ترجمة: هاشم كاطع لازم ، تأليف: صوفيا ألين Sofia Allen
في فترة التحولات الهائلة التي يشهدها عالم اليوم، تسعى الاقتصادات الناهضة لمواصلة نموها السريع بالتوازي مع مد العولمة Globalization الذي لا يمكن إيقافه على ما يبدو، وبذا تصبح عملية التغيير أمراً لا مفر منه.
ساعد الإنترنت في نشر المعلومات على أوسع نطاق، لكننا نلاحظ في الوقت ذاته أن القرارات التي تتخذها النخبة لها نصيب أكبر وتأثير أعظم من أي وقت مضى.
ترى ماذا يعني ذلك؟
يعني الأمر ببساطة أن (التواصل الدولي) يؤدي دوراً بالغ الأهمية في وقتنا الحاضر قياساً بأية حقبة زمنية سابقة.
وفي عالم اليوم الذي يضم أكثر من 7000 لغة مختلفة يلعبُ القائمون على تقديم الخدمات اللغوية دوراً محورياً في تسهيل مثل هذا التواصل عبر أرجاء المعمورة.
لكن ما التأثير الذي يمكن أن تتركه أوجه التقدم التكنولوجية المذكورة على عملية التواصل عبر الحدود؟
الترجمة الآلية وتطور الذكاء الاصطناعي :
تمثل الترجمة الآلية machine translation (MT) إحدى جوانب حقل الخدمات الترجمية التي تطورت بشكل مذهل في السنوات الأخيرة.
ويمكن تعريف الترجمة الآلية بعبارات بسيطة هي:
(العملية التي يتم بموجبها تحويل نص من لغة إلى لغة أخرى من خلال الاستعانة بالحاسب الآلي).
وتعود بدايات البحث العلمي الخاص بالترجمة الآلية إلى عام 1949.
ولفهم الكيفية التي تعمل الترجمة الآلية بموجبها علينا أولاً أن ندرس بإمعان العملية المعرفية التي تشكل الأساس للترجمة التي يقوم بها الإنسان.
كيف يعمل المترجمون على وجه التحديد؟ وحين يكلف المترجم بترجمة نص ما من لغته الأصلية (النص الأصلي) فإنه يتعين عليه أولاً أن يفك شفرة معنى ذلك النص ومن ثم يقوم بتكرار معناه في اللغة الأخرى (النص الهدف).
ورغم أن مثل هذه العملية تتسم بكونها عملية مباشرة إلى حد كبير فإن المترجم المحترف والمتمرس سوف ينجز مثل هذه المهمة وفق صيغة محددة محصناً بمعرفة عميقة بالقواعد اللغوية وعلم الدلالة semantics وكذلك بناء الجملة وتركيبها ومصطلحات كلتا اللغتين، ومن ثم ينتقل لمواجهة سائر خصوصيات النص ومن بينها الفوارق الدقيقة ثقافياً ومناطقياً.
وقد استندت عملية الترجمة الآلية منذ ظهورها، ببساطة ، على أساس استبدال الكلمات في لغة معينة إلى كلمات في لغة أخرى.
ولأن مثل هذه الترجمة تعتمد على المدخلات input فقد ظلت لفترة طويلة تفتقر إلى المعرفة السياقية والاصطلاحية مما جعلها غير قادرة على منافسة المترجمين البشر.
وظل هذا الحال قائماً حتى وقت قريب.
أنواع الترجمة الآلية :
هناك ثلاثة أنماط من الترجمة الآلية:
- الأنظمة التي تعتمد على القواعد Rule-based systems: تستخدم مثل هذه الأنظمة مجموعة تضم اللغة والقواعد النحوية والقواميس التي تشمل مفردات عامة.
كما يتم استحداث قواميس اختصاصية للتركيز على صناعات أو حقول معرفية معينة لضمان ديمومة المصطلحات وكذلك علاقتها بكل صناعة من الصناعات.
- الأنظمة الإحصائية Statistical systems: ليس لمثل هذه الأنظمة صلة بالقواعد اللغوية، وبدلاً من ذلك (تتعلم) هذه الأنظمة الترجمة من خلال تحليل كميات كبيرة من المعلومات ذات الصلة بلغتين معينتين.
وبهذه الكيفية تبدأ الترجمة الآلية بمعرفة الكثير عن اللغتين المذكورتين. ثم أن الأنظمة الإحصائية يمكن توجيهها لصناعات أو حقول معرفية محددة، فضلا عن استخدام معلومات إضافية للقطاع الذي تبرز الحاجة إليه.
- الترجمة الآلية العصبية NMT: وهذا منهج جديد يتم من خلاله جعل المعدات الآلية تتعلم كيفية الترجمة من خلال شبكة عصبية كبيرة واحدة …
هناك أيضاً أنظمة ترجمة آلية هجينة تربط ما بين الأنظمة للحصول على أفضل دقة ترجمية ممكنة.
