاح غير العادي، وعلى يد معلمين على مستوى رفيع من التأهيل، تشير إلى أن هذا الإجراء، ربما يكون أكثر الأدوات قيمة في حالات خاصة مثلما نجد في برامج إعاقات التعلم.
وتتمثل ميزة نظام الكلمات الملونة بالقياس إلى أنظمة مثل منهج هجاء التعليم الأول في أنه يحتفظ بأشكال الهجاء الانجليزية، ومن ثم لا يتطلب انتقالاً إلى نظام آخر، وفي مثل هذا البرنامج نجد في اللغة الانجليزية 47 صوتاً حسب تحديد (جاتينو) ممثلة في 47 لوناً مختلفاً أو ظلاً من ظلال الألوان، كما نجد أن كل صوت يمثله نفس اللون بغض النظر عن هجائه.
في ظل هذا النظام يتعلم الأطفال الأصوات القصيرة للحروف المتحركة، ثم نقدم لهم الحروف الساكنة. لا نعلمهم أسماء الحروف وإنما نشير إليها باللون. يتعرف الدارسون على الهجاء والكتابة من خلال نسخ الكلمات المكتوبة بالأسود والأبيض من السيورة أو من خلال الإملاء البصري ويقوم أثناءها العلم والأطفال بتوضيح تتابع الأصوات من التسلسل التحريري، ويتعلم الأطفال في ظل هذه الطريقة ربط التسلسل المكاني للحروف بأصواتها الزمنية.
تشتمل الجوانب الأخرى للبرنامج على ممارسة نط الأصوات المنفصلة في كل كلمة، وتعلم كتابة الحروف المتحركة بتغيير شكل حرف الألف، وكذلك تعليم كتابة الحروف المتصلة دون غيرها، ويحجب اللون وينقطع عن الأطفال أثناء تعلمهم استخدام الكلمات المكتوبة بالأسود والأبيض.
تضم هذه السلسلة ثلاثة كتب تمهيدية، كتاب القصص وصحائف التدريبات، وبطاقات الكلمات، ثم بعد ذلك ثماني خرائط ملونة من نسق نظامي لحروف الهجاء التي نلتقي بها في اللغة الانجليزية.
ويصاحب هذه المواد إحدى وعشرون خريطة تقدم عشرين صوتاً للحروف المتحركة وسبعة وعشرين صوتاً للحروف الساكنة.
يصلح هذا النظام بشكل رئيسي عند مستويات القراءة المبتدئة، وقد استخدم مع الأميين أو الأقرب إلى الأميين من الكبار، كما استخدم مع الأطفال.
وقد تعرض هذا المنهج للانتقاد كونه لا يمدنا بقدر كبير من المادة المقروءة مع استخدام الحروف الملونة، ويخشى من تشجيعه على إطلاق أصوات الكلمات دون فهم أو إدراك.
وبالرغم من ذلك، فقد أثبت نجاعته مع عدد من الفئات، وليس من الصعوبة بمكان ـ واستناداً إلى الترتيب الهجائي العربي والأصوات اللغوية والتمييز بين الحروف الساكتة والمتحركة في اللغة الغربية ـ ليس من الصعب بناء وتطوير نظام عربي مشابه لنظام (جاتينو)، ومهما قلت الفائدة، يبقى المكسب أكبر وخاصة إذا ما استخدم مع الأميين الكبار من بعض فئات ذوي الحاجات الخاصة والذين يعانون من صعوبات التعلم.
ومن المناهج التي اشتهرت عالمياً استناداً إلى الرموز اللونية ما يسمى:
النظام اللوني اللغوي النفسي
وترجع تسميته باللغوي النفسي إلى أنه يشتمل على مدخل حسي مخطط ومخرج حركي متسلسل عن مقاطع صوتية ومقاطع كتابية، واستخدام الكلمات في هذا النظام يتسلسل في سياق ذي معنى. ويعتبر نظاماً صوتياً هاماً حيث يتعلم الطفل في ظله شكل كل حرف بمفرده باعتباره مقطعاً صوتياً، مع قيام المسميات اللونية بدور الدلائل على الأصوات التي تمثلها هذه الألوان. ويتمثل جوهر نظام الرموز اللونية في استخدام سبعة عشر مقطعاً من الحروف المتحركة التي يرمز إليها باللون.
وتضم مجموعة المواد أربعاً وعشرين خريطة حائطية ملونة وبطاقات ضوئية لامعة، وكتباً وتدريبات، وأقلاماً ملونة. وينبغي استخدام علم الإملاء التقليدي، ومن ثم فالرموز جميعها هي حروف تقليدية، وباستثناء الرموز اللونية فليس هناك شيء مختلف عما يراه الطفل في أي من مواد القراءة العادية.
يضم البرنامج أربع مراحل رئيسية تصاحب الدارس من بداية تعرفه على الحروف الرمزية الملونة حتى مرحلة القراءة والكتابة بالأسود والأبيض، وهذه المراحل هي:
- المرحلة الأولى ـ لابدّ للدارس أن يتعلم أشكال الحروف الهجائية على أنها مقاطع صوتية.
