تتفاوت نسبة الإعاقة عند الأطفال في العالم من بلد إلى آخر، تبعا للتفاوت الحضاري والمدني بينها، ومدى حرصها على التقدم في مجالات الحياة. ولعل بلدنا العربي، نتيجة لظروفه الاجتماعية والاقتصادية، يمكن اعتباره من البلدان التي يتعرض فيها الطفل إلى العوق بكل أشكاله. وتختلف نسبة العوق هنا تبعا لمديات تقدمها ووعيها وظروفها.
لقد أدركت الدول العربية أخيراً، خاصة المستقرة منها، والتي تتوفر قياداتها على قدر من الوعي والإدراك، خطورة هذا النقص الكبير في أجساد ونفوس أبنائها، فأسست لما يعالج هذا النقص عندها، يشاركها في ذلك المثقفون والمبدعون عبر منشوراتهم، وفنونهم السمعية والبصرية، ومشاركاتهم في أنشطة المنظمات المدنية المتعددة.
لقد استطاع المعنيون بالعلوم الاجتماعية والتربوية، تشخيص العوق النفسي وأسبابه وهو لا يقل خطورة عن العوق الجسدي بشقيه، الوراثي، أو الناتج عن الحوادث بكل أشكالها.
كما استطاعت الدول المتقدمة في الحقول العلمية أن تعين الأشخاص ذوي الإعاقة بالأجهزة المتطورة، لتمكنهم من استعادة نشاطهم العملي، وتعيد لمجتمعاتهم ما خسرته، في هذا الإنسان، من ثراء.
إن الدولة، هي، من يتكفل، أولاً، برعاية أبنائها من ذوي الإعاقة، وإعادتهم إلى وضعهم الطبيعي دونما منة عليهم، بل هو واجب حتمي مع الواجبات الرئيسة لبناء المجتمع السليم، ومنها تكوين المؤسسات الحاضنة لرعايتهم وتعليمهم، وتوفير الأجهزة المتطورة لهم.
سوف أتناول هذا الموضوع من خلال ثلاثة محاور أساسية هي:
- الإعاقة النفسية عند الطفل وأثر الإعاقة الجسدية فيه.
- الإعاقة النفسية ومدى خطورتها على عقلية الطفل ونفسيته.
- أسباب الإعاقة النفسية، وعلاجها بمعرفة أسبابها.
إن الإعاقة النفسية، في غالبها، تحدث نتيجة للعنف الرمزي الذي يواجهه الطفل في البيت، والمجتمع والمدرسة، ومنها:
- ما يواجهه الطفل في البيت من التسلط القهري لأبيه على أمه وأفراد عائلته. أو من أقربائه.
- فقدان الطفل لأمه، وتعرضه للإهمال والمعاملة القاسية من قبل زوجة أبيه.
- العيش في دور الأيتام، وهو لا يعرف شيئاً عن والديه، وافتقاده الحنان في المربين والمشرفين التربويين في هذه الدور.
- إنخراطه في العمل المرهق المبكر في الورش والمعامل، والبحث في حاويات القمامة لالتقاط ما يمكن بيعه لإعالة عائلته.
- استغلاله من قبل محترفي التسول وعصابات الإجرام المنظمة.
- المعاملة التربوية الخاطئة من قبل إدارة المدرسة وكادرها، وتشمل، هذه المعاملة، المنهج الصفي واللاصفي، وطريقة تنفيذهما.
- ما يقابله من سخرية من البعض لما بات يحمله من صفات خلْقية ناشزة.
