شعار هذا العام في اليوم العالمي للإعاقة هو (ليست كل الإعاقات ظاهرة)، وهذا هو أحد المسميات التي تطلق على الأطفال ذوي صعوبات التعلم، وتسمى أيضاً الإعاقة الخفية، حيث أنها ليست ظاهرة كالإعاقات الجسدية أو الحسية، وبمناسبة هذا الشعار أود أن استعرض معكم تجربة شخصية حدثت في ربيع عام 2016م أثناء مرحلة دراسة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية، فأثناء دراستنا لأحد مواد صعوبات التعلم، أخبرنا البروفيسور أن علينا متطلب ميداني في المادة، عبارة عن عمل لمدة ثلاثة أسابيع في مدرسة خاصة بالطلبة ذوي صعوبات التعلم فقط.
قبل الذهاب إلى المدرسة تم أخذ الموافقة من إدارة المدرسة على السماح لنا بالتدريب والعمل لديهم؛ ولكي توافق المدرسة كان لا بد من أمرين أساسيين هما: خطاب من الجامعة يوضح المطلوب من الطالب داخل المدرسة، الأمر الآخر هو إحضار ورقة من مركز سجل البصمات الأمني توضح السجل الإجرامي السابق للشخص إن وجد، وفي الأسطر التالية سأسرد بعض المعلومات عن المدرسة، وبعض المشاهدات حول طريقة عمل المدرسة.
تأسست المدرسة عام 1977م لخدمة الأفراد الذين يعانون من العسر القرائي، اضطراب النشاط الزائد، وصعوبات التعلم، وكان عدد الطلاب فيها في ذاك العام حوالي 88 طالباً وطالبةً من الصف الثالث الابتدائي إلى الصف الثالث الثانوي، ومتوسط أعداد الطلاب في الصف هو 8 طلاب لكل صف، وتبلغ الرسوم الدراسية حوالي 16 ألف دولار سنوي لكل طالب مع توفير بعض الدعم لمن يحتاج ذلك عن طريق المتبرعين أو الداعمين للمدرسة.
تقع المدرسة في أحد أجمل الأرياف الأمريكية وهي في ضواحي مدينة ناشفيل الأمريكية، تتوفر في المدرسة عدة خدمات مساندة مثل المواصلات، وتدريب المرحلة الانتقالية، وخدمات اضطرابات اللغة والكلام، وتحليل السلوك التطبيقي، وعدة ملاعب رياضية، ومسرح، وقاعة احتفالات، وصفوف دراسية واسعة مجهزة بأحدث التقنيات.
طريقة العمل الأساسية داخل المدرسة هي استخدام التعليم المتمايز لكل طالب وفق قدراته وما يناسبها، وعندما دخلت الفصل الدراسي للصف السادس كان المعلم يقسم الطلاب إلى أربع مجموعات، كل مجموعة عبارة عن طالبين متقاربين في القدرات، ونعلم أن المرونة من عوامل النجاح الرئيسة في العمل مع ذوي صعوبات التعلم، وهو ما كان يتم السماح به للمعلم في هذه المدرسة، وقد لاحظت أنه أثناء إعطاء الاختبار للطلاب يتم تقسيم الاختبار المعطى بناءً على قدراتهم؛ حيث أنه تم إعطاء 4 طلاب من أصل 8 طلاب أسئلة اختيار متعدد مع وجود إجابتين لكل سؤال، بينما باقي الطلاب تم إعطاؤهم 4 إجابات؛ حيث أن قدراتهم تسمح لهم بهذا القدر، ولاحظت أيضاً أن المعلم لديه الصلاحية في إعادة الاختبار مباشرة للطلاب دون الحاجة إلى إذن مسبق، كما لاحظت أيضاً أن المعلم كان يستخدم الأسئلة الشفهية بديلاً عن المكتوبة أحياناً؛ للتأكد من فهم واستيعاب الطالب، بالإضافة إلى تكرار المعلومات كثيراً وبطرائق متنوعة ومختلفة.
عند سؤالي إدارة المدرسة لماذا لا يتم قبول الطلاب في الصف الأول والثاني لديكم؟ كان الجواب أنه في فلسفة المدرسة لابد من إعطاء الطالب فرصة في التعليم العام حتى يجرب قدراته في البيئة الطبيعية له؛ لذلك لا يتوفر لدينا الصف الأول أو الثاني الابتدائي.
ومن أبرز الملاحظات داخل المدرسة هو روح التعاون والمرح بين المعلمين والطلاب؛ حيث لاحظت أن مدير المدرسة أخذ دوره في لعب كرة السلة مع الطلاب في جو من المرح قبل أن يعكر صفوه حصول خلاف بين اثنين من الطلاب، وكان للتدخل المباشر من المدير اللاعب عظيم الأثر في حل الخلاف في حينه، واستمرار اللعب بدون تنمر يذكر، يبدو أن المدير كان يدرك حدوث ذلك مسبقاً لذلك حرص على تواجده ومشاركته.
