دراسة استكشافية حول الأنماط السلوكية والدعم النفسي الأسري لهم
أ.د: محمد حمزة الزيودي ، د: أيمن رمضان زهران
تابع للجزء الثاني المنشور في العدد 381
الأنماط السلوكية والدعم النفسي الأسري
تواجه أسر الأشخاص ذوي الإعاقة مشكلات كبيرة، تبدأ بتقبل الصدمة وآلية التكيف مع وجود طفل من ذوي الإعاقة، لذا فهي بحاجة لكافة أشكال الدعم ومن أهمها الدعم النفسي. وبهذا يعد الدعم النفسي من أهم احتياجات أسر الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة إن كان من أصحاب المتلازمات مثل “دوان وويليامز” وغيرها من المتلازمات التي تحتاج إلى الرعاية والدعم لكل من صاحب المتلازمة، وأسرته.
كما تواجه أسر الأطفال ذوي الإعاقة، العديد من مصادر الضغوط النفسية، نظراً لما تمثله مشكلة الإعاقة من عوامل ضاغطة على الأسرة، وازدياد متطلبات الأفراد واختلافها، مما يؤدي إلى تغيرات وتطورات اجتماعية واقتصادية كبيرة، ويجعل تلك الأسر تواجه الصراعات والأحداث المثيرة للقلق والاضطراب النفسي الذي يهدد الأمن النفسي الاجتماعي والاقتصادي لها، بالإضافة إلى زيادة الأزمات النفسية الشديدة والصدمات الانفعالية العنيفة، وهذا بدوره جعل الاختصاصيين يولون موضوع الصحة النفسية لتلك الأسر الأهمية البالغة، حيث أن الضغط النفسي لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة يعتبر من أشد مشكلات العصر الحديث، لما له من آثار سلبية على سلوكيات الأفراد، إذ أنه أصبح عاملاً مشتركاً ضمن مختلف البيئات. (شاهين، 2021).
إن الدعم والإرشاد النفسي من قنوات الخدمة النفسية التي تقدم للأفراد أو الجماعات بهدف التغلب على بعض الصعوبات التي تعترض سبيل الفرد أو الجماعة، وتعوق توافقهم وإنتاجيتهم، والدعم النفسي خدمة توجه إلى الأفراد والجماعات الذين مازالوا قائمين في المجال السوي ولم يتحولوا بعد إلى نمط المجال غير السوي، ولكنهم – مع ذلك – يواجهون مشكلات ذات صبغة انفعالية حادة، أو تتصف بدرجة من التعقيد والشدة بحيث لا يقدرون على مواجهة هذه المشكلات دون عون أو مساعدة من الخارج.
ويرتكز الدعم والإرشاد النفسي على الفرد ذاته أو على الجماعة ذاتها بهدف إحداث التغيير في النظرة، وفي التفكير وفي المشاعر والاتجاهات نحو المشكلة، ونحو الموضوعات الأخرى التي ترتبط بها، ونحو العالم المحيط بالفرد أو الجماعة. (منصور والقول، 2021: 35).
فبعض الصفات الشخصية بالنسبة لمتلازمة ويليامز تبدو واضحة، وهذه الصفات تتضمن طبيعة اجتماعية، إحساساً بالحزن غير المبرر في بعض الأحيان، فترة انتباه بسيطة، حساسية أكثر للأصوات، وقلقاً ـ خصوصاً ـ بالنسبة للحظات القادمة، ومن الصفات السلوكية المصاحبة لهذه المتلازمة قصر فترة الانتباه، حيث يواجهون صعوبات في الانتباه مما يؤدي إلى ظهور بعض المشكلات المصاحبة مثل التهور (الاندفاع) والذي يظهر من خلال عدم اتباع الطفل ذي متلازمة ويليامز للتعليمات، كما يواجهون صعوبات في تعديل العواطف مثل الإفراط في مظاهر السعادة خلال حالة الفرح، كثرة البكاء نتيجة ضغط بسيط، والخوف (الفزع) من مواقف أو لحظات مفزعة بعض الشيء.
