على المربين والمعلمين تحسين وضع الطفل المعاق بصرياً بإشغاله بأمور مشوقة ومهمة عن طريق القيام بالنشاط الجسدي وزيادة الاهتمام بالبيئة واكتشافها بالحواس الأخرى
في ورقة عمل لها بعنوان: »الإعاقة البصرية وأثرها على النمو «استعرضت الدكتورة منى الحديدي رئيسة قسم الإرشاد والتربية الخاصة في الجامعة الأردنية الخصائص النمائية للأطفال المعوقين بصرياً (المكفوفين وضعاف البصر). وفي بداية الورقة أكدت الحديدي على أن نمو الأطفال ذوي الإعاقة البصرية يشبه نمو الأطفال المبصرين أكثر مما يختلف عنه.
ولفتت الانتباه إلى أن نمو الأطفال جميعاً معوقين بصرياً أو غير معوقين يتحدد في ضوء عدة عوامل منها: التفاعل المتبادل بين الوراثة والبيئة، والتسلسل الطبيعي للنمو، وميل العضوية للحفاظ على الثبات.
ونوهت إلى أن نمو الأشخاص المعاقين بصرياً يتأثر بخصائص الإعاقة البصرية وبخاصة العمر عند الإصابة وأسباب الإعاقة البصرية، ونوعها، وشدة الضعف البصري.
بعد ذلك استعرضت الورقة الحقائق الأساسية فيما يتصل بالنمو النفسي الحركي والنمو المعرفي والنمو العاطفي الاجتماعي والنمو اللغوي للأطفال ذوي الإعاقة البصرية وبينت دور المعلمين والآباء في تنمية وتطوير مظاهر النمو هذه.
وأشارت الورقة إلى أن الأطفال ذوي الإعاقات البصرية يمرون بنفس المراحل التي يمر بها الأطفال المبصرون من ناحية جسدية إلا أن نموهم يتصف بكونه بطيئاً. وهذا يعود إلى العوامل ذات العلاقة المباشرة بفقدان البصر، والقيود التي يضعها الآخرون على نشاطاتهم، وعدم مقدرة هؤلاء الأطفال على رؤية النماذج السلوكية أو غياب الإثارة البصرية اللازمة لاكتساب المهارات المختلفة.
وكلما كانت الإصابة بالإعاقة البصرية متأخرة أخذ الطفل فرصة أفضل لاكتساب المهارات الحركية، وكان الجانب الحركي أقل تأثراً. وكلما كانت درجات الرؤية أفضل كانت قدرة الفرد على التحرك أفضل ودافعيته للمشي والتنقل أفضل. وربما يكون أكثر أنواع التأخر الحركي عند الطفل من ذوي الإعاقة البصرية شيوعاً هو ما يؤثر على التآزر اليدوي وعلى حركات الجسم.
وأضافت أن هناك عوامل بيئية لابد من الإشارة إليها خاصة في المراحل المبكرة من حياة الطفل الكفيف وهي تلك المتعلقة بالممارسات التربوية التي تعكس الحماية الزائدة أو الرفض. فمثل هذه الممارسات تحرم الطفل من فرص التعلم. ونوهت إلى أن غياب فرص إشباع الحاجات الأساسية للحركة قد يؤدي إلى أن يبحث الأطفال عن الرضى من خلال قيامهم بنشاطات جسمية نمطية غير هادفة (العميانيات). وتشتمل هذه الأنماط على حركات في الأطراف أو الرأس أو فرك العينين أو نقر العينين بالأصبع. وتكون هذه الحركات مستمرة ومتكررة وغير وظيفية، وتحد من انشغال الطفل بما هو حوله في البيئة.
ويعزو البعض سبب ظهور السلوكات النمطية إلى النقص في الإثارة الحسية المناسبة ومحدودية الحركة والنشاط الجسمي الهادف والحرمان الاجتماعي وعدم توفر الفرص المتنوعة وقلة التشجيع للسلوكات المقبولة. وللحد من مثل هذه المشكلات الحركية يجب على المعلمين والمربين تحسين وضع الطفل عن طريق إشغاله بأمور مشوقة ومهمة عن طريق القيام بالنشاط الجسدي وزيادة الاهتمام بالبيئة وتحريك الطفل من مكان إلى آخر وحثه على اكتشاف البيئة من خلال حواسه الأخرى.
وبالنسبة للنمو المعرفي للطفل من ذوي الإعاقة البصرية أشارت الحديدي إلى أن هذا الطفل يفتقد شيئاً بالغ الأهمية لأنه لا يستطيع استخدام البصر وإنما يلجأ إلى الحواس الأخرى (السمع، اللمس) لاكتساب المعرفة. وكنتيجة لذلك، لا يكتسب الطفل المعرفة الكافية عن بيئته.