يتضح لنا أن الإعاقة النفسية والجسدية (في انعكاسها على النفس)، واستمرارها دونما علاج من قبل الدولة بمستوياتها القانونية والاجتماعية والثقافية، سوف تجعل الطفل ينطلق بقوة مدمرة مندفعة بروح الثأر والانتقام من كل شيء. ومن المؤسف أن العديد من أفراد المجتمع يحسبونه فضلة وعالة، ويتعاملون معه بكره وسخرية، سيما أولئك المصابين بالشيزوفرينيا وبعض حالات اضطراب طيف التوحد، فيجابهون هذه المعاملة بالإيغال في الانفصال والعزلة، وقد تند منهم أو تصدر عنهم، عند الضغط عليهم، ردود عصبية مخيفة، وأفعال خطرة.
حين نستعرض حواضن الإعاقة النفسية: البيت والمجتمع والمدرسة، نرى أن المدرسة أكثرها خطراً، لأن الإعاقة تتسرب إلى نفس الطفل بشكل خفي، وغير متعمد من قبل الذين يتولون تعليمه وتربيته، لأنهم، أصلاً، لا يدركون الأخطاء التربوية التي يجترحونها في تنفيذ واجباتهم، كما لا يدركها الطفل، وهو يستقبل بشغف ما يمليه عليه معلموه.
غير أن هناك من المجتهدين النابهين الذين استطاعوا تحديد العديد من مسببات هذا العوق وتأثيره، منها ما يكمن في المنهج الذي لا يناسب عقلية الطفل في مرحلته المقررة، وهذا ما يفسر لنا سبب التغييرات في المناهج بين حين وحين، مع التوجيهات الملزمة من قبل المؤسسات التربوية لمعالجة الأخطاء، سواء، في مواد المناهج، أو في طرق تعليمها، وفي العلاقة الذاتية بين المعلم وتلميذه التي تصل في كثير من الأحيان حد الإهانة والقساوة.
غير أن هذه التغييرات والتوجيهات قد ركزت على المناهج الصفية، أما اللاصفية، سيما المسرح والرسم، فلا تحظى إلاّ بالنزر اليسير من الاهتمام، برغم أنها لا تقل خطورة في تأثيرها النفسي على الأطفال، ذلك التأثير الذي يظل مرافقاً لعقولهم وسلوكهم في الحياة، لشكل الإعاقة النفسية التي ستكوّن شخصيته، وستكون محور أفكاره ومنطلقاتها في علاقته مع المجتمع عموماً، وعمله ووظيفته خاصة.
أما مكامن الإعاقة النفسية في الحقل المسرحي، فنلخص أهمها فيما يأتي:
- لغة المسرحية ومضامينها واتجاهاتها التي لا تناسب عمر الطفل ومستوى مداركه.
- الأدوار التي يكلف الطفل بها، لا تتناسب مع حجم الطفل وصوته، ومخيلته، كقيامه بدور البطل العنيف الماهر باستعمال السلاح. هذا السلاح (اللعبة) الذي لا يفارق الطفل في لعبه مع أقرانه خارج المدرسة، والذي سبب لهم الكثير من الأضرار الخطرة.
- قيامه بدور الرجل العجوز، حيث تشوه خلقته.
- تكليفه بتمثيل ما يخالف جنسه، وهذا ما يحصل في المجتمعات التي تحرم اختلاط الذكر والأنثى حتى في المرحلة الابتدائية، فتزرع، في نفس الطفل نوازع الريبة والخوف من الجنس الآخر.
- التدريب والتمثيل في الأماكن التي لا يصح العمل فيها لافتقارها إلى مستلزمات المسرح المتكامل، حيث من المفترض أن توفر للطفل الراحة الضرورية في عمله، وتحميه مما يمكن حدوثه من الأخطار.
- وهكذا تظهر لنا أدوار الانتحال بأشكالها، وإخضاع الطفل لتمثيل ما لا يدركه، ثم التصفيق له، ومكافأته لقيامه بهذا الانتحال الذي نسخ شخصيته الحقيقية من أجل إرضاء الآخرين ونيل جوائزهم، ويرسّخ في عقله الباطن القناعة، بأن الحياة لعبة أقنعة، والفائز هو من يجيد ارتداء القناع.
