إعداد : نايف عوض السفياني
شهدت الآونة الأخيرة اهتماماً حقيقياً وتطوراً ملموساً في تعليم الأطفال ذوي الإعاقة ضمن البيئات التعليمية الأقل تقييدًا.
ويجد المتتبع لتاريخ الأشخاص ذوي الإعاقة بأنهم تنقلوا خلال مراحل عدة من العزلة إلى التعليم الشامل، ويعد الآن الاهتمام بالخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة مقياساً يعكس مدى تقدم الأمم؛ لذلك تسعى الدول لتلبية جميع احتياجاتهم ومنحهم حقوقًا متساوية وفقاً لمبدأ العدل والمساواة، ودمجهم في المجتمع مما يساعدهم على تنمية ثقتهم بأنفسهم واستثمار قدراتهم وإمكانياتهم ليصبحوا أفرادًا فاعلين.
التعليم الشامل:
أتى التعليم الشامل كأحد الحقوق التي تسعى الدول إلى توفيرها للأشخاص ذوي الإعاقة ، ويشير هذا المصطلح إلى إجراءات وممارسات تحتضن التنوّع وتبني شعورًا بالانتماء، وهو قائم على مبدأ أن لكل فرد قيمة وإمكانات ينبغي احترامها (UNESCO, 2020)، وترى سيلاندا Salend, 2015)) بأن التعليم الشامل هو إتاحة فرص التعليم وتقديم المساندة لجميع الأطفال بلا استثناء من ضمنهم الأطفال ذوو الإعاقة بكافة فئاتها المختلفة ضمن فصول التعليم العام ويتم ذلك من خلال استخدام استراتيجيات تدريس مناسبة لهم، وإعداد برامج سلوكية، واختيار طرق التدريس الملائمة لتنمية مهاراتهم؛ كي تتاح لهم المشاركة الأكاديمية والتفاعل الاجتماعي بشكل كامل.
ويتنامى الاهتمام بالتعليم الشامل نظراً لما يحققه من فوائد عدة تظهر في زيادة النجاح الأكاديمي للمتعلمين، تنمية مهاراتهم اللغوية، زيادة مستوى تفاعلهم ومهاراتهم الاجتماعية وتعديل سلوكياتهم، بالإضافة إلى تعديل اتجاهات أسر هؤلاء الأطفال وأقرانهم من غير ذوي الإعاقة نحو تلك الفئة (محمد، 2012؛ عبد السلام، 2013)، ففي دراسة طولية أجراها المركز الوطني للتعليم الأمريكي (2011) وجدوا بأن الوقت الذي يقضيه الأشخاص ذوو الإعاقة بصورة منتظمة ضمن الفصول الشاملة أدى إلى ظهور نتائج أفضل في الرياضيات والقراءة وانخفاض السلوك التخريبي وعدم تأثر مستوى الطلبة من غير ذوي الإعاقة (Marling & Burns, 2014).
ويواجه التعليم الشامل مجموعة من العقبات كنمط تعليمي حديث على المجتمع، وتتمثل هذه المعوقات في تخوف أولياء الأمور من فكرة الدمج، إضافة إلى عدم تهيئة المباني المدرسية لتلائم متطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة كما أن هناك عقبات تتعلق بالاتجاهات السلبية نحوهم من قبل أقرانهم من غير ذوي الإعاقة.
ومن المعوقات الأخرى التي ذكرت في دراسة سوكال وكاتاز (Sokal & Katz,2015) أن العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة في كندا يتم دمجهم ضمن الفصول العامة لكنهم لا يتلقون الدعم اللازم لتحقيق النجاح الأكاديمي والاجتماعي مع أقرانهم من غير ذوي الإعاقة لأسباب منها عدم تلقي المعلمين التدريب الكافي حول التعليم الشامل والتعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة .
استعراض جزء من تجربة التعليم الشامل في المملكة العربية السعودية:
تعد المملكة العربية السعودية من الدول ذات الريادة في الاهتمام بالتعليم الشامل، ولفتت أنظار المنظمات كاليونسكو نحو تجربتها في تطبيق هذا النوع من التعليم والذي أطلق عليه النموذج السعودي، إذ نصت الوثيقة التي وقعتها المملكة العربية السعودية مع الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بأن التعليم يجب أن يكون متاحًا دون تمييز وعلى أساس تكافؤ الفرص داخل نظام التعليم الشامل على جميع المستويات (وزارة التعليم، 1438)، حيث حصل ما يقارب 88% من الطلاب الذكور الأطفال ذوي الإعاقة ، وأكثر من 70% من الإناث (نفس الفئة) على التعليم في مدارس الأشخاص من غير ذوي الإعاقة داخل المملكة العربية السعودية (الموسى، 2014)، ويشير ذلك إلى أن هذا النوع من التعليم هو محل اهتمام في النظام التعليمي بالمملكة، بالإضافة إلى التعاون المشترك بين أحد مقدمي الخدمات التعليمية مع وزارة التعليم وجامعة أوريغون بالولايات المتحدة الأمريكية في إعداد مشروع التعليم الشامل وأدلته التنظيمية ونماذجه.