وذكرت ثلاثة محددات أساسية للنمو المعرفي للأطفال من ذوي الإعاقة البصرية، هي:
- محددات ترتبط بتنوع الخبرات ومداها.
- محددات ترتبط بمجال الحركة والتنقل.
- محددات ترتبط بامكانية ضبط البيئة والسيطرة عليها.
وبينت أن أثر الإعاقة البصرية على النمو المعرفي قد لا يكون ملحوظاً في الأشهر الأولى من عمر الطفل، ولكن عندما يبلغ الطفل عمر (4 إلى 5 شهور) فقد لا يندفع إلى الأشياء التي توضع بين يديه أو يوجه يديه نحوها مما يؤخر انتباهه إلى العالم من حوله. ومع أن حاستي السمع واللمس قد تعطيان نماذج منظمة، لكنهما لا تؤديان نفس الوظيفة المتكاملة الكلية التي تؤديها حاسة الابصار.
لذا يجد الطفل صعوبة في تمييز نفسه عن الآخرين. وفي مرحلة متقدمة يجد الطفل صعوبة في عمليتي التمثل والمواءمة (في مرحلة ما قبل العمليات) وذلك بسبب محدودية الخبرات البيئية. ومن الأشياء البيئية التي يصعب على الكفيف الوصول إليها، الأشياء الصغيرة جداً، والأشياء الكبيرة جداً، والأشياء البعيدة، والحيوانات الخطرة، ومفهوم اللون، والعلاقات المكانية. كما ويجد الطفل الكفيف صعوبة في مفهوم الوقت والمسافة.
وأشارت الحديدي إلى أن الصعوبة في تطور بعض المفاهيم لدى الطفل الكفيف تعيق انتقاله من مرحلة العمليات الملموسة (الطفولة الوسطى). ويظهر على هذا الطفل بطء في النمو اللغوي، فيأخذ وقتاً أطول من الطفل العادي لربط الكلمة بمعناها وعادة ما تتطور المفاهيم لدى الطفل الكفيف عن طريق توفير النماذج ووصف وتفسير الآخرين وهذه تعتبر مصادر ثانوية في تقديم المعرفة. ولا غرابة من ملاحظة ظاهرة اللفظية (أي التكلم دون معرفة المعنى).
وبينت الورقة أن ذكاء الأشخاص ذوي الإعاقات البصرية يختلف من شخص إلى آخر، وأن هذا التباين في الذكاء لا يختلف عن التباين الموجود بين المبصرين. وتقييم القدرات العقلية للأشخاص المكفوفين محفوف بالصعوبات. ومن هذه الصعوبات أن الاختبار قنن والبيانات جمعت من خلال التطبيق على عينات مبصرة. فاختبارات الذكاء التقليدية (اختبار وكسلر للذكاء مثلاً) غير مناسبة للاستخدام كما هي.
وهنالك بعض الفروق الواضحة في النمو المعرفي للأطفال المكفوفين والمبصرين. إلا أنه ليس هنالك ما يشير إلى فروق كبيرة بين المجموعتين، ولا زالت هناك حاجة إلى مزيد من البحوث حول هذا الموضوع. وبوجه عام، فالدراسات تشير إلى أن الشخص الكفيف لديه معلومات أقل من غيره عن البيئة، وأنه أقل قدرة على التخيل ويعاني من تأخر في تعلم المفاهيم.
وبالنسبة للنمو العاطفي والاجتماعي للأطفال من ذوي الإعاقة البصرية، ذكرت الحديدي أن الإعاقة البصرية لا تؤثر بشكل مباشر على النمو الاجتماعي ولا هي بالضرورة تخلق بشكل مباشر فروقاً مهمة بين الأشخاص المكفوفين والمبصرين. ولا يعني ذلك أنه لا توجد أية فروق بينهم من النواحي الاجتماعية، ولكن المقصود هو أن الفروق عندما توجد لا تعزى إلى الإعاقة بحد ذاتها وإنما إلى الأثر الذي قد تتركه على ديناميكية النمو الاجتماعي. فعملية النمو الاجتماعي عملية تفاعلية يشترك فيها الأشخاص الآخرون بفعالية. وبناء على ذلك، فإن ردود فعل الآخرين للشخص ذي الإعاقة البصرية تلعب دوراً بالغاً في نموه الاجتماعي.
وذكرت الحديدي أن البصر ليس المصدر الوحيد في هذا الصدد ولكن السمع واللمس والرائحة جميعها تبقى مصادر للتعرف على الناس. في حالة فقدان البصر هذه المصادر جميعاً تبقى محدودة. وهذا كله قد يترتب عليه مواجهة الطفل الكفيف لصعوبات كبيرة ليس في التعرف على الناس الذين يرتبط بهم ارتباطاً عاطفياً وثيقاً ولكنه أيضاً قد يجعل من الصعب عليه استثناء الغرباء.