أما في درس الرسم، فما زلنا لا ننتبه إلى خطورة ما تتضمنه الأشياء التي يرسمها الطفل، من مفاهيم خاطئة، ويكررها دون وعي منه بخطورتها، ولا ننظر، نحن، إلاّ إلى خطوطها، وألوانها.
لقد حفزتني هذه الملاحظات التي اكتشفتها إلى تضمينها في قصيدة كتبتها إلى الطفل ونشرتها منذ زمن، ولكن الحال ظل كما هو الآن. وها أنا أكررها ثانية، لتطلعوا على ما يشكل مصدراً هاما للإعاقة النفسية عند أطفالنا، حيث تتعتم بصيرته، فلا يميز بين الصحيح من الخطأ، والقبح من الجمال.
يا ولدي
يا ولدي
لا ترسم ْ شيئا لم تره ُ
أو شيئا لا تعقله ُ
يا ولدي
لا ترسم ْ طفلاً من غير رداء
أو شجراً من دون سماء
يا ولدي
لا ترسم ْ طرقاتٍ تخلو
من خطوات الناس
يا ولدي
لا ترسمْ عصفوراً في قفصٍ
بلْ فوق الأشجار
يا ولدي
لا ترسمْ قطرة ماء
بل ْ ارسم مطراً
يا ولدي
لا ترسمْ أحداً إلاّ مبتسماً
أو مهموماً بهموم الناس
يا ولدي
لا ترسمْ سكيناً
فالصورة تبدو مرعبةً كالسكين
يا ولدي
لا ترسم عدوانياً بالألوان
يا ولدي
لا ترسمْ كوخاً في أجمل شكل
فالأكواخ لا يجدر أن تبقى!
لكن الأطفال ما زالوا يكررون هذه الرسوم، وينالون عليها الثناء
إن هذا الطرح الموجز عن الإعاقة النفسية وأسبابها، وخطورتها، لا يمكن حصره بمثل هذا المقال، لأن الإحاطة الشاملة والدقيقة تتطلب بحوثاً واسعة من قبل المتخصصين في علوم الطب، والنفس، والاجتماع.
ولدتً في مدينة الناصرية ـ محافظة ذي قار ـ العراق. أكملت دراستي الابتدائية والثانوية في مدارسها. نلتً شهادة البكالوريوس ـ آداب في كلية الآداب ـ بغداد سنة 1957م. اشتغلت في التدريس في مدينة الناصرية. انتقلت إلى مدينة الحلة سنة 1968م. أحلت إلى التقاعد سنة 1982م.
- عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق.
- عضو نقابة الفنانين العراقيين.
- أصدرت مجموعة شعرية بعنوان (تقول الوردةُ: انظروا هذه أنا) عن دار الشؤون الثقافية ـ بغداد سنة 2005.
- أصدرت مجموعة شعرية في أدب الأطفال بعنوان (ولدي.. يا براءة الياسمين!) عن دار الشؤون الثقافية ـ بغداد سنة 2007.
- صدرت لي عن دار رند ـ دمشق مجموعتي الشعرية (الوردة فوق صدري) سنة 2009م.
- عن دار رند ـ دمشق أيضاً صدرت مجموعتي الشعرية (ملكة لليل) سنة 2010.
- صدرت لي مجموعتي المسرحية (مرآة النرجس) عن دار الشؤون الثقافية ـ بغداد 2011.
- نشرت العديد من المقالات الأدبية في الصحف والمجلات العراقية.
- صدرت لي المجموعة الشعرية (حينما يرتقي الضحى نوافذي) عن دار تموز ـ دمشق 2012.
- مسرحيات للطفل بعنوان (الشجرة الذهبية) عن وزارة الثقافة العراقية ـ بغداد عاصمة الثقافة العراقية 2013.
- مجموعة شعرية (أيها البرق.. أنت أنا!) عن دار الطباعة والنشر ـ بابل.
0780 3225398