(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى· أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم اليريسيين، (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)
منذ أن عقد الرسول صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع قريش، فإنه لم يدخر جهداً لنشر الإسلام بسياسته الحكيمة والاستشرافية، أو ما يصطلح عليه اليوم بالسياسة الخارجية أو العمل الدبلوماسي، وذلك من خلال إيفاده مبعوثين يحملون عدداً من الرسائل إلى ملوك وأمراء العالم خارج الجزيرة العربية يدعوهم فيها إلى الإسلام تحمل بشائر وأنوار الهداية، فجاءت هذه الرسائل وسيلة دعوية حضارية، لإعلام الناس وإبلاغهم بدين الإسلام، دين الهدى والسلام.
لم يستخدم الفقهاء المسلمون مصطلح الدبلوماسية، ويطلقون على القواعد التي تنظم العلاقات الدبلوماسية في وقت السلم وإرسال الرسل واستقبالهم بقواعد السير. فيقولون السيرة النبوية أو كتاب السير. وهي تعني سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم الراشدة وإدارة العلاقات الدبلوماسية في وقتي السلم والحرب والعلاقة مع الأعداء (دار الحرب)، واختياره الرسل لحمل رسائله للملوك، وكيفية استقباله الرسل وطريقة التفاوض معهم ومنحهم الامتيازات والحصانات الدبلوماسية، وعقد الصلح والهدنة والتحالف مع الآخرين وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية، وتبادل التهاني والتعازي والهدايا (1).
إن القانون الدولي يرجع نشأة العمل الدبلوماسي في الوقت الحاضر إلى القرن الثامن عشر، خاصة منذ مؤتمر فيينا سنة 1815، في تجاهل تام لما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قواعد دبلوماسية. فقد اعتمد أسلوب الرسائل وكانت الوسيلة العامة للعلاقات الدبلوماسية للملوك والأمراء، وهو ما يعبر عنه في وقتنا المعاصر بالبعثات الخاصة، التي تتحدد مهمتها في إيصال الرسائل إلى الملوك ورؤساء الدول وشرحها لهم.
لقد اختار الرسول عليه الصلاة والسلام من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم فقرأ الكتاب ولم يسلم، وبعث عبدالله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك الفرس فلما قرئ الكتاب عليه مزقه، ولما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مزق الله ملكه)، وقد كان كما قال، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة فلما أعطاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه، ووضعه على عينه، ونزل عن سريره على الأرض، وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية، فأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجعله في حُقِّ من عاج، وختم عليه، ثم كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً، ولم يسلم، وأهداه جاريتين هما مارية وشيرين، وبغلة تسمى دُلْدُل. وبعث عمرو بن العاص السهمي إلى جيفر وعياد ابني الجلندي الأزديين ملكي عمان، فأجابا إلى الإسلام جميعاً، وصدقا النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث سليط بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي إلى هوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة، فرد عليه رداً دون رد، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك)، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين فلما أتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم، وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام، فلما بلغه الكتاب رمى به وقال: من ينزع ملكي مني؟ أنا سائر إليه، ولم يسلم. واستأذن قيصر في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فثناه عن عزمه، فأجاز الحارث شجاع بن وهب بالكسوة والنفقة، ورده بالحسنى، وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن وقد أسلم هو وأخواه جميعاً (2).
وهذا الأسلوب الجديد الذي اختار الرسول صلى الله عليه وسلم المتمثل في مراسلة الملوك والامراء وشيوخ القبائل، يدخل في إطار العمل الدبلوماسي المتعارف عليه في العصر الحديث. كما كان لهذا الأسلوب أثر بارز في دخول بعضهم الإسلام وربط علاقات ودية مبنية على السلم والاحترام المتبادل مع عدد من الممالك والإمارات.
وكشفت هذه الرسائل أيضاً مواقف بعض الملوك والأمراء من الدعوة الإسلامية (3)، خصوصاً إذا علمنا أن سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم توجهوا بالرسائل إلى كبار الملوك، نذكر منهم، النجاشي ملك الحبشة، وكسرى ملك الفرس، وهرقل عظيم الروم (4). وبذلك هذه الرسائل حققت نتائج كثيرة، واستطاعت الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال ردود الفعل المختلفة تجاه الرسائل أن تنتهج نهجاً سياسياً وعسكرياً واضحاً ومتميزاً، حسبما ذهب إليه أحد الباحثين (5).
فبهذه الرسائل سعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى التعريف بدين الاسلام، دين العالمين، تلك العالمية التي أكد عليها الله تعالى في كتابه الحكيم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (6).