كما تشمل صفاتهم السلوكية التحسس الشديد للأصوات، فهذه الخاصية، بالإضافة إلى القابلية للقلق، تؤدي إلى مشاكل في السلوك خلال سماع مجموعة من الأصوات مثل صوت إنذار الحريق، “المكانس” الكهربائية، المراوح، أنظمة التبريد والتكييف وأجراس المدارس.
فبعض هؤلاء الأطفال يشعرون بالتشتت أو السعادة أو حتى بالخوف عند سماعهم هذه الأصوات، ويواجه أصحاب هذه المتلازمة صعوبات في تكوين الصداقات، فعلى الرغم من أن الطفل ذي متلازمة ويليامز يمتلك طبيعة اجتماعية، لكنه يجد صعوبة في بناء صداقات مع الآخرين، وهذا يعود إلى صعوبات في استمرار الانتباه والتطور والتعلم ومشكلات التهور.
العديد من هؤلاء الأطفال لديهم القدرة على تطوير صداقات حقيقية، ويمكن أن يكون ذلك هدفاً وجزءاً من عملية تطويرهم لجهة التعليم، وهذا يتطلب مساعدة من قبل المدرسين. Järvinen. et.al. (2015) .
كما تشترك بعض السمات الشخصية عند الأشخاص ذوي المتلازمة، فمن أهم سماتهم السلوكية أنهم أشخاص عطوفين ومتراحمين جداً والتسامح من أهم ميزاتهم، كما يمتلكون ثقة كبيرة في النفس، إضافة لطبعهم الاجتماعي، وتميزهم بالنشاط والحيوية، واستخدامهم الإشارات والإيماءات عند التواصل مع الآخرين، والحماس الزائد لذلك، وكثيراً ما يكونون مفعمين بالحماس، وعلى عكس تلك الخصائص الجيدة والإيجابية فلديهم صفات أخرى، مثل القلق غير المبرر والسابق لأوانه، في حين يحتاجون عادة إلى التشجيع المستمر والمكافأة كي ينجزوا أعمالهم، فهم بذلك بحاجة إلى الدعم من الأسرة والمدرسة والمجتمع. (حسينة، 2017).
وتظهر الميزات النفس عصبية لديهم من خلال الفروق الكبيرة بين النمو اللغوي الجيد والقدرات المعرفية العامة لديهم، إضافة لوجود عجز واضح في قدراتهم العقلية والمعرفية فيما يتعلق بالأماكن، ويمكن اعتبار هذا التناظر بين الجانبين كأساس للتشخيص العيادي، بالإضافة للسمات الجسدية والسلوكية المميزة لهم، فقد أكدت الدراسات أن طفل متلازمة ويليامز لديه تأخر عقلي بسيط أو متوسط، و75% منهم يواجهون مشكلات في التأخر العقلي، ونسبة تقدر بـ 20% منهم يمتلكون ذكاءً متوسطاً، والذاكرة لديهم سليمة نسبياً مقارنة بالأشخاص ذوي المتلازمات الأخرى، فالذاكرة السمعية واللفظية قصيرة المدى سليمة، أما الذاكرة البصرية فتتأثر وتضعف بشكل كبير..(Sepúlveda& Resa, 2021)
والمثير للاهتمام أن الدراسات الحديثة أشارت إلى أن أحد أوجه اللغة قد لا يكون سليما لديهم، مما يعني أن المناطق الدماغية المصونة وبقاء الذاكرة قصيرة المدى على المحك بالنسبة إليهم، وقد تزول أو تضعف بسرعة، وهذا يعني أن الشخص من ذوي المتلازمة قد يكون مؤهلاً للكلام لكنه لا يستطيع أن يحتفظ به كثيراً في ذاكرته قصيرة المدى أو الطويلة.
