طلبت من أمي في إحدى سفرياتها شراء كاميرا ديجيتال جديدة لي للتعويض عن تكاليف الأفلام وتحميضها، عادت أمي بعلبة كاميرا وأخبرتني أنها هدية من سمو الشيخة جميلة القاسمي وكنت في غاية السعادة
أعاني من ضعف سمعي حسي عصبي عميق في كلتا الأذنين تم اكتشافه عند عمر الثلاث سنوات ووفق تشخيص مقياس فقد السمع إلى 90 ديسيبيل في الاذنين واستمر حسب آخر مقياس قبل زراعة القوقعة في الاذن اليمنى يوم 22 اغسطس2017، كنت أعتمد بشكل أساسي على قراءة حركات الشفاه للتواصل مع الآخرين. ومنذ صغري كنت أذهب مع جدي إلي الاسكندرية لتلقي دروس التخاطب واكتسبت معظم سمات شخصيتي الحالية من جدي.
درست في المدرسة النظامية بالمملكة العربية السعودية، ولم أكن أعتمد على المعلم في التعليم كان لدي دائماً مدرسة في البيت فكانت أمي تدرسني اللغة العربية والجغرافيا والتاريخ وأبي يدرسني اللغة الانجليزية والعلوم، وكنت أواجه صعوبة في فهم الكلمات والمفردات الجديدة غير المألوفة لي، حيث أني لم أكن متعوداً عليها في التواصل اليومي، وكان والداي يشرحان الكلمات الجديدة خصوصاً الفصحى والمقررات بشكل مبسط وبالأمثلة المصورة مما ساعدني على تجاوز المرحلة الابتدائية والمتوسطة بمناهج التعليم العام المصرية والامتحان في السفارة المصرية.
عدت إلى مصر مع أسرتي، وكانت أكبر عقبة واجهتني المفردات العامية المصرية كنت أتساءل دائماً عن معاني كلمات العامية وكنت أشعر بالحرج من والديّ بسبب ما تضمنه من كلمات غير لائقة إلى أن ساعدني أخي عمر وبعض من أولاد الجيران ممن أراهم يومياً في فهم بعض المصطلحات غير المألوفة لدي.
وكانت مشكلة الدروس الخصوصية حيث أن المعلمين اقنعوا والديّ بحاجتي لدروس خاصة بجانب المدرسة النظامية وكانت هذه الدروس تستغرق معظم يومي لدرجة أنني لا أجد وقتاً كافياً للاستذكار مما أثر على مستواي في الثانوية العامة التي نجحت في اجتيازها بصعوبة في القسم العلمي رياضيات.
تمنيت أن أدخل الهندسة الإلكترونية لشغفي بتصميم الالكترونيات حيث أنني كنت أخترع بعض الألعاب مستخدما أجهزة الأتاري ومخلفات المنزل والألعاب القديمة إلا أن الله قدر لي دراسة الفنون التطبيقية، وبدأت أعيش بعيداً عن أهلي لأول مرة.
أول سنة لم يكن لي أصدقاء، كان جدي – رحمه الله – يقيم معي في السنة الأولى للمساعدة في تعريفي بأساسيات المعيشة، وكان تركيزي على الرسوميات والمقررات المعتمدة على الرسم، وكان المعيدون يجلسون معي بعد كل محاضرة للتأكد من استيعابي المطلوب، ونجحت في السنة الاولى بتقدير (امتياز).
كان عليّ أن اختار القسم للتخصص، واخترت قسم الجرافيك وفنون الاعلان لأنني كنت أتميز منذ الثانوية باستخدام برنامج الفوتوشوب – الذي تعلمته بنفسي من خلال الانترنت – وساعدتني إجادتي لبرنامج الرسوميات في الانتهاء مبكراً من بعض مقررات السنة بالكامل بعد ثاني أو ثالث حصة. لكن أحد اساتذتي جعلني أكرر المشروع 3 مرات وشرحته له حتى تأكد أني صممته ونفذته بنفسي.
انبهر أساتذتي بأعمالي وقدموني إلى زملائي وأبرزوا أعمالي خلال المحاضرات، وبسبب ذلك حصلت على شعبية واسعة في دفعتي واكتسبت العديد من الأصدقاء.
محاولات العمل والتحديات
أهداني والدي مكافأة مالية بمناسبة اجتيازي أول سنة في الجامعة بامتياز، استغليت هذه المكافأة في شراء كاميرا تصوير فوتوغرافي حيث أني درست مادة الفوتوغرافية، وكيف يمكن أن نستخدم الكاميرا في تكوين الكادرات الجمالية وليس للذكريات فقط، وواجهتني مشكلة تكاليف الأفلام والتحميض وكنت كل أسبوع بانتظار الحصول على مصروفي لشراء الأفلام وتحميضها ومتابعة النتائج، وبعد الطباعة كنت أحصل على صورتين أو 3 صور جيدة من أصل 36 صورة سعة الفيلم وكان هذا محبطاً لي.
