لن أناشدك باسم التعاطف أو الإحسان لكني سأحدثك باسم الإنسانية… لا يخفى عليك أن البشر مختلفون في الشكل واللون والعرق والأسلوب، كذلك أنا أختلف عنك وأنت أيضاً مختلف عني كثيراً.
هذا لا يعني أن أحدنا يتميز عن الآخر، ولكن يعني أن هناك اختلافاً في مواطن تميزنا، فجميعنا مميزون بما وهب الخالق.
أنا الأصم، أنا الشخص الذي يجهل الكثير عن مجتمعك، ربما يجهل معاني، ربما يجهل حروفاً، ربما يجهل كلمات، او عبارات… لكنني إنسان أتساوى معك في الإنسانية دون شك، ففقداني لحاسة السمع لا يعني فقداني الحياة.. نعم، ما زال قلبي ينبض بالحياة ذاك القلب الذي يُمكنني من فهمك واستيعاب ما تريد قوله فأنا أرى إشاراتك وتعبيرات وجهك وجسدك بأكمله بعيني ولكنني أسمعها جميعاً بقلبي.. لا أطلب منك أن تكون محترفاً للغتي عند التحدث إليّ، كذلك لا أنتظر منك شفقة أو إحساناً.. أريد منك أن تتعامل معي من منظور آدميتي فقط، فأنا أعيش معك على نفس الكوكب، ربما نفس البلد، تقريباً نفس المحافظة، ومن المحتمل نفس الشارع، ومن الممكن نفس المبنى، وأحياناً نفس الطابق..
أنا أسمع نظرتك التي ينبعث منها الكثير من الخوف، وأسمع كذلك ضيقك حين لا تفهم ما أريد قوله.. فقلبي يخبرني بكل شيء..
عجباً، نوشك أن نصل إلى عشرين عاماً من الألفية الثالثة ولا زلت تجهلني، وتجهل لغتي وتجهل وجودي كإنسان طبيعي إلى حد كبير، لا ترى مني غير أجزاء مشوهة ابتدعها بعض الأفراد، فقمت وأنت أكثر علماً ووعياً وثقافة بتعميم القاعدة لتشملني دون حول مني ولا قوة.. إذ أنك لا ترى في الأصم غير شخص همجي عشوائي يصيح حين لا يفهمه من حوله…! ألا تصيح حين لا يفهمك من حولك؟! – لا أبرر الخطأ بالخطأ – ولكن أود إخبارك أني لست غريباً عنك فأنا إنسان ومشاعر الغضب التي تتملكني أنت لست عنها ببعيد.. وما شأني في أن تُمحور نظرتك للأصم في شاب عشريني يقف عند الأنفاق يسألك المال.. أما ترى الأصحاء الذين يدّعون المرض ليجلبوا الشفقة ويأخذوا المال.. لماذا تعمم ذلك على مجتمع السامعين ككل.. هذا الشخص الذي تراه في الأنفاق لا يمثل سوى جزء من كل متكامل من مجتمع كبير أنت لم تفكر في فهمه يوماً من الأيام..
كل ما تفعله هو تجنبي والاحتراز مني، لكنك لا تسعى للتعامل معي كإنسان.. كل ما يفصله عنك ذبذبات صوتية تتلقاها الآذان.. عليك أن تعلم بأني إن فقدت السمع فكلي عيون صاغية ترصد وتفهم وتتفاعل بإشارة من قلبي وعقلي.. لست غريباً عن عالمك بل أنا جزء منه.
صديقي أريد أن أتواصل معك.. أريدك أن تخبرني ما لا ترصده أذناي.. أريد صدقك وأمانتك..
صديقي أنت لا زلت بعيداً كل البعد عن مجتمعي الذي أعدك إن دخلت إليه لن تنوي الرحيل عنه أبداً، أعدك أن تجد الصدق البشري الذي طالما بحثت عنه طويلاً في معاملاتك اليومية، فالنفاق لا يعرف طريقاً لقلبي وإن تخلل.. أعدك أن تجد فطرتي السليمة تغلبني معظم الوقت..
نور النبي بدر.. لسان لصماء
- ليسانس في علم النفس.. أثناء دراستها بالجامعة كان لديها شغف تعلم لغة الإشارة، وبعد التخرج حازت على فرصة دراسة هذه اللغة في إحدى الجمعيات المتخصصة، وفي هذه الجمعية وإلى جانب اكتسابها للغة الإشارة تعرفت على مجتمع الصم بصورة أكثر عمقاً وأدركت سيكولوجيتهم من خلال واقع حياتهم كما برزت أمامها مواطن القوة في شخصياتهم..
- واتضح لها جلياً أن للصم قدرتهم الفائقة في الاندماج مع مجتمع السامعين بصورة عادية للغاية وأن ما يدعم تواصلهم مع السامعين هو التعامل الذي يتميز بالهدوء والإنصات مصحوباً بالاحترام من جهة السامعين.. فهذا يقلل حدة توتر الأصم ويكسبه الأمان والاطمئنان خلال التعامل.
- مارست نورالنبي مهنة تدريس اللغة الإنجليزية للصم ممتزجة بلغة الإشارة.. لتجد أن ما أحرزه طلابها من تطور ملحوظ في اكتساب اللغة الإنجليزية جعلها تتيقن أن الأصم لا يحتاج إلا إلى فرصة حقيقية في التعلم مع احترام قدراتهم من قبل المعلم والإخلاص في نقل المعارف لهم؛ سعياً نحو الوصول بهم إلى مستوى تعليمي راقٍ يليق بإنسانيتهم ويقدم لهم أبسط حقوقهم الإنسانية في التعلم..
نورالنبي مشاعر فياضة وشخصية أدمجت الصم بداخلها لتكون منهم نسيجاً إنسانياً متكاملاً.
سامي جميل