تعتبر الإعاقة ظاهرة تنتشر في كافة المجتمعات الإنسانية، والأفراد المعوقون أفراد قبل أي شيء فهم بحاجة إلى أن تتاح لهم الفرص المناسبة للتعلم والنمو وأن يعيشوا ككل الأفراد في المجتمع. ولكنهم أفراد لديهم حاجات اضافية وخاصة لا توجد لدى الأفراد الآخرين.
ومن الإعاقات التي نالت اهتمامًا كبيرًا في الآونة الأخيرة اضطراب التوحد؛ إذ يُعدّ الآن أحد أكثر الاضطرابات النمائية انتشارًا، والتي تؤثر سلبًا في جوانب النمو المختلفة لدى الفرد، ولا سيما النمو المعرفي والاجتماعي والنفسي والسلوكي؛ إذ يعجز الطفل التوحدي عن تطوير مهاراته الاجتماعية منذ ثلاث السنوات الأولى من حياته، مما يؤثر في تواصله اللفظي وغير اللفظي مع الآخرين، فينعزل عن بيئته ومجتمعه وأسرته وأقرانه، وهو ما يؤثر سلبًا في أدائه الوظيفي.
إضافة إلى ذلك يُعاني الأفراد ذوي التوحد عددًا من المشكلات، ولعل من أبرزها ما يتعلق بمهارات الحياة اليومية، مثل عدم القدرة على العناية بالذات أو القيام بالأنشطة الحياتية اليومية، إذ يعجز عن رعاية نفسه، أو حمايتها، أو إطعام نفسه، أو ارتداء الملابس وخلعها، أو التعامل مع المرحاض، وكذلك في تقديره للأخطار التي يتعرض لها.
لذا تتضح ضرورة وجود برامج تدريبية لتنمية مهارات الحياة اليومية لدى الأطفال التوحديين، ولما كانت هنالك ندرة في البرامج التدريبية التي تحاول تنمية مهارات الحياة اليومية، وتنوعٌ في البرامج المستخدمة في البيئة العربية، مع عدم وجود فلسفة واضحة، أو برامج متخصصة لتدريبهم، فإن الباحث قام بإعداد برنامج تدريبي لتنمية مهارات الحياة اليومية، بالاستناد إلى أحد البرامج العالمية، وهو برنامج علاج وتربية الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وذوي الاضطرابات التواصلية المشابهة تيتشTreatment and Education of Autistic and Related Communication Handicapped Children (TEACCH).
مشكلة الدراسة:
يتعرض الطفل التوحدي إلى عدد من المشكلات التي تجعله غير معتمد على نفسه، ومحتاج إلى مساعدة الآخرين، ولعل من أبرزها عجزه عن أداء مهارات الحياة اليومية متمثلة في عدم قدرته على رعاية نفسه وإطعامها وحمايتها، بل إنه يحتاج إلى من يطعمه ويساعده في ارتداء ملابسه وخلعها، وانطلاقًا من أهمية اكتساب الأطفال التوحديين مهارات الحياة اليومية، والدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه في تحقيق التكيف مع المجتمع، كان لا بد من وجود برامج تعمل على تعليمها للأطفال التوحديين، ومن هنا ظهرت مشكلة الدراسة، وتركزت في كون هذه الفئة تُعاني من ضعف في مهارات الحياة اليومية، وهذا بدوره أثر على سلوكهم التكيفي؛ لذا لا بد من اعتماد برامج تُعنى بمهارات الحياة اليومية، وتهتم بحاجات هذه الفئة، وتنطلق منها، وفي ضوء هذه الاعتبارات يمكن أن تتلخص مشكلة البحث في السؤال الآتي:
ما فاعلية التعليم المنظم لبرنامج تيتش (TEACCH)
في تحسين مهارات الحياة اليومية لدى الأطفال التوحديين؟
أهمية البحث:
يمكن بيان أهمية البحث في النقاط الآتية:
- التركيز على أحد البرامج العالمية المستخدم مع أفراد التوحد، وبيان فاعليته مع الأطفال منهم، من خلال التركيز على أهم المبادئ التي يقوم عليها، وهو التعليم المنظم Structured Teaching، ومن ثم تزويد المسؤولين عن إعداد البرامج التدريبية ببرنامج قد يُسهم في تنمية مهارات الحياة اليومية لدى الأطفال التوحديين.
- تناوله لفئة معينة من الأطفال يُعاني المتعاملون معها من مجموعة من الصعوبات، منها ضعف مهارات الحياة اليومية، ومن ثم تقديم برنامج تدريبي لتنميتها، وهو ما يُسهم في ممارستهم لتلك المهارات في حياتهم اليومية، من دون الاعتماد على الآخرين في تلبية احتياجاتهم.
أهداف البحث:
- التحقق من فاعلية التعليم المنظم في برنامج تيتش TEACCH في تحسين مهارات الحياة اليومية لدى الأطفال التوحديين.
- تطوير مهارات الحياة اليومية لدى الأطفال ذوي التوحد، وذلك في المجال الشخصي: تناول الطعام، وارتداء الملابس، والنظافة العامة.
- توفير قائمة لتقدير مهارات الحياة اليومية لدى الأطفال ذوي اضطراب التوحد.
فرضيات البحث:
- الفرضية الأولى: توجد فروق ذات دلالة احصائية بين متوسطي رتب درجات أفراد المجموعة التجريبية على أبعاد مقياس مهارات الحياة اليومية ومجموع الابعاد في القياسين البعدي والقبلي لصالح القياس البعدي.