كما أوضحت دراسات أخرى أن الأشخاص ذوي متلازمة ويليامز يقلّ أداؤهم في الاختبارات الأدائية التي تتضمن معالجة بصرية مثل استنساخ الرسوم، ويخفقون في الإدراك الكامل أو تسوء لديهم ما تسمى بالصورة الذهنية المتكاملة. (Mervis& John. 2011).
وتتمثل الخصائص المعرفية للأشخاص ذوي متلازمة ويليامز في التأخر العام باكتساب المهارات الحركية والتأخر العقلي المعتدل والتعديلات المختلفة المتعلقة بالإدراك البصري، كما توجد لديهم مشكلات في التوازن والتناسق الحركي، والتي تعود في الأساس إلى شذوذ في العضلات والعظام والتي تتسبب في تأخير اكتساب المشي والمهارات الحركية النهائية، إلخ…
ومن المحتمل حدوث تأخر عقلي بسيط لديهم يتراوح بين البسيط والمتوسط في الغالب، وكما ذكرنا سابقاً، يتأخرون في اكتساب المهارات اللغوية إلا أنهم يتواصلون تعبيرياً بشكل جيد مع الآخرين، كما يمتلكون قدرة على استخدام المفردات السياقية، والقواعد الصحيحة، والاتصال بالعين، وتعابير الوجه ، إلخ، كما أكدت الدراسات أن سلوكهم الاجتماعي يتأثر كثيراً بهذه المتلازمة. (Pober& Morris. 2007).
وعموماً لدى الأطفال ذوي متلازمة ويليامز درجة من درجات التأخر الفكري والحركي، وإن كان ثمة تشابه بينهم فهناك اختلاف أيضاً، ومن أهم السمات لديهم مستوى الذكاء المتوسط، حيث تتركز صعوبات التعلم عندهم في مجال القراءة والكتابة والحساب مما يرتبط بضعف التركيز والانتباه، والضعف العام في التكيف الاجتماعي وتأثر الكلام والذاكرة واللغة والنطق لديهم، إضافة لتأخر المشي وضبط الإخراج.
ويعتبر الكثير من الباحثين أن متلازمة ويليامز هي نقيض الطفل ذي اضطراب طيف التوحد، فهي حالة طبية نادرة تصيب صاحبها بحبّ شمولي غير مشروط تجاه الجميع، فالطفل عادة لا يستطيع ردع نفسه عن عناق الآخرين، ولا يخاف الغرباء ويحب جميع الناس على حدّ سواء، وذلك يعتبر أمراً جيداً لكن تشخيص الحالة ليس بالأمر الجيد، فعادة ما يواجه الأشخاص ذوو متلازمة ويليامز صعوبات وتحديات لا تقلّ حدةً عن تلك التي يواجهها الأشخاص ذوو اضطراب طيف التوحد، حيث تتوزع بين صعوبات التعلم وأزمة تكوين الصداقات. (صبح، 2017).
وبما أن متلازمة ويليامز اضطراب في النمو يتميز بإعاقة ذهنية متغيرة، فالأشخاص ذوو المتلازمة يحتاجون عادة إلى تدخل الاختصاصيين السريريين والتربويين طوال حياتهم، ومع ذلك لا يُعرف الكثير عن التأثير الناتج عن هذه الإعاقة في بيئتهم المباشرة، وخاصة فيما يتعلق بالأسرة، لذا فقد نادى الداعمون النفسيون للأسر بتحقيق جودة الحياة ودعمها نفسياً، وهذا عكس ما ركزت عليه الدراسات بدعم الشخص ذي الإعاقة في المقام الأول دون الأسرة، ويتضح فعلياً ندرة الدراسات التي اهتمت بتقديم الدعم لأسر الأشخاص من ذوي المتلازمة. (Sepúlveda& Resa, 2021) .
يتبع ……….