أما بالنسبة إلى التعلّم الآلي machine learning (ML) وهو مفهوم أساسي في إطار الذكاء الاصطناعي منذ بداياته المتواضعة فيعني دراسة خوارزميات الحاسب الآلي التي تتحسن ذاتياً من خلال الخبرة.
يقول توم ميتشل Tom Mitchell : (إن برنامج الحاسب الآلي يتعلم من الخبرة E في ما يخص بعض المهمات T وقياس الأداء P إذا كان الأداء في ما يخص المهمات في T يتحسن مع الخبرة E وفق قياس P. وهذا يعني أن الترجمة التي تعتمد الذكاء الاصطناعي تقوم على نحو مستمر بتحسين مخرجاتها.
ترى ماذا يعني ذلك بالنسبة للكيفية التي نتواصل بموجبها؟ وكيف يؤثر ذلك على مقدمي الخدمة اللغوية؟
استخدام ترجمة الذكاء الاصطناعي: الجوانب العملية
تتفوق الترجمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي كثيراً على أنماط الترجمة الأخرى من حيث خفض الكلفة المالية واختصار الوقت كثيراً.
ومن خلال استخدام المدخلات الأولية، يصبح لهذا النمط من الترجمة القدرة على توسيع معرفته وتدريباته بهدف تحسين المخرجات.
بعد ذلك يقوم مقدمو الخدمة اللغوية بتكليف مترجم بشري للعمل على تحسين الترجمة النهائية التي يطلق عليها (مراجعة التنقيح) post-editing لضمان الدقة المطلوبة.
ومع تحسن أداء الترجمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وإكسابها المزيد من المعلومات فإن الحاجة تقل تدريجياً لعملية مراجعة التنقيح المرهقة.
ومن وجهة نظر الأشخاص الذين يستخدمون مثل هذه الترجمة فإن ذلك يعني استثمار الوقت في أدوات الذكاء الاصطناعي منذ البداية مثل خلق قواعد بيانات ذات صلة بذاكرة الترجمة للتعبيرات الاعتيادية، وهذه تترجم إلى كلفة عالية وتقليص الوقت في المدى البعيد.
وسوف يكون لديك الخيار بأن تعهد إلى مترجم بشري القيام بمهمة مراجعة التنقيح على نحو شامل، لكن مع تعاظم معلومات الذكاء الاصطناعي التي تجعله أكثر ذكاء فإن عملية مراجعة التنقيح الشاملة سوف تكون أكثر كفاءة.
مستقبل الترجمة :
أخيراً يمكن للترجمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أن تقوم بدورين رئيسيين: أولهما أن هذا النمط من الترجمة أداة مستقلة للقيام بعملية ترجمة واسعة النطاق، وثانيهما تقديم العون للمترجمين من البشر من خلال زيادة إنتاجيتهم ومخرجاتهم اليومية وإعانتهم على التعامل المريح مع مواعيد إنجاز عمل محرجة.
ونحن على يقين أن المستقبل القريب سوف يشهد سعي ترجمة الذكاء الاصطناعي لتعميق التفاعل والتواصل بين الزبائن والمترجمين بحيث تتسنى لنا الاستفادة كثيراً من الوقت المحدد وموارد المترجم البشري المقتدر.
ترجمة الذكاء الاصطناعي: بعض الجوانب السلبية
نحن لا نكشف سراً حين نقول إن كل اختراع تكنولوجي جديد يحمل في جعبته نواحي قصور محددة. وترجمة الذكاء الاصطناعي من هذا المنظور تعتبر ترجمة مثالية للتعامل مع كم كبير من المعلومات المطلوبة لأغراض الفهم فحسب.
ومن غير المحتمل أن يتمكن هذا النمط من الترجمة من منافسة المترجمين البشر في ترجمة نص عاطفي أو مؤثر أو مقنع ، وهو الشكل الذي تبرز إليه الحاجة في التسويق والإعلان على وجه الخصوص.
من ناحية أخرى ما يزال الإبداع مرتبطاً كثيراً بالمترجمين البشر، ومن غير المحتمل أن يتغير هذا الأمر في القريب العاجل.
لكن ثمة شيء واحد لا يرقى إليه الشك: سوف تواصل الترجمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تقدمها بيدَ أن ذلك لا يعني أن مجالات الأعمال في مختلف أرجاء العالم سوف تعمد بشكل مفاجئ إلى استخدام تطبيق Google Translate فالترجمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي سوف تتعزز ، بدلاً من ذلك ، في التكنولوجيا حسب الطلب والتي يمكن تكييفها وفق حاجات الزبون مع السعي لتوطيد التعاون المستمر بين الذكاء الاصطناعي والمترجمين البشر.
المرجع :
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.