أثناء إحدى الإجازات الصيفية خلال سنوات دراستي الجامعية التحقت بالعمل في أحد ستوديوهات التصوير وكنت أتعلم التعامل مع الصور من خلال برنامج الرسوميات الفوتوشوب وساعدني ذلك على اكتساب التعريف بأساسيات تعديل وتصحيح الصور.
طلبت من أمي في إحدى سفرياتها شراء كاميرا ديجيتال جديدة لي للتعويض عن تكاليف الأفلام وتحميضها، عادت أمي بعلبة كاميرا وأخبرتني أنها هدية من سمو الشيخة جميلة القاسمي وكنت سعيداً جداً، وبدأت انطلق.
وعندما نشرت صوري على إحدى المواقع العالمية للتصوير دعاني أحد المصريين الأعضاء في الموقع للانضمام الي مجموعة المصورين المصريين ورحلاتهم وذهبت معهم لأول مرة إلى مهرجان بورسعيد للتصوير الضوئي، عانيت من عدم استطاعتي التواصل مع الزملاء وضعف التفاعل معهم، وعدت إلى البيت حزيناً ومحبطاً ثم كانت المفاجأة الجميلة باختيار لجنة المهرجان مجموعة صوري ضمن أجمل الصور الملتقطة في المهرجان. وشاركت بصورتين في مسابقة التصوير الفوتوغرافي على مستوى الجمهورية ودعمني أبي بتكاليف الاشتراك في المسابقة وحصلت على المركز الثالث، وساعدني ذلك على اكتساب احترام الزملاء وربما إجبارهم على ابتكار طرق للتواصل معي.
كنت أسمع عن البيزنس والأعمال أيام الدراسة، فكان بعض الطلاب ينظمون الرحلات كإحدى الوسائل لكسب المال. وكان لي صديق في كلية الآثار استعار مني كاميرتي لتصوير الآثار المختلفة المتعلقة بدراسته وناقشته في حاجة زملائه لشراء الصور الملتقطة وطباعتها وشكواهم من مغالاة معظم المعامل في طباعة الصور، وكنت أتمتع بخصم كبير في طباعة الصور كمصور في أحد المعامل.
واتفقت معه كشريكين في تأسيس خدمة لطباعة صور الآثار بنصف ثمن المعامل، ولقينا رواجاً كبيراً حتى أن نصيبي من الأرباح كان أكثر مما يرسله لي والداي إلى أن انتهت أيام الدراسة الجميلة.
انتهت مرحلة الجامعة والمصروف الأسبوعي وعدت إلى بيت أهلي، كان عليّ أن أعتمد على نفسي في كسب المال وكنت بانتظار موقف التجنيد كي أبدأ العمل رسمياً إلا أنني استفدت من الوقت للعمل في أحد مكاتب الاعلانات الصغيرة لأني كنت أتميز في التصميم، وكنت دائما أنجح من أول مقابلة لكنني أدركت أن طموحي أكبر واعتذرت عن تكملة العمل من أجل الانتقال إلى مكتب أكبر في القاهرة خصوصاً بعد حصولي على الاعفاء من التجنيد.
كلمتني أمي عن حاجة أكبر المكاتب في مدينتي لعملي معهم ـ حيث أني وضعت رقم أمي في سيرتي الذاتية ـ واعتذرت وتقدمت إلى اختبار لوظيفة مصمم جرافيك في أحد مكاتب القاهرة مع آخرين، واختاروني فوراً وتسلمت مكتبي الجديد من ثاني يوم، وانطلقت معهم كنت سعيداً برؤية أعمالي في اعلانات الشوارع في طريق عودتي للمنزل والمجلات، اعتذرت عن التكملة معهم بسبب الروتين الحكومي والحسابات.
بدأت بالعمل الحر وكانت لدي صعوبات في البداية لعدم توفر البيئة المناسبة للعمل مما أدى إلى تأخيري في تسليم بعض الأعمال ثم التحقت بواحدة من أكبر الوكالات الإعلانية الأجنبية واستمر عملي معهم عامين كنت سعيداً معهم لتوفر البيئة المناسبة، وأيضاً كان التواصل سهلاً حيث أحضروا لي سبورة خاصة للتواصل عليها وكنا نتواصل بالكتابة عليها باللغة الانجليزية كلغة مشتركة.
كنت أعاني من الصعوبة في التواصل مع العملاء، وتم حل المشكلة بتكليف أحد الزملاء في العلاقات العامة ليكون حلقة الوصل بيني وبين العملاء وكان عليّ أن امتلك جهاز البلاك بيري للتواصل مع زملائي في المكتب عوضاً عن المكالمات التليفونية قبل عصر الواتس اب الذي نشهده هذه الأيام، وكان مديري الانجليزي يشيد بي دائماً وتعلمت منه معنى الانضباط في التصميم والعمل، وتعلمت أن الانضباط أساس أي نجاح.
دور الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي
بجانب عملي في وكالة الاعلانات كنت أهتم بالتصوير الفوتوغرافي كهواية محببة لي، وكنت دائماً أتعرف على التقنيات الحديثة من خلال الانترنت، وكنت أنشر أعمالي على شبكات التواصل الاجتماعي فاكتسبت شعبيتي على الانترنت كمصور، وتلقيت طلبات لتصوير بعض حفلات الزفاف ولم يكن طموحي ـ مع كل احترامي ـ أن أصبح مصور أفراح، واعتذرت عن كافة العروض اكتفيت فقط بالتصوير للأصدقاء المقربين وبعض الأقارب وبالمجان، واكتفيت بتصوير بعض المنتجات.