وكان اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لسفرائه قائماً على مواصفات كانوا يتحلون بها، كالعلم والفصاحة، والصبر والشجاعة، والحكمة وحسن التصرف، وحسن المظهر، والتكلم بلغة القوم الذين بعثهم إليهم، ويملكون القدرة على إيصال المطلوب وشرح مضمون المذكرة الدبلوماسية، وهي خصائص يجب أن يتصف بها الدبلوماسي في وقتنا الراهن.
على ضوء ما تقدم يمكن الجزم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أظهر دراية وحكمة في علاقاته الدبلوماسية، لاسيما وأن بعض هذه الكتب قد أرسلت إلى دول كبيرة وملوك أقوياء، ولكن حرص على إبلاغ دعوة الله في بقاع العالم. وكذلك من حكمته صلى الله عليه وسلم اعتماده لغة المجاملة في مخاطبة الملوك والأمراء، وقد ظهر ذلك في رسالته إلى هرقل عظيم الروم، وبمثلها خاطب كسرى وسائر الملوك.
وهكذا، فإن رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء تعتبر نقطة تحول في سياسته الخارجية، فعظم شأنها ذلك الوقت، وتجسدت بها علاقاته الدبلوماسية المتميزة نظراً لعبقريته وحكمته وشجاعته في التعامل مع هؤلاء الملوك والأمراء.
المراجع والإحالات:
- العلاقات الدبلوماسية في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم: الدكتور سعيد أبو عباه، نشر بتاريخ: 31/03/2016، انظر الرابط: https://maannews.net/Content.aspx?id=838135
- انظر مؤلف: زاد المعاد في هدي خير العباد: العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت – مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة السابعة والعشرون، السنة 1415هـ /1994م.
- انظر كتاب تاريخ الطبري تاريخ الأمم والملوك، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري.
- انظر الرسالة الجامعية: فقه الدعوى في رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء: علي بن حافظ بن سالم الوادعي، بحث مقدم لنيل درجة الماجستير، العام الجامعي 1425هـ – 1426هـ.
- انظر مؤلف: العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية، د. سعيد عبد الله حارب المهدي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، سنة 1995، ص112.
- سورة الأنبياء: الآية 107.
>الجنسية: المغرب
الشواهد الجامعية والدبلومات المحصل عليها
- دكتوراه في القانون العام
- ماجستر في العلوم الادارية
- إجازة في العلاقات الدولية
المؤهلات العلمية
- أستاذ مشارك بجامعة محمد الخامس بالرباط وفي عدة معاهد بالمغرب و مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية
- خبير لدى المعهد العربي للتخطيط
- خبير لدى المنظمة العالمية ISESCO
- خبير دولي معتمد لدى عدة شركات للتدريب والاستشارات
- عضوالجمعية الدولية للقانون الدستوري
- عضوشبكة المدربين العرب
- خبير في مجال صياغة مشاريع القوانين والعقود
- خبير في التدريب في مجال القانون والإدارة والمالية والتدبير
القدرات الفنية والإدارية
- خبرة وممارسة لأكثر من 14 سنة في مجال التدريب والتخطيط والإشراف والتنفيذ للعديد من برامج التطوير والتدريب الإداري
- خبرة في تصميم البرامج التدريبية وإعداد الحقائب
- التدريب والقيادة والإشراف على كثير من فرق العمل متنوعة الاختصاصات
- خبرة في تصميم وتقييم برامج قياس الاحتياجات التدريبية في بيئة العمل، ووضع البرامج التدريبية بناءً على تلك الاحتياجات وقياس الأثر التدريبي
- خبرة في تنشيط الاجتماعات والندوات وتنظيم المؤتمرات
أهم المداخلات التي ساهم بها في الندوات الوطنية والمؤتمرات الدولية والتي لها ارتباط بالتنمية الإدارية:
- التخطيط الاستراتيجي وأثره على التنمية الإدارية (المملكة العربية السعودية),
- الديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي (قطر),
- مكافحة الفساد الإداري بالمغرب (المغرب ),
- معوقات الإصلاح الإداري في الوطن العربي (المغرب),
- الأساليب الحديثة في إدارة الموارد البشرية (مصر),
- التحكيم التجاري الدولي (فرنسا ـ باريس),
- المؤتمر العربي الأول حول الشراكة بين مؤسسات التعليم والتدريب المهني ومؤسسات سوق العمل (تونس),
- طرق النجاح لطلاب التعليم الجامعي (المغرب),