- المرحلة الثانية ـ يتعلم فيها الدارس الحروف الصوتية الساكنة والمتحركة، ويتم التوكيد على هذا الإجراء في هذه المرحلة، وتبدأ فيها أيضاً الكتابة بالحروف المتصلة.
- المرحلة الثالثة ـ يمتد البرنامج إلى الكلمات غير المنتظمة صوتياً، ثم يبني الطفل بعد ذلك أقاصيصه من الكلمات التي تعلمها، وعند هذه المرحلة نبدأ الخلط الصوتي وتشكيل المقاطع، وعند هذا المستوى يلعب السجع المقفى دوراً مهماً.
- المرحلة الرابعة ـ يبدأ الدارس في استخدام الحروف المتحركة، ويكتبها بالأسود والأبيض. وفي هذه المرحلة نعلم الطفل مجموعة من القواعد تساعده في الهجاء. ويدخل الطفل في هذه المرحلة على أساس يفترض أنه قد تعلم أصوات الحروف المتحركة المختلفة التي تمثلها الرموز اللونية، ومن ثم، لم يعد بحاجة إلى اللون.
لقد تطور هذا النظام بشكل كبير لصالح الأطفال المعوقين، ومن ثم فهو قابل للتطبيق على نطاق واسع حيث توجد المشاكل الإدراكية البصرية الكبيرة. وهو جدير بالاعتبار والنظر بالنسبة لهؤلاء الأطفال أو لأولئك الذين يتمتعون بقدرات إدراكية بصرية كافية، إلا أنهم يعانون من مشاكل خطيرة في تصنيف وتحديد الاحتمالات الصوتية المتنوعة للحروف المتحركة، وتأتي مرونة هذا النظام كونه قابل للتطبيق على جميع اللغات ومن ضمنها العربية بالطبع.
النظام غير التقليدي للرموز اللونية
تجدر الإشارة أيضاً إلى استخدام النظام غير التقليدي للرموز اللونية، وقد استخدم الأساتذة المعلمون الرموز الملونة لسنوات بدرجات متفاوتة، وبالرغم من أن عدداً من أنظمة الرموز اللونية الخاصة يحظى بالتأييد والمؤازرة، فقد بينت التجارب أن النظام غير التقليدي والمرن نسبياً غالباً ما يكون أفضل الأنظمة بالنسبة للمعلم والطفل، وعلى سبيل المثال تقدم الحروف المتحركة، القصيرة ملونة باللون الأحمر وتعني (التوقف المفاجىء)، أما الحروف المتحركة الطويلة فيشار إليها باللون الأخضر وتعني (الإطاحة)، كما أن هذه الرموز اللونية توجه اهتمام الطفل إلى علاقات الرموز الصوتية المكتوبة، وقد تعينه في التعرف على القواعد الصوتية وتعلمها، وهذا النوع من تحليل الكلمات ينبغي أن يكون متبوعاً دائماً بتركيب الكلمات. ولابدّ من أن يرى الطفل الكلمة المكتوبة باللون، مكتوبة أيضاً باللونين الأسود والأبيض.
وهناك اقتراح بشأن استخدام الرموز اللونية مع القراء الأكثر تقدماً يتمثل في استخدام ألوان مختلفة، ألوان للبادئة والقلب واللاحقة في كتابة المقاطع بألوان مختلفة.
لا شك أن هذه المناهج ممكنة التطبيق كونها تعتمد أساساً على الادراك والخبرات الحسية مما يجعلها متجاوزة مشكلة البيئة الثقافية المحلية، مما يجعل استخدامها ممكناً على نطاق واسع خارج البيئات التي صممت فيها أصلاً، ولا تحتاج إلا إلى الكوادر المتخصصة والمؤهلة تأهيلاً علمياً رصيناً، إضافة إلى إرادة التعلم عند المتعلم وإرادة العطاء والاستمرار عند المعلم.
المراجع
- ندوة استراتيجيات وبرامج التدخل العلاجي للأشخاص ذوي الحاجات الخاصة، نظمتها جامعة الخليج العربي برعاية مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، أبوظبي، مارس 1997 .
- تعليم المعوقين، تأليف بيل جيرهارت، ترجمة أحمد سلامة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1996 .
- DockRell, J & McShane, J. (1995). Children’s Learning difficulties: A cognitive approach. Basil Black Wall Inc. Oxford UK.
- حائزة على دكتوراه في علم النفس التطوري وسيكولوجيا الاتصال من الجامعة الأمريكية ـ لندن.
- عملت كمعيدة في جامعة دمشق ومن ثم باحثة في مركز الدراسات النفسية والنفسية في لبنان ومن ثم عملت في مجال الإعلام والصحافة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
- لها عدد من المؤلفات و البحوث في مجال العلوم الاجتماعية والنفسية والنقد الأدبي ونقد الفن التشكيلي، ولها كتابان في هذا المجال ترجم أحدهما إلى اللغة الإسبانية.
- تعنى حاليا بمجال التوثيق، وتنشر في عدد من المواقع الإلكترونية والصحف العربية منها: القدس العربي، أورفلون… وغيرها.