إذا أردنا الحديث عن كرامة الشخص ذي الإعاقة بين أفراد مجتمعه فلا بد من الحديث عن تشغيله في سن العمل، فكثيراً ما نرى إخواننا ذوي الإعاقة الذين أنهوا تعليمهم الأكاديمي أو تخرجوا من مؤسسات التأهيل المهني، وقد بدأوا رحلة أخرى من حياتهم تتضمن البحث عن عمل ملائم لهم يليق بقدراتهم، ويحفظ كرامتهم من السؤال والعوز، إلا أنهم يواجهون مصاعب جمة تحول دون حصولهم على العمل الملائم يتمثل أهمها في النظرة المجتمعية لهم وضعف الثقة بقدراتهم.
إذا كان العمل ينعكس على سلوك الشخص من غير ذوي الإعاقة ومدى تكيفه مع الوسط الاجتماعي المحيط، وإذا كانت نظرة المجتمع للعامل تختلف عن العاطل عن العمل، فما بالنا إذا طبقنا هذه المعادلة على الأشخاص ذوي الإعاقة الباحثين عن عمل؟ وإذا كانت النظرة للشخص ذي الإعاقة لا تخلو من الشفقة والعطف، وعدم القدرة، فكيف ستصبح النظرة عندما يكون هذا الشخص عاطلاً عن العمل؟
لا تخفى علينا الآثار الإيجابية للعمل على الشخص ذي الإعاقة، فعدا عن المردود المادي الذي يحصل عليه، فهو يحقق ذاته ويشعر بنفسه كفرد مستقل وقادر على المشاركة في البناء المجتمعي، ويمكّنه عمله من الوفاء بمتطلبات إعاقته من أجهزة ومعينات مساعدة ورعاية صحية بدلاً من الاعتماد على الآخرين، إضافة إلى تحقيقه لهدفه بالزواج وتكوين أسرته الخاصة التي يستطيع إعالتها دون الحاجة للآخرين.
لقد ارتبطت الصورة النمطية للشخص ذي الإعاقة طوال سنين، بالشخص البائس الفقير المعرض للإهانة من قبل الآخرين، الذي يعيش على هامش الحياة، وتم تصويره بأنه محتاج دائماً ويسأل الناس حاجته، ولا يكترث بما يوجه له من إهانات أو شتائم، شخص غير مرحب به لأنه مختلف عن الآخرين ويجب أن يبقى حبيساً بين جدران إعاقته ونظرة المجتمع النمطية له.
ولم تقتصر هذه الآثار عليه بل امتدت لتشمل أسرته أيضاً، حيث عانت أسرة الشخص ذي الإعاقة من مثل هذه النظرة التي تتسم بالازدراء والرفض وعدم التقبل، ووصل الأمر إلى رفض الزواج من أحد أفرادها خوفاً من أن تكون أسباب الإعاقة وراثية، مما اضطر كثيراً من الأسر إلى عدم إظهار أطفالها من ذوي الإعاقة وابعادهم عن المشاركة في مختلف جوانب الحياة، إلى أن أثبت أبناؤهم ذواتهم في مجالات مختلفة ومن أهمها مجال العمل، حيث أصبحوا مدرين للدخل ومعيلين للأسرة، مما رفع من ثقتهم بذواتهم، وأكد على حقيقة أن أبناءهم وإن كانوا مختلفين من حيث الشكل فهم غير مختلفين من حيث القدرات.
لقد ظل الأشخاص ذوو الإعاقة خلال فترات زمنية ماضية اعتماديين وعالة على المجتمع ومؤسساته، ينتظرون الرعاية الاجتماعية والصحية، ويحصلون على احتياجاتهم الأساسية من أهل الخير ومن يقدم لهم المساعدة، علماً أن لديهم قدرات يستطيعون توظيفها في أعمال لائقة، وقد ظل صوت الشخص ذي الإعاقة غائباً عن الساحة لأنه معال بين أركان بيته أو في المؤسسة التي يأوي إليها، وكان مغيباً عن المشاركة بكل أشكالها، ويحتاج لمن يفكر عنه ويعمل عنه ويسد احتياجاته، إلى أن بدأ الأشخاص ذوو الإعاقة بأخذ زمام أمورهم بأيديهم والاعتماد على أنفسهم عبر تشكيل منتدياتهم الخاصة ومؤسساتهم التي تطالب بحقوقهم في العيش بكرامة وتدافع عنها.
وقد كان خروج الشخص ذي الإعاقة إلى ساحة العمل دافعاً له لإثبات ذاته، حيث أصبح قوة اقتصادية لها كيانها، وبالتالي قوة اجتماعية يمكن الاستماع لها، ولم يقتصر الأشخاص ذوو الإعاقة على إشغال الوظائف المساعدة أو الروتينية أو الحرفية، بل كان لوصولهم إلى المناصب الإدارية وفي مواقع المسؤولية أهمية كبيرة في رفع أصواتهم والمناداة بحقوقهم وتحقيق جزء كبير منها، بعد أن أثبتوا عملياً أمام الآخرين كفاءتهم وقدرتهم التي تنافس أقرانهم غير المعاقين، وبعد أن ولّدت إبداعاتهم في مختلف المجالات نظرة مجتمعية جديدة تتسم بالتقبل والترحيب بالتنوع والاختلاف والإيمان بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
إن الشخص ذا الإعاقة العامل هو شخص معتد بذاته، يختزن مفهوماً إيجابياً عن نفسه ويتصرف بناءً على هذا المعتقد بثقة وحيوية، متفاعل اجتماعياً عن طريق العمل، لا يشكل عبئاً على الآخرين في النفقة، ويؤدي احتياجاته بنفسه، وبالتالي هو شخص مصان الكرامة.
فإذا أردنا تحقيق الكرامة للشخص ذي الإعاقة ولأسرته فلنبحث له عن عمل ينتفع به ويحقق ذاته من خلاله، ولنغنيه عن انتظاره الشهري لمخصصات الضمان الاجتماعي التي تقدمها له الدولة، فكرامة الشخص ذي الإعاقة لن تصان بتقديم المساعدات المادية والرعاية الأولية له، وإنما بتعليمه الوسيلة التي يكتسب منها عيشه وتجلب له مردوداً مادياً، ويقع في إطار ذلك أهمية تقديم البرامج الأكاديمية والتدريبية المهنية له منذ صغره، والتي تتناسب مع إعاقته ومع متطلبات سوق العمل، والبحث عن مكامن القوة التي يمتلكها وتنميتها لضمان تشغيله وعيشه بين أقرانه بأمان وكرامة.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011