- الفرضية الثانية: توجد فروق ذات دلالة احصائية بين متوسطي رتب درجات أفراد المجموعة الضابطة على أبعاد مقياس مهارات الحياة اليومية ومجموع الابعاد في القياسين البعدي والقبلي.
- الفرضية الثالثة: توجد فروق ذات دلالة احصائية بين متوسطي رتب درجات أفراد المجموعة التجريبية ومتوسطي رتب درجات أفراد المجموعة الضابطة في القياس البعدي على أبعاد مقياس مهارات الحياة اليومية ومجموع الابعاد.
- الفرضية الرابعة: توجد فروق ذات دلالة احصائية بين متوسطي رتب درجات أفراد المجموعة التجريبية على أبعاد مقياس مهارات الحياة اليومية ومجموع الابعاد في القياسين البعدي والمؤجل.
- الفرضية الخامسة: توجد فروق ذات دلالة احصائية بين متوسطي رتب درجات أفراد المجموعة التجريبية على أبعاد مقياس مهارات الحياة اليومية ومجموع الأبعاد في القياسين القبلي والمؤجل.
إجراءات البحث
- منهج البحث: أخذ البحث الحالي بالمنهج شبه التجريبي باعتبار أنه يقيس فاعلية برنامج تدريبي (كمتغير مستقل) في تنمية مهارات الحياة اليومية (كمتغير تابع) لدى الأطفال التوحديين.
- عينة البحث: تألفت العينة من (12) طفلاً من الأطفال التوحديين ممن تراوح أعمارهم ما بين (4-7) سنوات جميعهم من الذكور، تم توزيعهم على مجموعتين الأولى ضابطة تتألف من (6) أطفال، والثانية تجريبية تتألف من (6) أطفال.
- أدوات البحث:
- مقياس مهارات الحياة اليومية من إعداد الباحث.
- البرنامج التدريبي لتنمية مهارات الحياة اليومية من إعداد الباحث.
- الأساليب الإحصائية:
- أسلوب مان وتني (Mann-Whitney U) لقياس دلالة الفروق بين المجموعات غير المرتبطة.
- أسلوب ويلككسون (Wilcoxon) لقياس دلالة الفروق بين المجموعات المرتبطة.
نتائج البحث:
- توجد فروق ذات دلالة احصائية بين متوسطي رتب درجات أفراد المجموعة التجريبية على أبعاد مقياس مهارات الحياة اليومية ومجموع الابعاد في القياسين البعدي والقبلي لصالح القياس القبلي.
- لا توجد فروق ذات دلالة احصائية بين متوسطي رتب درجات أفراد المجموعة الضابطة على أبعاد مقياس مهارات الحياة اليومية ومجموع الابعاد في القياسين البعدي والقبلي.
- توجد فروق ذات دلالة احصائية بين متوسطي رتب درجات أفراد المجموعة التجريبية ومتوسطي رتب درجات أفراد المجموعة الضابطة في القياس البعدي على أبعاد مقياس مهارات الحياة اليومية ومجموع الابعاد لصالح أفراد المجموعة التجريبية.
- لا توجد فروق ذات دلالة احصائية بين متوسطي رتب درجات أفراد المجموعة التجريبية على أبعاد مقياس مهارات الحياة اليومية ومجموع الابعاد في القياسين البعدي والمؤجل.
خرج البحث بمجموعة من التوصيات والمقترحات كان من أهمها:
- تطبيق برنامج (TEACCH) في المراكز والمؤسسات التي تعنى بأفراد التوحد.
- توفير ورش تدريبية لتدريب معلمي التربية الخاصة وأسر القائمين على تعليم الأفراد الذين يعانون من التوحد، على كيفية استخدام وتطبيق التعليم المنظم في برنامج TEACCH.
- الاعتماد على الوسائل البصرية في البرامج المقدمة للأطفال التوحديين، مع ضرورة توفير بدائل تواصل متنقلة لديهم، لضمان قدرة الطفل على التعبير عن احتياجاته لأي شخص.
- اجراء دراسات حول فاعلية هذا البرنامج باستخدام متغيرات أخرى وعدد أكبر من الأطفال التوحديين.
(*) بحث مقدم لملتقى التوحد (خارج المتاهة)
مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، أبريل 2015
- اسمي محمد وليد الشمالي ولدت في مدينة حمص السورية وتخرجت من جامعتها متخصصا بالتربية وعلم النفس وحصلت على شهادة الماجستير في التربية الخاصة من الجامعة الاردنية عام 2012 لأعود إلى مدينتي وأعمل في مركز الربيع للتوحد.
- انتقلت بعدها للعمل في وزارة التربية والتعليم في مجال التشخيص والتقييم والدمج.
- شاركت في تأسيس وتدريب العديد من المراكز في سوريا في مجال التربية الخاصة ونشرت العديد من المقالات والأبحاث حول الاعاقة.
- عضو في الفريق البحثي وفريق التقنيات المساندة في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
لدي العديد من النشاطات العلمية:
- 2016: تدريب فريق عمل وأسر مركز الشارقة للتوحد على برنامج بيكس (PECS).
- 2013: تدريب فريق عمل مركز سوا لذوي الاحتياجات الخاصة ـ طرطوس (سوريا) في مجال الإعاقة العقلية ـ التوحد- صعوبات التعلم- تعديل السلوك ـ البرامج التربوي الفردية.
- 2011: تدريب فريق عمل جمعية الرازي للمعاقين – دمشق في مجال تعديل السلوك، والتوحد، صعوبات التعلم، والبرامج التربوية الفردية.
- 2009: تدريب فريق عمل جمعية الربيع في حمص على استخدام مقاييس التقييم (مقياس السلوك التكيفي ـ مقياس هيلب – مقياس aba.