وذكرت الحديدي أنه بسبب فقدان البصر، يحتاج الطفل الكفيف إلى مساعدة الوالدين أكثر من الأطفال المبصرين وهذا يصاحبه عدم تلبية كثير من حاجاته مما قد يجعله يشعر أن الآخرين لا يهتمون به، وهذا يؤثر بشكل أو بآخر على علاقة الطفل الكفيف بوالديه، مما يولد لديه إحساساً عاماً بأنه غير قادر على التحكم ببيئته، وهذا الشعور قد يدفع بالطفل إلى الاهتمام بنفسه أكثر من اهتمامه بالمحيط الخارجي وهذا الشعور بعدم اهتمام الوالدين به أو عدم معرفته بأن الوالدين يلاحظانه أثناء نشاطاته المختلفة قد يولد لديه شعوراً بعدم الأمان مما قد يحد من محاولاته لاكتشاف بيئته. وهذا الشيء قد يؤثر على النمو الاجتماعي للطفل الكفيف بل وعلى نموه المعرفي أيضاً.
وفي الجزء الأخير من هذه الورقة، أشارت الحديدي إلى أن النمو اللغوي العام للطفل الكفيف يبدو مكافئاً للنمو اللغوي للطفل المبصر. على أن هناك رأيين حول لغة ذوي الإعاقة البصرية، الرأي الأول يشير إلى أن الإعاقة البصرية لا تؤثر على النمو اللغوي لأن حاسة السمع هي القناة الرئيسية لتعلم اللغة. والرأي الآخر يشير إلى أن النمو اللغوي للشخص الكفيف يختلف عنه للمبصر حيث يوصف الشخص الكفيف بأن لديه لاواقعية لفظية. والمقصود بذلك هو اعتماد الشخص الكفيف على الكلمات والجمل التي لا تتوافق وخبراته الحسية. فالشخص الكفيف يصف عالمه اعتماداً على وصف المبصرين له ولهذا فهو يعيش في عالم غير واقعي. وما يعنيه ذلك هو أن الشخص الكفيف لا يصف بيئته بكلمات ذات معنى بالنسبة لما يحس به هو. إن اللاواقعية اللفظية محاولة من الشخص الكفيف للحصول على موافقة مجتمعه ولذلك فهو يعمل كما يريد مجتمعه.
وهناك لغة غير لفظية يتواصل من خلالها الناس كهز الرأس والتعبيرات الوجهية ووضع الجسم. ولا يعي الشخص الكفيف الأبعاد البصرية للتواصل فهو يستقبل معلوماته من الكلمات ونبرة الصوت فقط وكلاهما قد يساء تفسيره.
- منى صبحي الحديدي أستاذة التربية الخاصة في قسم الإرشاد والتربية الخاصة، كلية العلوم التربوية / الجامعة الأردنية. حصلت على البكالوريوس من الجامعة الأردنية (1978),، والماجستير من جامعة ولاية متشيغان (1982),، والدكتوراه من جامعة ولاية اوهايو (1982),. عملت عميداً لكلية العلوم التربوية وعميداً لكلية الدراسات العلياورئيساً لقسم الارشاد والتربية الخاصة في الجامعة الأردنية.
- شاركت في عضوية عشرات اللجان والمجالس العلمية والمنظمات المحلية والدولية مثل: لجنة التعيين والترقية، وهيئة تحرير المجلة الأردنية في العلوم التربوية، ومجلس إدارة مركز المرأة، واللجنة التنفيذية للجمعية العلمية لكليات التربية ومعاهدها في الجامعات العربية، ومجلس إدارة مركز تنمية القوى البشرية، ولجنة اعتماد المجلات العلمية، واللجنة الوطنية للمنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم، ولجنة تحكيم جائزة عبد الحميد شومان للباحثين الشبان العرب.
- لها عدة كتب في التربية الخاصة منها: مقدمة في الإعاقة البصرية، والمدخل إلى التربية الخاصة، ومناهج وأساليب التدريس في التربية الخاصة، ومقدمة في التدخل المبكر. ونشر لها عدة بحوث في مجلات عربية وأجنبية محكمة.
- شاركت في عشرات الدورات التدريبية والمؤتمرات والندوات العلمية. وقدّمت عدداً كبيراً من الاستشارات في التربية الخاصة على المستوى المحلي والعربي، وأشرفت على أكثر من أربعين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه في التربية الخاصة، وقامت بتدريس أكثر من 30 مادة في التربية الخاصة على مستوى البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
- حصلت على عدد كبير من شهادات التقدير والتميز من جهات متنوعة مثل: كلية الدفاع الوطني الأردنية، والجامعة الأردنية، ومدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، والصندوق الأردني الهاشمي.