وعلى الرغم من سن المملكة للكثير من القوانين المتعلقة بالأطفال ذوي الإعاقة إلا أن تطبيق التعليم الشامل مازال يواجه العديد من التحديات وذلك حسب دراسة قام بها القحطاني وربابعة (2019) جاء فيها عدم جاهزية البيئة والمرافق المدرسية كأولى العقبات أمام التعليم الشامل، يليها ضعف معرفة المعلمين بكيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، وعدم قدرتهم على الإدارة الصفية والتخطيط للتعليم.
وتتفق هذه النتيجة مع الدراسة التي قامت بها السفياني (2021) والتي توصلت إلى أنه حتى هذه اللحظة لم يصدر قانون واضح يلزم بتطبيق هذا التعليم في جميع مناطق المملكة، وأنه يواجه العديد من العقبات وفق ما أفادت به المعلمات والتربويات من عدم تهيئة المدارس وقلة المتخصصين فيها، واختلاف المناهج الدراسية مع قدرات الطلبة الأطفال ذوي الإعاقة وكثرة أعدادهم في الفصل الواحد.
وعلى الرغم من ذلك لا يزال التعليم الشامل محط اهتمام وتطوير من قِبَل المسؤولين فكان من ضمن الأهداف الرئيسية لبرنامج تنمية القدرات البشرية الذي أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والتي أوصت بضرورة تحسين المناهج وتكييفها لزيادة فعالية التعليم الشامل للطلاب ذوي الإعاقة (برنامج تنمية القدرات البشرية، 2021)، بالإضافة إلى العمل على تهيئة البيئة والمرافق المادية بما يتناسب مع خصائصهم ، والعمل على تطوير الكوادر البشرية والمهنية من معلمين ومساعدين في فصول التعليم الشامل وتدريبهم بصفة مستمرة على فنيات واستراتيجيات التعليم، والاستفادة من آرائهم وتجاربهم في التعامل مع هؤلاء الطلبة خلال تطبيق هذا التعليم، مع ضرورة تثقيف الطلبة من غير ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم نحو أقرانهم من الأطفال ذوي الإعاقة .
المراجع العربية:
- برنامج تنمية القدرات البشرية. (2021). التعليم في المملكة. تم الاسترجاع من: https://www.vision2030.gov.sa/ar/v2030/vrps/hcdp/
- السفياني. أبرار عبد الله عابد. (2021). واقع التعليم الشامل بالمملكة العربية السعودية في ضوء القوى والعوامل المؤثرة فيه. المجلة العربية للنشر العلمي. 257- 277. 30 (2). ISSN: 2663-5798.
- شركة تطوير للخدمات التعليمية. (1438) . أدلّة التعليم الشامل في المملكة العربية السعودية. https://catalog.t4edu.com/ar/items/listall/dThUcE85cWtnRnRqY3ZMM3Q0R1NEZz09
- عبد السلام، أميرة محمود (2013). فعالية كل من الدمج الكلي والجزئي في تنمية بعض المهارات اللغوية لدى الأطفال المعاقين فكرياً القابلين للتعلم. مجلة كلية التربية بالسويس،6 (1)
- القحطاني، نورة حامد مرعي، ربابعة، أحمد عبد الله. (2019). مدى الاستعداد لتطبيق التعليم الشامل من وجهة نظر المعلمين في المملكة العربية السعودية. المجلة الدولية التربوية المتخصصة. 70-83. 8 (9).
- محمد، عادل عبد الله (2012). آليات تفعيل الدمج الشامل للطلاب ذوي الإعاقات في مدارس التعليم العام كمدخل لدمجهم الشامل في المجتمع. الملتقى الثاني عشر للجمعية الخليجية، سلطنة عمان.
- الموسى. ناصر بن علي. (2014). تجربة المملكة العربية السعودية في مجال دمج التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في مدارس التعليم العام – ورقة عمل مقدمة للمعرض والمنتدى الدولي 2014: التربية الخاصة تنمية مستدامة في عالم متغير.
- وزارة التعليم. (1438). التعليم الشامل في المملكة العربية السعودية. https://drive.google.com/file/d/1THYAb-9ia3nB8YMBY4rjzGaSNY-xf_8f/view.
المراجع الأجنبية:
- Marling, Curt. & Burns, Mary Bridget. (2014). Two perspectives on inclusion in The United States. Global Education Review, 1 (1). 14-31. https://files.eric.ed.gov/fulltext/EJ1055208.pdf
- Salend, S.J. (2015).Creating inclusive classrooms: Effective, differentiated and reflective practices. Pearson.
- SOKAL, L., & KATZ, J. (2015). Oh,Canada: bridges and barriers to inclusion in Canadian schools. Support for Learning. Special Issue: Inclusive Education in International Contexts. V. 30 (1), 42–54.
- UNESCO.(2020).Global education monitoring report,2020: Inclusion and education: all means all. https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000374366
- طالب دراسات عليا في قسم التربية الخاصة / مسار صعوبات تعلم في اللغة العربية.
- معلم صعوبات تعلم في المرحلة الابتدائية منذ عام 1435هـ .