من المشاهدات أيضاً تدريب الطلاب وإعدادهم للمرحلة الانتقالية، مع التركيز على مهارات الحياة الاستقلالية، ومهارات العمل وإعدادهم لما بعد المدرسة من تهيئة لسوق العمل، بدءاً بالتدريب المتكرر على تعبئة استمارات التقديم للوظائف المتاحة، وانتهاءً بالتدريب على المهارات الناعمة للنجاح في العمل مثل: الحضور في الوقت، واتباع التعليمات، وطريقة التعامل مع الزبائن أو الرؤساء.
من الملاحظات أيضاً تنوع الأنشطة الرياضية والثقافية بأنواعها للطلاب؛ لما في ذلك من فوائد لهم من حيث: رفع الثقة بالنفس للطلاب، وتخفيف الضغط والتوتر. ومن الأمور التربوية التي تلفت الانتباه في المدرسة أيضاً هو تقارب مستوى الطلاب الدراسي؛ حيث لا يشعرون بوجود فارق كبير بينهم من حيث القدرات علماً أنهم يدركون جيداً أن هذه المدرسة ليست كالمدارس الأخرى، فعندما بادروني بالسؤال عن سبب انضمامي للمدرسة لأنهم ظنوا أنني طالب جديد ــ حيث كنت أجلس في آخر الصف مركزاً نظري نحو المعلم وكأنني طالبٌ نجيب يجلس بجوار حقيبته المدرسية ــ أجبتهم بأنه من الممكن أن أنضم إليهم، ولكن قبل انضمامي ما رأيكم بالمدرسة؟ موجهاً السؤال لهم، فأجابوا: إنها رائعة، ولكن تعتبر مدرسة بطيئة جداً مقارنة بمدارس التعليم العام التي كانوا يدرسون بها، أنا: لماذا؟ أجابوا بصوت واحد: لأنها مدارس سريعة، أنا: لماذا سريعة؟ أجابوا: لأن قراءتهم سريعة، وكذلك يحلون المسائل بسرعة، وكل شيء يحدث في تلك المدارس بسرعة.
وعندها أدركت جيداً أن الكثير من المدراس لا تراعي تنوع قدرات الطلاب، وربما لا تعلم تلك المدارس عن مدى عمق التأثير النفسي الذي يصيب الطلاب بسبب مقارنة أنفسهم مع الآخرين، وأيضاً أدركت كيف يقارن الأفراد ذوو صعوبات التعلم أنفسهم بالآخرين؛ مما يجعلهم يشعرون بالنظرة الدونية لذواتهم بسبب هذه المقارنة غير العادلة.
ومن أهم الركائز لدى هذه المدرسة هو اعتماد شهادتها للمرحلة الثانوية في الجامعات المحلية بالولاية؛ نظراً لأنها تطبق معايير الولاية بطريقة ملائمة لقدرات طلابها، كذلك تنسيقها مع إحدى الجامعات الخاصة لقبول طلابها، ومراعاة قدراتهم أثناء التدريس، وتهيئة البيئة الجامعية لفئة الطلاب ذوي صعوبات التعلم من أجل أن ينجح الطلاب.
لا يوجد الكثير من السلبيات في هذه المدرسة، ولكن من أكثر الأمور التي أظن أنها بحاجة إلى انتباه وتقدير ومراجعة هي تنوع القدرات؛ حيث أن الطالب من ذوي صعوبات التعلم قد يصل إلى تكوين قناعة داخلية بأنه لا ينجح إلا في بيئة ذات طابع بطيء، وأنه لا يمكنه المنافسة في بيئة أسرع منه أو متنوعة؛ حيث أن هذا النمط يخالف واقع الحياة التي هي عبارة عن تنوع واختلاف في كل مناحيها، وربما تحتاج المدرسة إلى تعريض الطلاب لخبرات متنوعة ومتفاوتة في المستويات حتى تسد هذه الفجوة أو على الأقل تلفت انتباههم لها.
رأيي الشخصي أنها تجربة فريدة من نوعها ومن الممكن الاستفادة منها في الإيجابيات السابقة الذكر، مع أهمية مراعاة توفير بيئة مشابهة لواقع الحياة من تنوع المستويات حتى يكون تدريب وتعليم الطالب أقرب للواقع الذي يتواجد فيه ثلثي يومه العادي وباقي حياته بعد تخرجه من المدرسة.
د. عبد الله الغامدي
[email protected]
[email protected]
00966561999039
أستاذ التربية الخاصة المساعد في جامعة الطائف.
متخصص في صعوبات التعلم، مهارات القراءة، الاختبارات الدولية، تطوير التعليم.
حاصل على الدكتوراه من جامعة ولاية تينيسي الأمريكية.
لدي بحث منشور بعنوان: الصعوبات التي تواجه معلمي القراءة للتلاميذ العاديين وذوي صعوبات التعلم بالمرحلة الابتدائية.
لدي بحث اخر منشور:
Developing service-Learning skills to serve the international PK-12 students.
شاركت في مؤتمر الأطفال الاستثنائيين Council of Exceptional Children
في حلقة علمية بعنوان: Disabilities in Global Context
عضو في المنظمة منذ عام 2013 حتى تاريخه.