تطورت الكاميرات بشكل كبير وأصبحت خاصية تصوير الفيديو بجودة تقارب الكاميرات السينمائية متاحة وسبقت غيري في التعرف على تصوير الفيديو من خلال الكاميرات الفوتوغرافية وعملت فيديو واحد شخصي وخاص بأصدقائي بدافع المرح ونشرته علي شبكات التواصل الاجتماعي، لم يكن في بالي أن الفيديو سيلاقي كل الرواج والصدى لدرجة أن إحدى وكالات الميديا طلبت بعد اجتماع معي تصوير فيديو موسيقي بشكل مبدئي ، وكنت مسؤولاً عن تقنية الستوب موشن stop motion في الفيديو وكانت بداية انطلاقي في الفيديو كعمل، ثم طلبوا منى العمل مدير تصوير لبرنامج تلفزيوني جديد مقابل مبالغ أكبر بكثير مما أحصل عليه كمصمم في الوكالة، وفشلت بالحصول على إجازة لبضعة ايام من أجل العمل في التصوير فقدمت استقالتي وكانت نقطة تحول كبير في الانتقال الوظيفي وكنت ودعت عالم التصميم ودخلت في عالم التصوير.
كانت بداية صعبة نوعاً ما لتعثري وقلة خبرتي وافتقاري إلى موهبة إقناع العملاء والمنتجين وعدم اعتراف المجتمع بقوة وسائل التواصل الاجتماعي بعد. وبدأت أشعر بالندم على التحول الوظيفي حتى حدثت ثورة يناير 2011 وبدأ اعتراف المجتمع بقوة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي بل وبدأت القنوات بنشر فيديوهاتي خلال الأحداث، وساعدتني حرية التصوير من غير التصاريح في مصر فبدأت تصميم فيديوهات مخصصة وبيعها للقنوات الفضائية بالمشاركة مع أحد أصدقائي أسست مع اصدقائي أول قناة الكترونية وساعد ذلك في جلب المشاهدات والإعلانات على حساب القنوات.
وأثبتت نفسي في سوق انتاج فيديوهات شبكات التواصل الاجتماعي وكانت المفاجأة باختياري كمدير تصوير أحد البرامج الرمضانية، وعززت جودة العمل اتجاه المنتجين للمصورين باستخدام الكاميرات الفوتوغرافية على حساب الكاميرات التلفزيونية، وبدأت مرحلة أسميها مرحلة دمج الإعلام الرقمي والإعلام التقليدي كنت أعلّم مصوري التلفزيون طريقة استخدام الكاميرات الفوتوغرافية وتعلمت من الإعلام التقليدي معنى تصميم الانتاج لتسهيل ظروف العمل إلى أن تعلمت معنى أن أكون one man crew وهو مصطلح يعني أن يقوم فرد واحد بإنتاج وتسجيل الفيديو والصوت ومونتاجه بنفسه بدل احضار حافلة تضم مخرجاً ومهندس صوت وفنيين وبدأت انتج فيديوهات بنفسي.
وساهم ذلك في تقليل تكاليف انتاج الفيديوهات خصوصاً في الوثائقيات وتقارير القنوات، وساعد حبي للسفريات والمغامرات والسفر إلى سيناء باستمرار للاعتماد عليّ من قبل أكبر البرامج التليفزيونية في مصر في تغطية تقارير خاصة بسيناء لوحدي لفهمي جغرافية المكان وخوف معظم العاملين من الذهاب إلى سيناء نظراً للأحداث الأمنية، وطبقت هذه الطريقة في الفيديوهات من خلال العمل التطوعي في مخيم الأمل بالشارقة والقوافل الطبية إلى سيوة، وكنت أتحمل مسؤولية إنتاج الفيديوهات ونجحت بحمد الله حتى الآن ولم يفشل أي منهم.
الوضع الحالي وإلى أين وصلت؟
مع كثرة انتشار المواهب الصغيرة واعتماد المنتجين عليهم لأجورهم القليلة مقابل الجودة. أصبحت وظيفتي معرضة للخطر مع قلة الطلب. فبدأت التركيز على تقنية التصوير بالتايملابس والتخصص فيها لأني لاحظت تدني جودة أعمال التايملابس في الأعمال الفنية في مصر وبدأت التركيز على التايملابس في الأعمال التي كنت مسؤولاً عنها في البرامج والوثائقيات مما لقي صدى جميل إلي أن حصلت على أول عمل لي في مجال الدراما التليفزيونية واضطر المخرجون والمنتجون الكبار للتواصل معي بطريقتي وكتابة الورقة والقلم رغم عدم اعتيادهم على ذلك مما عزز ثقتي بنفسي وقدرتي على مواجهة ضغوط العمل المختلفة ولله الحمد.
أحمد نجيب السيد